فشل مشروع قانون إصلاح الرعاية الصحية... ونظام «أوباما كير» باقٍ

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
TT

فشل مشروع قانون إصلاح الرعاية الصحية... ونظام «أوباما كير» باقٍ

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن جميع أوراقه على الطاولة، مدفوعاً بعقلية رجل الأعمال، في أكبر مقامرة سياسية يقوم بها منذ توليه منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني).
وتجاهل ترمب جميع التحذيرات من أن مشروع قانون إصلاح الرعاية الصحية الذي وضعه جمهوريو مجلس النواب الأميركي وجرى الترويج له لأسابيع، سيكون مصيره المحتوم هو الفشل.
وبنفس أسلوب الاندفاع المعروف به، طلب من زملائه الجمهوريين الذين يحظون بأغلبية كبيرة في مجلس النواب، بأن يطرحوا مشروعه الخاص بالرعاية الصحية للتصويت.
وبعد أن «بذل ترمب كل طاقته»، بحسب تعبير المتحدث باسمه، دعاه نواب جمهوريون لإثبات أنه ينفذ ما وعد به. وقال رئيس مجلس النواب، بول راين، إن «أوباما كير»، وهو الاسم الشائع لقانون الرعاية الصحية الذي اعتمده الرئيس السابق باراك أوباما، الذي سعى الرئيس الحالي جاهداً لتبديله، «سيظل القانون المعمول به في المستقبل المنظور».
وقد انهار مشروع القانون الجديد نظراً للمشكلة نفسها التي شوشت على مجلس النواب الأميركي بشكل خاص منذ أعوام، وهي الانقسامات داخل الحزب الجمهوري. فانتقدت مجموعة من نحو 30 عضواً محافظاً وليبرالياً أطلقت على نفسها اسم «تجمع الحرية»، التشريع المسمى رسمياً «قانون الرعاية الصحية الأميركي».
ويرى معظم أعضاء «تجمع الحرية» أن مشروع ترمب الجديد للرعاية الصحية هو مشروع ضخم بصورة تفوق الحد. ووصفه أحدهم بأنه «أكبر مشروع جمهوري للرفاهة الاجتماعية». أعرب المعتدلون أيضاً عن قلقهم من أن يتسبب مشروع القانون الجديد في فقدان ملايين الأشخاص للتغطية التأمينية التي يتمتعون بها.
وحتى إن كان مشروع القانون بحاجة إلى عدد ضئيل من الأصوات لضمان تمريره، حسبما حرص ترمب وراين على الإشارة إلى ذلك، فإن الأمر لا يزال يمثل هزيمة كبيرة لترمب. ويعني ذلك أنه أخفق في الوفاء بأحد وعوده الأساسية التي قطعها على نفسه أمام الناخبين، وهو إلغاء وإبدال قانون أوباما كير للرعاية الصحية الذي كان أحد الإنجازات الرئيسية لسلفه أوباما وتم التوقيع عليه قبل سبعة أعوام.
وقال ترمب للصحافيين في البيت الأبيض: «تعلمنا الكثير حول عملية حشد الأصوات».
واستشهد ببعض الأقوال، مثل «القواعد المعقدة للغاية» في الكونغرس، إلا أنه أبى أن يتحمل أي مسؤولية شخصية عن تلك الخسارة. وحاول أن يصرف الأنظار بقوله إن الديمقراطيين المعارضين هم الخاسرون «لأنهم الآن لديهم (أوباما كير)».
وأضاف أنه «عندما ينفجر الوضع» فإن الديمقراطيين سيهرعون إلى أحضانه وسيكون جاهزاً حينذاك.
وقال الرئيس أيضاً إنه سيكون منفتحاً على الحزبين عند صياغة الإصلاح المقبل لقانون الرعاية الصحية، وأنه عندما يصبح الديمقراطيون «متحضرين» ويعملون مع الجمهوريين، فإن الأمر قد يسفر عن نتيجة أفضل لخطة الرعاية الصحية.
تتناقض تصريحات ترمب مع تصريحات راين الأكثر تواضعاً، الذي قال للصحافيين إنه «لن يزيّن» تلك التجربة.
وقال راين الذي ارتبط اسمه عن كثب بجهود الجمهوريين لإصلاح قانون الرعاية الصحية، «هذا يوم محبط لنا».
وأوضح أن الأمر كان بمثابة آلام مضاعفة لحزب ينتقل من المعارضة إلى الحكم، لكنه أكد أيضاً أنه وزملاؤه الجمهوريون يجب أن يأخذوا وقتهم لتفسير هذه اللحظة.
ومن المؤكد أن الكثيرين لم يتطلعوا إلى مواجهة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لهم بدافع الاعتقاد بأنهم سيشعرون بالراحة قريباً من التكاليف العالية للتأمين الصحي التي رافقت «أوباما كير».
وسيتعين على الجمهوريين إيضاح أن الملحمة المتعلقة بالرعاية الصحية في الولايات المتحدة مستمرة، وأن النقاش الذي بدأ قبل عقود في ظل وجود ما يقدر بنحو 40 مليون شخص لم يشملهم غطاء التأمين في البلاد، لم يفرز قراراً لإرضاء الأغلبية.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.