ضربات إعلامية قاسية بين المشرعين في موسكو وواشنطن

يرى كثيرون في الغرب أن وسائل الإعلام الروسية التي تأسست ضمن السياسة الإعلامية للكرملين في السنوات الأخيرة، أصبحت أداة تستغلها موسكو للتأثير في الرأي العام المحلي، لا سيما في فترات الحملات الانتخابية. بالمقابل هناك من يرى في روسيا أن وسائل الإعلام الغربية التي تبث برامجها باللغة الروسية، أداة يستغلها الغرب في الترويج لأفكار تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي والمساس بهيبة وسمعة روسيا. وبهذا تحولت وسائل الإعلام بالنسبة للجانبين أداة خطيرة في مواجهة شرسة، يعمل كلاهما على الحد من إمكانيتها وقدرتها على التأثير. واليوم تشهد الساحة الإعلامية تبادلاً للضربات بين روسيا والولايات المتحدة.
في سياق هذه المواجهة الإعلامية، كلف مجلس الدوما الروسي لجنته الخاصة بشؤون الإعلام بالتحقق من عمل وسائل الإعلام الأميركية في روسيا، مثل إذاعة «صوت الحرية» الناطقة بالروسية، وقناة «سي إن إن» وإذاعة «صوت أميركا». ويجري هذا التحقيق بناء على اقتراح قدمه البرلماني من حزب «روسيا الموحدة» قسطنطين زاتولين، دعا فيه إلى «التحقق من عمل وسائل الإعلام الأميركية في روسيا ومدى مراعاتها للقوانين الروسية»، وذلك رداً على دعوة الكونغرس الأميركي إلى التحقيق في عمل قناة «آر تي» الحكومية الروسية. وأشار زاتولين في نص الاقتراح إلى أن «جين شاهين، السيناتورة في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية نيو هامشير، كانت قد عرضت على الكونغرس مشروع قانون يمنح وزارة العدل صلاحيات إضافية، بهدف التحقيق في عمل قناة (آر تي) بموجب قانون العملاء الأجانب».
ووصف البرلماني الروسي القانون الأميركي حول «العميل الأجنبي» بأنه قانون «قمعي»، وقال: «نظراً لأن التحقيق يجري على أساس قانون قمعي خاص، فإنه قد يلحق الضرر، ليس بسمعة القناة التلفزيونية الروسية فحسب، بل وبسمعة روسيا ككل».
وفي حديث لموقع «آر بي كا» الروسي، أوضح زاتولين أن التحقيق قد يشمل التأكد من الاعتماد الصحافي وكل الثبوتيات الضرورية التي يجب أن تتوفر لدى الصحافيين الأجانب العاملين على الأراضي الروسية، دون أن يستبعد احتمال التحقيق كذلك فيما تنشره وسائل الإعلام الأجنبية، وقال بهذا الصدد: «قد تشمل التحقيقات عمل وسائل الإعلام»، والتأكد مما إذا كانت «المواد المنشورة والتقارير الصحافية» تحمل انتهاكاً للقوانين الروسية أم لا، على سبيل المثال في قانون «تأجيج العداء على أسس دينية وقومية».
من جانبه، قال ليونيد ليفين، من لجنة مجلس الدوما لشؤون الإعلام والاتصالات، إن مجلس الدوما وافق على اقتراح زاتولين، لافتاً إلى أن الاقتراح «جاء رداً على ممارسات الجانب الأميركي»، موضحاً أن لجنة مجلس الدوما لشؤون الإعلام ستقوم بالتحقق من مدى مراعاة مكاتب وسائل الإعلام الأميركية العاملة في روسيا للقوانين الروسية، مؤكداً: «سنقوم بالتحقيق بموجب الصلاحيات التي تتمتع بها اللجنة».
وتعامل الكرملين والخارجية الروسية بشيء من السخرية مع مشروع القانون الذي عرضته جين شاهين على الكونغرس، حول منح صلاحيات إضافية لوزارة العدل كي تحقق في عمل قناة «آر تي» الممولة من الحكومة الروسية. إذ عبر دميتري بيسكوف، المتحدث الصحافي باسم الكرملين عن «امتنانه» لشاهين، على اقتراحها الذي رأى فيه «ترويجاً للقناة الروسية»، وأضاف: «نعتقد أن مثل هذه المساهمة في الترويج لقناة آر تي، ستسمح لآلاف جديدة ومئات الآلاف، وحتى الملايين، من المشاهدين بالتعرف على المعلومات البديلة التي تقدمها القناة الروسية على المستوى العالمي».
أما ماريا زاخاروفا فقد ذهبت إلى وضع مسألة التحقيق في عمل قناة «آر تي» في سياق «قمع حرية التعبير»، حين قالت ساخرة: «من الممكن في الوقت ذاته أن يحدد مشروع القانون (في الكونغرس الأميركي) قائمة بأسماء الكتب التي يجب حرقها في الساحات».
وفي تعليقه على هذا الفصل من فصول الحرب الإعلامية الدائرة بين موسكو وواشنطن، أعرب فسيفولود بوغدانوف، رئيس اتحاد الصحافيين الروس، عن قناعته بأن «تحقيق مجلس الدوما لن يأتي بنتائج صحيحة»، مؤكداً أن الاتحاد سيدافع عن حقوق الصحافيين الروس العاملين في المؤسسات التي سيشملها تحقيق مجلس الدوما، إلا أنه ترك «الحماية» رهناً بطبيعة عمل أولئك الصحافيين، وقال: «سنحمي الصحافيين الذين يعدون على سبيل المثال تحقيقات بناءة»، محذراً في الوقت ذاته من أنه «في حال كان الصحافي يمارس الكذب، ويجعل من التحقيق الصحافي وسيلة بروباغاندا، فإننا سنتصدى لذلك».