تعهد أميركي بمساعدة النازحين أمام اجتماع التحالف الدولي ضد «داعش»

تيلرسون اعتبر قتل البغدادي «مسألة وقت»

اجتماع وزراء خارجية التحالف الدولي للحرب ضد «داعش» في واشنطن أمس (إ.ب.أ)
اجتماع وزراء خارجية التحالف الدولي للحرب ضد «داعش» في واشنطن أمس (إ.ب.أ)
TT

تعهد أميركي بمساعدة النازحين أمام اجتماع التحالف الدولي ضد «داعش»

اجتماع وزراء خارجية التحالف الدولي للحرب ضد «داعش» في واشنطن أمس (إ.ب.أ)
اجتماع وزراء خارجية التحالف الدولي للحرب ضد «داعش» في واشنطن أمس (إ.ب.أ)

قال وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، أمس إن الولايات المتحدة ستقيم «مناطق استقرار مؤقتة» لمساعدة اللاجئين في العودة إلى ديارهم، خلال المرحلة المقبلة من المعركة ضد «داعش» و«القاعدة».
وأعلن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، أمس خلال اجتماع للتحالف الدولي الذي يحارب الإرهاب، أن مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي «مسألة وقت».
وقال تيلرسون لدى استقباله في واشنطن مسؤولي الدول الأعضاء في التحالف الذي تقوده واشنطن ضد الإرهاب في سوريا والعراق: «قتل تقريبا كل معاوني أبو بكر البغدادي، بمن فيهم العقل المدبر لاعتداءات بروكسل وباريس. وأن يلقى البغدادي المصير نفسه مسألة وقت».
وأوضح مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية للصحافيين هذا الشهر أن البغدادي فر من مدينة الموصل، آخر المعاقل الكبرى لتنظيم داعش في العراق. وقال تيلرسون إن «ما يجمع بيننا اليوم، هو التزامنا بهزيمة قوة الشر العالمية وأؤكد على كلمة التزام». وأضاف: «نجاح هذه المهمة يعتمد على التفاني لتحقيق هدفنا المتمثل بهزيمة هذا التنظيم».
إلى ذلك، شدّد وزير الخارجية الأميركي على أن هزيمة التنظيم الإرهابي «داعش» هو الهدف الأول للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، مع إدراك أن «هناك كثيراً من التحديات الملحة في المنطقة»، على حد قوله. وركز تيلرسون على عدة أهداف في استراتيجية مكافحة «داعش»؛ وهي وقف تمدد «داعش» إلى خارج المنطقة ووقف طموحاته في إقامة «الخلافة»، وتعزيز التعاون وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتجفيف الموارد المالية لـ«داعش» ومواجهة آيديولوجياته، مطالبا الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر، بالتحدث علنا ضد الأفكار المتطرفة التي يروّجها «داعش».
وقال تيلرسون خلال افتتاح المؤتمر الدولي للدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد «داعش» أمس، إن الولايات المتحدة ستقدم ملياري دولار للمساعدات الإنسانية في العراق وسوريا وإلى تقدم المعركة العسكرية. وقال: «لقد استدعى توسع (داعش) استجابة عسكرية واسعة النطاق، وتدابير هجومية لاستعادة المناطق في العراق وسوريا، إذ كان لتنظيم داعش بصمة كبيرة ومدمرة وهدفنا النهائي في هذه المرحلة هو القضاء الإقليمي على (داعش) من خلال القوة العسكرية».
وقال وزير الخارجية الأميركي: «يسرني أن أعلن أننا تجاوزنا إجمالي تعهداتنا (أكثر من ملياري دولار لعام 2017) لتنفيذ العمليات لتقديم المساعدات الإنسانية». وأشار إلى تقديم بلاده نسبة 25 في المائة من المساعدات الإنسانية للمنطقة، كما أشار إلى نجاح قوات التحالف في منع تدفق الأموال والمقاتلين إلى «داعش»، وتحرير مناطق تصل مساحتها إلى 50 ألف كيلومتر يسكنها 2.5 مليون شخص من سيطرة «داعش»، وقتل كثير من قادة «داعش».
وأضاف تيلرسون أن «الولايات المتحدة ستزيد من ضغوطها على (داعش) و(القاعدة)، وسنعمل على إقامة مناطق استقرار مؤقتة من خلال وقف إطلاق النار والسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم». وأضاف: «سنواصل تسهيل عودة الناس إلى ديارهم والعمل مع القيادة السياسة المحلية، وسنوفر إدارة مستقرة وعادلة، ونعيد بناء البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية، وسوف نستخدم وجودنا الدبلوماسي على الأرض لتسهيل قنوات الحوار بين القيادة المحلية وشركاء التحالف».
إلى ذلك، أوضح وزير الخارجية الأميركي أن بلاده قدمت 75 في المائة من التكلفة المالية للجهود العسكرية، بينما قدّمت دول التحالف 25 في المائة، مطالبا دول التحالف بزيادة دعمها المادي ومنع «داعش» من الحصول على ملاذات آمنة في أي مكان، وتفكيك الشبكة الإرهابية، وقطع كل الطرق على جهود «داعش» لتجديد نفسها.
