مصير دي ميستورا بين يدي أمين عام الأمم المتحدة وتقارير تفيد بإنهاء مهمته

رئيس وفد الهيئة العليا: لا اجتماع مقرراً مع غاتيلوف والأسد يريد نسف المفاوضات

دي ميستورا لدى اجتماعه بوفد من النظام السوري في جنيف أمس (أ.ف.ب)
دي ميستورا لدى اجتماعه بوفد من النظام السوري في جنيف أمس (أ.ف.ب)
TT

مصير دي ميستورا بين يدي أمين عام الأمم المتحدة وتقارير تفيد بإنهاء مهمته

دي ميستورا لدى اجتماعه بوفد من النظام السوري في جنيف أمس (أ.ف.ب)
دي ميستورا لدى اجتماعه بوفد من النظام السوري في جنيف أمس (أ.ف.ب)

لم تكن الصدفة وحدها هي التي دفعت المبعوث الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا إلى تحديد يوم الجمعة 31 الجاري موعدا لإنهاء الجولة الخامسة من محادثات جنيف التي شهدت يوم أمس لقاءه كل وفود النظام والمعارضة الموجودة كلها في المدينة السويسرية.
ذلك أنه مع نهاية شهر مارس (آذار) الجاري ينتهي التكليف الذي منحه الأمين العام السابق بان كي مون للدبلوماسي السويدي - الإيطالي في شهر يوليو (تموز) من عام 2014 لمحاولة إيجاد مخرج سياسي يضع حدا للحرب السورية، وذلك بعدما أخفق سابقاه في هذه المهمة، وهما الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان والدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي.
مصادر دبلوماسية أوروبية أبلغت «الشرق الأوسط» أمس أن دي ميستورا (البالغ من العمر 70 سنة) عرض على بان كي مون الاستقالة، وكذلك فعل مع أنطونيو غوتيريش الأمين العام الجديد للمنظمة الدولية. غير أن الأخير طلب منه البقاء في منصبه حتى نهاية ولايته التي تحل يوم الجمعة القادم. وبحسب هذه المصادر، فإن أمام غوتيريش حلين: الأول، أن يبقي دي ميستورا في منصبه لفترة إضافية باعتباره يعرف تفاصيل وتحديات الحرب السورية، كما يعرف أدوار اللاعبين المحليين، الإقليميين والدوليين، وبالتالي فإنه الأكثر تهيؤا للاستمرار في هذه المهمة. أما الحل الثاني فقوامه تعيين مبعوث خاص جديد، وهو الخيار المرجح لأن «كل أمين عام يفضل التعامل مع المبعوثين الخاصين الذين يثق بهم وبقدرتهم على القيام بالمهمة التي يوليهم إياها».
تقارير إعلامية واردة من نيويورك ومعلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر أوروبية تتابع عن قرب تطورات جنيف 5 تفيد بأن الحل الثاني هو الأرجح. وتؤكد هذه المصادر أن هناك تداخلا بين الأسباب الشخصية والأخرى المهنية التي تدفع دي ميستورا إلى التخلي عن الملف السوري. وأول سبب شخصي أن زوجة المبعوث الدولي الموجودة في إيطاليا مريضة وهو «ينوي أن يكون قريبا منها». وهذا السبب هو الذي يفسر غياب المبعوث الدولي أحياناً عن جنيف. وفضلا عن ذلك، فإن بعض المحيطين بالمبعوث الدولي في جنيف يقولون عنه إنه مرهق وإنه «يريد أن ينتهي من الملف السوري» وأن يسلم المهمة لشخص آخر.
أما السبب المهني فقوامه أن دي ميستورا الذي اجتمع بغوتيريش مطولا لدى ذهابه إلى نيويورك خلال هذا الشهر، لم يحقق أي نجاح فعلي رغم كل الجهود التي بذلها ولجوئه إلى فنون الدبلوماسية التي يتقنها، علما بأنه شغل منصب وزير دولة للشؤون الخارجية في إيطاليا.
