اغتيال نائب روسي سابق في كييف يزيد التوتر مع موسكو

بوروشينكو يتهم الكرملين... وزوغانوف يرى في الحادثة {مؤامرة استخباراتية}

دينيس فورنينكوف العضو سابقاً في مجلس الدوما الروسي بعد اغتياله في كييف مع أحد حراسه (إ.ب.أ)
دينيس فورنينكوف العضو سابقاً في مجلس الدوما الروسي بعد اغتياله في كييف مع أحد حراسه (إ.ب.أ)
TT

اغتيال نائب روسي سابق في كييف يزيد التوتر مع موسكو

دينيس فورنينكوف العضو سابقاً في مجلس الدوما الروسي بعد اغتياله في كييف مع أحد حراسه (إ.ب.أ)
دينيس فورنينكوف العضو سابقاً في مجلس الدوما الروسي بعد اغتياله في كييف مع أحد حراسه (إ.ب.أ)

حملت السلطات الأوكرانية روسيا المسؤولية عن اغتيال دينيس فورنينكوف، العضو سابقا في مجلس الدوما الروسي. وفارق فورنينكوف الحياة يوم أمس، إثر هجوم تعرض له أثناء دخوله فندق في العاصمة الأوكرانية كييف، حيث اقترب شاب منه وأطلق عليه النار فأراده قتيلاً، وقام حراس فورنينكوف بإطلاق النار على القاتل، فأصيب بجروح، وبعد ساعات من دخوله المشفى، أعلنت السلطات الأوكرانية أنه فارق الحياة. ومنذ اللحظات الأولى للإعلان عن اغتيال البرلماني الروسي سارعت السلطات الأوكرانية إلى توجيه أصابع الاتهام نحو موسكو. ووصف الرئيس الأوكراني بيوتر بوروشينكو عملية الاغتيال بأنها «إرهاب دولة من جانب روسيا التي غادرها فورنينكوف لأسباب سياسية». بينما رأت وزارة الداخلية الأوكرانية أن عملية الاغتيال نفذها قاتل مأجور، أي أن هناك من دفع له ليقتل البرلماني الروسي.
ومعروف عن البرلماني الروسي الذي سقط ضحية عملية الاغتيال أنه غادر روسيا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، وكان حينها عضوا في لجنة مجلس الدوما لشؤون الدفاع ومكافحة الفساد، حيث قرر الإقامة في أوكرانيا، ومعه زوجته مغنية الأوبرا ماريا ماكساكوفا، وهي كذلك عضو سابق في البرلمان الروسي عن حزب السلطة «حزب روسيا الموحدة». وفي بعض الروايات قرر البرلماني الروسي الهجرة إلى أوكرانيا لأسباب سياسية، منها خلافات مع شخصيات تتمتع بنفوذ واسع في روسيا، كان قد اكتشف خلال عمله في مجلس الدوما تورطها في مخالفات للقوانين الروسية وقضايا فساد وعمليات تهريب واختلاس. وحسب الرواية الرسمية الروسية فإن فورنينكوف متورط في قضية فساد، وكانت النيابة العامة الروسية قد طلبت من مجلس الدوما إسقاط الحصانة عنه منذ عام 2014. على خلفية اتهامات باستحواذه على مبنى وسط العاصمة الروسية موسكو بطريقة غير شرعية. وفي ربيع عام 2015 قدمت هيئة التحقيق الروسية وثائق للنيابة العامة، بغية طرح مسألة إسقاط الحصانة عن فورنينكوف وإلغاء عضويته في مجلس الدوما. إلا أن النيابة العامة لم توجه له الاتهامات رسميا، ولم تطالب باعتقاله إلا بعد أن أصبح في أوكرانيا، وتحديدا بتاريخ 15 فبراير (شباط) 2017، كما رفعت فيه مذكرة بحث دولية.
وخلال وجوده في أوكرانيا وجه فورنينكوف انتقادات لضم القرم إلى قوام روسيا الاتحادية، وقال إنه لم يصوت في مجلس الدوما لصالح ذلك القرار، كما قال إن أحد مساعدي بوتين كان ضد تلك الخطوة. فضلا عن ذلك يعتبر فورنينكوف شاهدا رئيسيا في قضية فتحتها النيابة العامة الأوكرانية ضد الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانكوفيتش، وتتهمه فيها بالخيانة، والتواطؤ مع روسيا لتغيير الحدود الأوكرانية. وفي تعليقه على اغتيال فورنينكوف، قال يوري لوتشينكو، النائب العام في أوكرانيا، إن عملية الاغتيال مرتبطة بقضية يانكوفيتش، وكتب على صفحته في «فيسبوك»: «في وضح النهار تم قتل العضو السابق في مجلس الدوما دينيس فورنينكوف، الذي قدم لمحققي النيابة العامة العسكرية معلومات غاية في الأهمية في قضية الرئيس السابق فيكتور يانكوفيتش». من جانبه، قال قائد شرطة كييف إن الأمن، بعد حادثة الاغتيال، سيقوم بتأمين حراسات لكل الشهود الذين قدموا معلومات في قضية الخيانة بحق يانكوفيتش.
على الجانب الآخر، وصف الكرملين الاتهامات الأوكرانية بأنها «سخيفة»، وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، إن «كل الأفكار التي أشارت إلى خيوط روسية مثيرة للسخرية». وأشار إلى أن ما جرى يُظهر عجز السلطات الأوكرانية في ضمان أمن فورنينكوف، معربا عن أمله بأن يتم الكشف عن هوية القتلة، ومن يقف خلف عملية الاغتيال. على المستوى البرلماني كان هناك إجماع بالرد على الاتهامات الأوكرانية بالمثل، وتحميل الأمن الأوكراني المسؤولية عن اغتيال فورنينكوف. إذ وصف البرلماني يفغيني ريفينكو، نائب رئيس مجلس حزب «روسيا الموحدة»، الحادثة بأنها «عمل استفزازي خطير من جانب الاستخبارات الأوكرانية»، واتهمها بقتل البرلماني الروسي. أما جيادي زوغانوف، زعيم الحزب الشيوعي الروسي، فقد رأى في اغتيال فورنينكوف «عملا استفزازيا من عدة مراحل»، يقف خلفه «أولئك الذين لا يريدون للعلاقات الأميركية - الروسية أن تتحسن»، دون أن يستبعد أن تكون الحادثة «عمل تخريبي من جانب الاستخبارات الأوكرانية بإشراف الاستخبارات المركزية الأميركية». من جانبها أعربت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، عن أملها بأن تتمكن السلطات الأوكرانية من إنجاز التحقيق في مقتل فورنينكوف «دون تسييس».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