من التاريخ: حضارة المايا

أحد أهرام المايا في المكسيك
أحد أهرام المايا في المكسيك
TT

من التاريخ: حضارة المايا

أحد أهرام المايا في المكسيك
أحد أهرام المايا في المكسيك

أذكر جيداً زيارتي لمدينة كانكون المكسيكية في مطلع الثمانينات من القرن الماضي بصحبة أسرتي. وكان ضمن هذه الرحلة التي نظمتها الحكومة المكسيكية لإطلاق السياحة في شواطئ شبه جزيرة يوكاتان البديعة رحلة لمدة يوم إلى مدينة تشيتشين إيتسا الشهيرة التي تعد أحد مراكز حضارة شعب المايا Maya.
وأذكر جيداً أنني وجدت نفسي أمام هرم متوسط الحجم تحيط به الأدغال من كل جانب، وهو يختلف نوعاً ما عن الأهرام في مصر بكونه مدرّجاً. ومن الواضح أنه كان للأهرام استخدامات مختلفة، بدليل أن لها درجاً يؤدي إلى علٍ، لكنني لم أكن مدركاً في ذلك الوقت العمق الحقيقي لما يمثله هذا الهرم لحضارة لم أكن حتى على دراية بوجودها في سني المبكرة يومذاك. ومع ذلك استأت للغاية عندما سئل والدي فأجاب أنها حضارة عظيمة وأن أهرام يوكاتان ليست بعيدة عن أهرام مصر، في مجاملة أقل ما توصف به بأنها كانت مبالغة لم أكن على استعداد لقبولها. يومها دار بيني وبين والدي - رحمه الله - حوار ممتد فهمت منه أن حضارة المايا كانت حقاً عظيمة وكبيرة برغم من أنها تقل كماً وكيفاً وشكلاً عن الحضارة المصرية القديمة. ذلك أن الطبيعة الديموغرافية في المنطقة التي احتلتها هذه الإمبراطورية تختلف عن نظيرتها في مصر والعراق واليونان.
منذ ذلك الوقت سعيت عندما سمحت لي الظروف أن أقرأ مقتطفات عن هذه الحضارة من دون الخوض بعمق فيها، نظراً لأن تاريخها وثقافتها، بل ولغاتها، أمور مختلف عليها بين المؤرخين والمستكشفين وغيرهم، وبالتالي فإن تاريخها كان ويظل يحوم حوله الغموض.
الثابت تاريخياً أن حضارة المايا تركزت في المنطقة المعروفة اليوم بجنوب المكسيك أو ولايات يوكاتان وتاباسكو كامبيشي وتشياباس، إضافة إلى دولتي غواتيمالا وبليز وأطراف منهما. ويقدر أنها امتدت عبر قرون طويلة تصل إلى القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد، إلا أن التطور الكبير لهذه الحضارة حدث بين القرن الثالث والقرن العاشر الميلادي، لكن الفترة الزمنية التي احتاجتها هذه القبائل لتكوين حضارتها أو إمبراطوريتها كانت ممتدة وطويلة بعكس الحضارات المعروفة لدينا في مصر والعراق واليونان.
والثابت تاريخياً أيضاً أن هذه الإمبراطورية كانت متحركة الحدود، بسب التوسع والانكماش الطبيعيين على مر الزمن، إذ إنها لم تثبت على نسق واحد كالحضارات الأخرى. وأغلب الظن أن مردّ ذلك إلى الطبيعة الجغرافية الوعرة لهذه المنطقة الممتدة التي كانت الأدغال والغابات تمثل جزءاً كبيراً منها، ومن ثم صعوبة خلق كيان متصل الأجزاء Contiguous، وهو ما جعلها تقارب حضارة اليونان قبيل توحيد الإسكندر الأكبر مناطقها ومدنها التي انطبقت عليها تسمية «الدولة - المدينة» City State، التي كانت تحكمها في بعض الفترات سلطة مركزية تختلف سيطرتها من فترة زمنية إلى أخرى وفقاً للظروف السياسية والاقتصادية السائدة.
ولقد استغرب كثير من المؤرخين حول كيفية إنشاء حضارة متوسطة القوة مثل المايا في منطقة مدارية محاطة بالغابات الكثيرة الأمطار، خاصة أن التكوين المعروف للحضارات كان يعتمد بشكل كبير على نظم ري مرتبطة بالأنهار لا الأمطار. ولعل هذا من المفارقات التي جعلت المؤرخين وعلماء علم الاجتماع يحتارون في تجسيد هذه الحضارة في أسئلة غير معلوم إجاباتها حتى الآن.