ويضيف العارفون أن دي ميستورا عانى كثيرا من الضغوط التي مورست عليه، خصوصا من الطرف الروسي الذي اتهمه أكثر من مرة بعد الفعالية بأنه «لا يقوم بالدور الذي أولاه إياه الأمين العام والقرار الدولي رقم 2254»، وكان مصدر دبلوماسي غربي قد كشف لـ«الشرق الأوسط» أن الجانب الروسي أعلن من جانب واحد عنه استئناف المحادثات في جنيف في 20 مارس من دون التشاور مع المبعوث الدولي. وأخيرا وبعد المحادثات التي أجراها في نيويورك مع الأمين العام، عمد إلى تحديد 23 الجاري موعدا لها.
حتى الآن، لم يصدر أي خبر عن مكتب غوتيريش بخصوص هوية خليفة دي ميستورا، الذي سيترك منصبه بعد صفعة سدده لها النظام السوري عندما رفض استقباله في 19 الجاري بعدما كان دي ميستورا قد أبدى رغبته في زيارة دمشق. وأشار رئيس وفد النظام السفير بشار الجعفري أول من أمس إلى ذلك بقوله إن حكومة نظامه أرادت لفت انتباهه «بشكل لائق» لأنه «ارتكب خطأ وخرج عن ولايته»، في إشارة ضمنية لتصريح أدلى به دي ميستورا، وقال فيه إنه «يصعب بلورة دستور جديد لسوريا في ظل النظام الحالي»، وهو ما اعتبرته دمشق «انحيازا» للمعارضة. وبعدها حاولت موسكو التوسط بين الطرفين. وراهناً، من الأسماء المطروحة لخلافة دي ميستورا هناك اسمان: الأول هو حارث سيلاديتش، وزير خارجية البوسنة والهرسك السابق، والثاني سيغريد كاغ منسقة شؤون الأمم المتحدة في لبنان.
في هذه الأثناء، انتقد دي ميستورا على «نهجه» التفاوضي، وخصوصا على الدعوة لمفاوضات لأسبوع أو عشرة أيام تليها فترة توقف لمدة مشابهة. إذ يعتبر مراقبون أنه كان «من الأجدى» ألا يترك الوسيط الدولي الأطراف المتحاربة يتفكك عقدها لأنه سيصعب بعد ذلك إعادتها إلى جنيف بسبب التطورات الميدانية أو غيرها من الأسباب. كذلك انتقد لكثرة أحاديثه الصحافية وحرصه على التحدث للإعلام في نهاية كل يوم من أيام المحادثات.
وهكذا، يرجح جدا أن تكون زيارة الـ24 التي سيقوم بها المبعوث الخاص غدا في عمّان للقاء وزراء الخارجية العرب آخر زياراته «الخارجية»، وهو الذي سعى دوما لدفع اللاعبين الإقليميين والدوليين لمساعدته في مهمته. ولقد قال وزير الدولة الأردني محمد المومني أمس إن دي ميستورا سيحضر اجتماعات وزراء الخارجية العرب «ويتحدث للوزراء عن تقديره لآخر مستجدات العملية السياسية»، مضيفا أنه «كان من الأهمية بمكان للوزراء الاستماع بشكل مباشر من المبعوث الدولي الذي يحظى بدعم كامل من كافة الدول العربية في مسعاه لمساعدة أطراف المعادلة السورية للانطلاق بالعملية السياسية وإنجاحها بإذن الله».
لكن دي ميستورا، في أيام ولايته الأخيرة، ما زال يسعى لتحقيق شيء ما وإن كان متواضعا، إذ اعترف في كلامه للصحافة ليل أول من أمس بأنه «لا ينتظر تحقيق معجزات»، كما أنه لا يتوقع تعليق المحادثات التي يصر على أن تستمر «غير مباشرة» أو ما يسميها بالإنجليزية «Proximity Talks»، بينما يطالب وفد الهيئة العليا للمفاوضات بالانتقال إلى المفاوضات المباشرة.
