«داعش» يربك المدنيين في الرقة بمخاوف على مصير سد الفرات

ترجيحات باستشعاره خطر إفراغ المدينة أو التوصل إلى تسوية مع القوات المهاجمة

سد الطبقة على نهر الفرات قرب مدينة الرقة التي يتخذ تنظيم داعش منها عاصمة له في سوريا (ويكيبيديا)
سد الطبقة على نهر الفرات قرب مدينة الرقة التي يتخذ تنظيم داعش منها عاصمة له في سوريا (ويكيبيديا)
TT

«داعش» يربك المدنيين في الرقة بمخاوف على مصير سد الفرات

سد الطبقة على نهر الفرات قرب مدينة الرقة التي يتخذ تنظيم داعش منها عاصمة له في سوريا (ويكيبيديا)
سد الطبقة على نهر الفرات قرب مدينة الرقة التي يتخذ تنظيم داعش منها عاصمة له في سوريا (ويكيبيديا)

أربكت التحذيرات من انهيار سد الفرات الواقع تحت سيطرة «داعش» بريف الرقة، آلاف المدنيين الذين خرجوا من المدينة باتجاه الريف، قبل أن ينشر التنظيم حواجز عسكرية في شمال المدينة، لمنعهم من الخروج منها، والتأكيد على أن الأنباء عن قرب انهياره، عارية عن الصحة.
ويمثل سد الفرات الذي يحجز ملايين الأمتار المكعبة من المياه في «بحيرة الأسد» في ريف الرقة، أبلغ تهديد للمدنيين في 300 قرية تمتد من الرقة، باتجاه دير الزور، وهو مسار نهر الفرات الذي يعبر إلى العراق. كما يمثل تهديداً مباشراً لمدينة الرقة التي تشير التقديرات إلى أن انهيار السد «من شأنه أن يغمر المدينة بمياه تصل إلى ارتفاع 16 متراً».
وبث «داعش» صباح أمس شائعات في الرقة، عبر عناصر «الحسبة» التي نادت عبر مكبرات الصوت، بأن على المدنيين الخروج من مدينة الرقة بسبب قرب انهيار سد الفرات. ولاحقاً أذاعت سيارات الحسبة خبراً مناقضاً، قالت فيه إن «خطورة انهيار السد قد زالت»، مطالبة المدنيين بالبقاء في المدينة.
وبدا التنظيم أنه تراجع عن الإعلان الرسمي للتهديدات بانهيار السد، بعد استشعار الخطر من نزوح المدنيين من المدينة، ما يجعل الانقضاض عليه أسهل، كونه يتخذ المدنيين دروعاً بشرية يحتمي بها عند كل معركة يواجهها، وإذا هرب المدنيون فإن سلطة التنظيم ستنهار، بحسب ما أكد الخبير الاستراتيجي السوري عبد الناصر العايد، الذي شدد على أن التناقض في الإعلانين، يشير إلى تخبط في صفوفه، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «كل الاحتمالات واردة، رغم أن التأكيد الوحيد أن الخبر الصادر عن (داعش) مؤكد، بالنظر إلى أن وكالة (أعماق) الناطقة باسمه، نادراً ما تبث أخباراً غير دقيقة».
وقال العايد: «ثمة احتمال وارد أن يكون إعلان التنظيم بمثابة تهديد مبطن بأنه يسعى لتحويل المنطقة الواقعة على ضفاف الفرات من الطبقة باتجاه الحدود العراقية (500 كيلومتر) إلى مستنقع ضخم لفترة من الزمن، ويجنب نفسه العمليات العسكرية، ويخلق مشكلة نازحين من المنطقة»، في إشارة إلى وجود 3 ملايين سوري يسكنون المنطقة على ضفاف الفرات، ويكتفون من مواردهم الزراعية. وقال العايد: «التنظيم الإرهابي لن يفكر بهؤلاء إذا تعرض وجوده للخطر، كونه يفكر في كيف يحمي نفسه من الناحية العسكرية؟».
وأشار العايد إلى أنباء متناقضة لم يتم التأكد من صحتها في ضوء الإعلان عن أن خطورة انهيار السد قد زالت، بينها «أنباء عن التوصل إلى تسوية مؤقتة مع القوات الكردية تمكنها من إصلاح الأعطال التقنية، أو إمداده بالكهرباء لتشغيل المعدات في السد منعاً لانهياره»، مؤكداً أن القضية يكتنفها الغموض، و«الأكيد أن التنظيم أذاع بيانات عبّر فيها عن خطورة انهيار السد».