واقع الأمر أن حضارة المايا برغم كونها ممتدة، كانت لها قواسم ثقافية واجتماعية مشتركة بين مدنها، فالمدن بدأت من خلال القرى التي توسعت وارتبطت بسلسلة من المزارع. وهذه الأخيرة وفرت الغذاء للمدينة. هذا، وتركزت الزراعة أساساً على الذرة الصفراء التي كانت جزءاً هاماً من المنظومة الغذائية لكل منطقة أميركا الوسطى إلى جانب الفول والقمح والخضراوات. ومع توسع المدن أصبح هناك نوع من التوازن بين المجتمع الزراعي والحضري برغم تقارب المسافات، وهو ما مهد بطبيعة الحالة لظهور ثقافة قوية لدى شعب المايا ارتبطت بتطوير أبجدية هيروغليفية اعتمدت على الرموز والرسوم. ومن ثم، ربطت المدن المختلفة بمنظومة ثقافية متقاربة على الرغم من تعدد اللغات. ولعل ما أذهل العالم اليوم كان وجود تقويم زمني خاص بهذه الحضارة يعتمد على ثلاثمائة وستين يوماً للعام، وقسّم المايا الشهور وفقاً لذلك واعتبروا الأيام الخمسة المتبقية نذير شؤم غير مبرّر له. كما أن الحفريات أكدت ارتباطاً كبيراً للمايا بالفلك وحركته، وهو ما انعكس بدوره على إيجاد بعد روحي أو ميتافيزيقي لهم، تمثل في منظومة الآلهة التي خلقوها، سواءً لتفسير الظواهر الطبيعية أو الابتهال إلى إله يساعدهم في حياتهم ولإخضاع الطبيعة. وهذا ما يبرّر وجود آلهة للكثير من الخيرات التي ارتبطوا بها مثل الذرة والمطر وغيرهما. ولكن بعكس الآلهة في الحضارات المصرية واليونانية والرومانية على سبيل المثال فإن كبير الآلهة لديهم كان أنثى اعتبروها كبيرة الآلهة.
أيضاً ارتبطت بالمنظومة «الإلهية» هذه عملية القرابين أو الأضاحي البشري التي ابتليت بها حضارات أميركا الوسطى. وأغلب الظن أنها نبعت من حضارة المايا، إذ كان يُزعَم أن الآلهة بحاجة إلى قربان بشري لترضى عن عامة الناس، وهو ما جعل الكثير من أهرام المايا تحتوى على مذابح في أعلاها المذبح منها بشكل حجر عريض. وكان الكهنة يمسكون بالقربان أو الضحية، ويثبّتون أطرافه من كل الجوانب، ويقوم كبير الكهنة بشق صدره حياً وتكسير قفصه الصدري وإخراج قلبه النابض وسط ألم الضحية وصراخه وابتهالات العامة ثم تقطع أطرافه وترمي من فوق الهرم. ومن الاعتقادات السائدة حينذاك أن أكل أجزاء من الضحية البشرية من شأنه زيادة البركة الإلهية والخصوبة والعفو. ولقد انتشرت هذه العادة المقيتة وجرى تصديرها إلى الثقافات المجاورة مثل ثقافة شعب الأزتيك في وسط المكسيك، وباتت جزءاً من التقاليد القائمة إلى أن منعها الغزاة الإسبان بقوة السلاح وبرغم إرادة شعوب تلك البلاد.
من ناحية أخرى، لعل أكثر ما يحير المؤرخين هو سبب اندثار حضارة المايا، الذي جاء بشكل فجائي وغير مبرّر. إذ أفلت هذه الحضارة في القرن العاشر الميلادي تقريباً، وصاغ المؤرخون أسباباً مختلفة لهذه الظاهرة الغريبة، بعضهم لخص السبب في تغير فجائي بمنظومة الري المعتمدة على المطر، بينما رأى آخرون أن الأمر ارتبط بالزيادة السكانية المفاجئة التي صاحبها اضمحلال الغابات deforestation. وتعدّدت النظريات إلا أن الحقيقة لا تزال تائهة، وكل ما تبقى من هذه الحضارة هو أهرامها وتماثيلها وأبجديتها وبعض منتجاتها الثقافية.
كانت هذه رحلة خاطفة لأعماق حضارة المايا التي تلامست معها وأنا في سن مبكرة من عمري. وإذا كنت قد سعيت للتقليل من قيمة هذه الحضارة في ذلك الوقت ارتباطاً بحجم أهرامها وفقاً لقدراتي الفكرية في طفولتي، فإنني لم أبتعد كثيراً عن هذه الرؤية ولكن لأسباب لا علاقة لها بحجم الأهرام. فاعتقادي أن السبب وراء هذا الآن هو قلة المتاح من المعرفة حول هذه الحضارة، التي مما لا شك فيه أنها كانت عظيمة آنذاك بشكلها وهياكلها وثقافتها في إطار محيطها. إضافة إلى أنه من الظلم البيّن أن نقارنها بحضارات مصر واليونان وبلاد ما بين النهرين وشرق المتوسط لاختلاف الظروف والديموغرافية التي أثرت مباشرة على نسبة التطور والتمدن المقارن لحضارة المايا.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».