كذلك يطرح أكثر من سؤال على «التسوية» التي توصل إليها بشأن حل عقدة «أولويات» مناقشة «السلال» الأربع بين النظام الذي يريد أولا سلة الإرهاب والمعارضة التي تطالب بسلة الحوكمة أي الانتقال السياسي. وما تفتق عنه ذهن دي ميستورا ومساعديه هو ترك كل طرف يحدد «السلة» التي يريد التفاوض بشأنها شرط أن تناقش في النهاية كل «السلال». وفي أي حال، ما زالت أجواء التوتر تسيطر على قصر الأمم في جنيف وما يغذيها استمرار اشتعال المعارك في أكثر من منطقة سورية والاتهامات المتبادلة بين وفد النظام والهيئة العليا، خصوصا تلك التي وجهها الجعفري والتي وصف أعضاءها بـ«الإرهابيين». ناهيك عن غموض الموقف الأميركي وانعدام اليقين بشأن استعداد موسكو للضغط على الأسد للسير في الحل السياسي. ومن المقرر وفق وكالة تاس الروسية أن يصل نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف إلى جنيف يوم الاثنين لمواكبة محادثات جنيف وكان قد حضر الأيام الأخيرة من جنيف 4.
وأمس، كما سبقت الإشارة، التقى دي ميستورا كجميع الوفود مستهلا اجتماعاته مع وفد النظام قبيل الظهر ثم وفد الهيئة العليا عصرا، واتفق أن يلتقي مساء وفدي منصتي القاهرة وموسكو. وإذ امتنع الجعفري عن الحديث للصحافة أمس، ندد نصر الحريري، رئيس وفد الهيئة العليا، بعد اجتماع هو الثاني من نوعه مع دي ميستورا بـ«إرهاب النظام وحلفائه» بسبب «المجازر» التي ارتكبوها في بلدة حمورية (غوطة دمشق) كما أبرز صورا لأطفال أزهقتهم القنابل. كذلك ندد بقيام طائرات النظام بإلقاء 20 برميلا متفجرا على قرية كوكب في ريف محافظة حماة. واعتبر الحريري أن ما حصل في حمورية «ناتج من تخوف النظام من الضغوط الدولية التي تدفعه باتجاه الحل السياسي». وبرأيه أن النظام «يستخدم التصعيد العسكري لعرقلة الحل السياسي» وهي التهمة نفسها التي ساقها أول من أمس الجعفري بحق الفصائل المعارضة. وبحسب الحريري، فإن النظام يعي أن «أي خطة باتجاه الحل السياسي تعني سقوطه وتخليص الشعب السوري من إرهابه»، داعيا «أصحاب النفوذ» على الأسد (في إشارة إلى روسيا) لأن يلعبوا «دورا بناء» في الدفع نحو عملية الانتقال السياسي. لكنه شكا من أن المعارضة «لا تجد شريكا ملتزما بالبحث عن السلام»، كما أن الأطراف المؤثرة على النظام «لا نجد منها إلا التزاما بضرب المدنيين وضرب البنى التحتية».
من جانب آخر، كشف الحريري أن المناقشات مع المبعوث الدولي دارت حول عملية تشكيل هيئة الحكم الانتقالي ذات الصلاحيات الكاملة، وعلى مهامها الخاصة بتمكين الشعب السوري من تقرير مصير بلده والمحافظة على المؤسسات بعد إعادة هيكلتها، واحترام حقوق الإنسان ومشاركة جميع السوريين فيها بشكل عادل وعلى قاعدة تكافؤ الفرص. وكان لافتا أمس أن رئيس وفد الهيئة العليا تلافى الإشارة إلى إمكانية انسحاب الوفد من المحادثات في حال استمر التصعيد العسكري، معتبرا أن ما تقوم به الفصائل المعارضة «دفاع عن النفس ورد بالمثل» على ما يقوم به النظام.
ونفى الحريري وجود لقاء مبرمج مع نائب وزير الخارجية الروسي غاتيلوف، كما نفى علمه بأي شيء يتناول مستقبل دي ميستورا.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.