وأكد الناشط في حملة «الرقة تذبح بصمت» أبو محمد الرقاوي أن «داعش» أعلن عن توقف السد عن الخدمة، قبل أن يقدم إعلاناً مناقضاً، ويتخذ إجراء تمثل في منع المدنيين من الخروج عبر البوابة الشمالية للرقة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ليس جديداً أن وضع السد سيئاً، كونه لم يخضع للصيانة منذ خروج قوات النظام من المنطقة، حيث يحتاج الفنيون إلى قطع غيار روسية حصراً، وليس هناك من قطع غيار موازية لها»، مشيراً إلى أن القصف الجوي نتيجة المعارك «له تأثير على منع ورشات الصيانة من الوصول إلى السد أيضاً».
وقال الرقاوي: «التخبط لدى (داعش)، ولّد تخبطاً وارتباكاً بصفوف المدنيين أيضاً الذين بدأوا بإخلاء المنطقة، قبل أن يمنعهم (داعش) بعد أقل من ساعة من الخروج»، مشيراً إلى أن انهيار السد «يمثل تهديداً حقيقياً للمدينة بإغراقها بفيضانات من المياه يصل ارتفاعها إلى 16 متراً، كما أن المياه قد تصل إلى مدينة الرمادي العراقية وتغرق القرى على ضفاف الفرات في سوريا».
وقال: «السد في الأصل سيخسره (داعش) بعد فترة وجيزة؛ بالنظر إلى أن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن باتت على مسافة تبعد نحو 3 كيلومترات عنه». وأعرب الرقاوي عن اعتقاده بأن انهيار السد «لا يمكن أن يتحقق نتيجة غارات جوية عادية إلا إذا استخدمت أسلحة غير تقليدية فيه لأنه متين». لكنه أشار إلى خطرين آخرين «الأول يتمثل في تفجيره من قبل (داعش)، والثاني تعطل البوابات التي تفتح أوتوماتيكياً في حال ارتفاع منسوب المياه»، مرجحاً أن هذا ما يحصل الآن.
وإعلان «داعش» الأول بخروج السد عن الخدمة، تلاقى مع إعلان مصدر فني من داخله لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أكد فيه خروجه السد عن الخدمة. وقال المصدر: «خرج سد الفرات عن الخدمة نتيجة المعارك العنيفة بالقرب منه»، موضحاً أن «قصفاً طال ساحة التوزيع المسؤولة عن تزويد السد بالطاقة الكهربائية ما أدى لخروجها عن الخدمة فنياً».
ويشكل خروج السد عن الخدمة، بحسب المصدر الفني: «خطورة في حال لم يتم تدارك الأعطال الفنية سريعاً». وأشار المصدر إلى أن «عدد الفنيين الموجودين في السد محدود حالياً، وبالتالي لا يمكنهم السيطرة على الأعطال الفنية»، كما أنه لا يمكن لفنيين آخرين الدخول إليه «فحركة الدخول والخروج متوقفة منذ ثلاثة أيام نتيجة الغارات المكثفة في محيطه».
وأكد المتحدث باسم «قوات سوريا الديمقراطية» طلال سلو بدوره ألا خطورة على السد، مشدداً على أنه «ليست هناك غارات على السد».
وحذر تنظيم داعش عبر وكالة «أعماق» التابعة له من أن سد الفرات «مهدد بالانهيار في أي لحظة نتيجة الضربات الأميركية وبسبب الارتفاع الكبير في منسوب المياه». إلا أن المصدر الفني أكد للوكالة أن «منسوب المياه لم يرتفع حتى الآن، لكنه مهدد بالارتفاع في حال استمر الوضع الحالي».
وتبلغ كميات المياه المخزنة في سد الفرات أكثر من 14 مليار متر مكعب.
وتتجه الأنظار حالياً إلى مدينة الطبقة وسد الفرات في ريف الرقة الغربي، خصوصاً بعد عملية الإنزال الجوي التي قامت بها قوات أميركية قبل أيام على بعد كيلومترات منهما، لدعم هجوم قوات سوريا الديمقراطية. وأكد سلو، أن هدف عملية الإنزال كان «تجنب قصف السد أو حصول أي أضرار فيه».
وتتركز الاشتباكات حاليا خارج المدخل الشمالي للسد، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أفاد أيضا بصعوبات عدة، أهمها تلغيم المتشددين للمنطقة المحيطة به.
وقال الرقاوي لـ«الشرق الأوسط»، إن «داعش» بات قريباً جداً من مطار الطبقة العسكري الواقع جنوب غربي الرقة، وانتقلت بعض المعارك إلى داخله «وبات على وشك طرد (داعش) منه»، مشيراً إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» «باتت على مسافة 3 كيلومترات إلى شمال السد».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.