وركز وزير الخارجية الأميركي على جهود مواجهة آيديولوجية «داعش» على الإنترنت، وعبر وسائل الإعلام الاجتماعية، مطالبا المسلمين بمواجهة تلك الأفكار والرسائل الآيديولوجية. وخصّ بالذكر الدول التي لديها القدرة على الحديث ضد «التطرف الإسلامي»، وتعزيز الجهود لمواجهة «بروباغندا (داعش)»، وملاحقة المواد التي ينشرها على الإنترنت. وتابع تيلرسون أن الاجتماع الوزاري لمكافحة «داعش» بواشنطن يمثل فرصة لتبادل المعلومات والأفكار لتحقيق الهدف المشترك في هزيمة «داعش»، وتحقيق الأمن والاستقرار.
من جهته، تحدّث رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن جهود حكومته في مكافحة «داعش» وإعادة الأمن والاستقرار واستعادة الموصل وتوطين النازحين العراقيين، وإعادة فتح المستشفيات والمدارس، وقيام القوات الأمنية العراقية بتقديم الخدمات إلى جانب القتال ضد «داعش». واستطرد العبادي: «نحن في المراحل الأخيرة عسكريا، وقد وجهنا ضربات عسكرية قاسية ضد (داعش) التي أرادت أن تبني إمبراطورية. وقد أثبتنا أن الإمبراطورية التي أرادوا بناءها تتقلص، وسنحرر الموصل، ونكسر حلم (داعش)». وتابع: «لهذا (داعش) يقوم بأنشطة إرهابية في باكستان وأفغانستان وأوروبا لترسل رسالة بأنها ما زالت موجودة».
بدوره، قال السيناتور الأميركي لينزي غراهام، أمس إن رئيس وزراء العراق حيدر العبادي يعتقد أن إعادة إعمار محافظة الأنبار ومدينة الموصل في محافظة نينوى سوف تكلف نحو 50 مليار دولار، مشيرا إلى حديث دار بينهما أول من أمس الثلاثاء.
وقال غراهام في جلسة لمجلس الشيوخ حضرها وزير الدفاع جيم ماتيس والجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة: «سمعت من رئيس وزراء العراق أمس... أن تكلفة إعادة إعمار محافظة الأنبار... والآن الموصل... هي نحو 50 مليار دولار».
واستنكر العبادي فكرة احتواء «داعش» في إشارة غير مباشرة إلى جهود إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وقال: «كنا نسمع عن احتواء (داعش)، وهو أمر لا يمكن القبول به. فهو تنظيم إرهابي». وشدد العبادي على أن التنظيم يقمع الإنسان ويبيع النساء والأطفال، ولا بد من توحيد الجهود للقضاء عليه إلى الأبد. وطالب العبادي بالتوحد ضد الخطر الداعشي، منتقدا «التساهل مع (داعش) إذا لم يشكل خطرا، والهجوم عليه إذا شكل خطرا، والعمل على إنهاء (داعش) وليس استيعابه». وقال رئيس الوزراء العراقي: «عازمون على القضاء على (داعش)، ونتعاون جنبا إلى جنب مع قوات البيشمركة (...) لدينا علاقة جيدة وتعاون وتفاهم».
واستعرض العبادي سياسات اللامركزية التي تطبقها حكومته وصلاحيات المحافظين ومشروعات إعادة الاستقرار والخدمات في المناطق المحررة، وإنتاج 5 ملايين برميل من النفط يوميا لتمويل تقديم الخدمات للمواطنين رغم تكلفة الحرب.
وتفاخر العبادي بالمظاهرات التي تشهدها مناطق في العراق منذ 20 شهرا، مشيرا إلى أنها مظهر من مظاهر الديمقراطية. وقال إن «مظاهرات بشكل يومي تطالب بحقوق، وهذه هي الديمقراطية التي تحترم إرادة المواطنين ما داموا يلتزمون بالقانون، وعدم الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة»، وأشار إلى أن «المواطن العراقي كان يواجه عقوبة الإعدام في الماضي إذا انتقد الرئيس أو كتب منشورا معارضا».
وتحدث العبادي عن محاربة حكومته للفساد والبيروقراطية، وقال إن الفساد لا يقل خطورة عن الإرهاب وإن انهيار قطاعات من الجيش والمقاومة كان من أهم أسبابه الفساد. وشدد على أن حكومته تحارب كل من يتجاوز حقوق الإنسان، سواء من السنة أو الشيعة أو التركمان أو الحشد الشعبي.
وفي مواجهة الانتقادات الأميركية لنفوذ الحشد الشعبي المدعوم من إيران داخل العراق، دافع العبادي عن هذه القوات. وقال إن «الحشد الشعبي يخضع لقيادة القائد العام للقوات المسلحة، وهو رئيس الوزراء ولا يجوز اعتباره جهازا منفصلا، ولا يجوز لفئات سياسية تحمل السلاح خوض الانتخابات البرلمانية، ولا يجوز حمل أي سلاح خارج إطار الدولة».
وأضاف العبادي أن «قوات الحشد الشعبي أتت بمقاتلين قاتلوا بشجاعة وضحوا بأنفسهم ويعملون ضمن المنظومة تحت السيادة العراقية، ولا يسمح لهم بحمل السلاح خارج هذه المنظومة».
وألقى العبادي باللوم على ظهور الجماعات الإرهابية مثل «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، في الصراعات الإقليمية، مشيرا إلى أن تلك الصراعات هي التي خلقت الفراغ لظهور «داعش» وغيره من الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا. وقال إن «الإرهاب يستغل الصراع الإقليمي الذي يسمح بخلق فراغ، وأدعو إلى احتواء الخلافات الإقليمية لأنها أهم أسباب ظهور الإرهاب».
وأنهى العبادي خطابه الذي لم يستند فيه على أي خطاب مكتوب، مشيرا إلى أهمية التعاون في مكافحة إرهاب والقضاء نهائيا على «داعش».
وقد اكتظت قاعة هاري ترومان بوزارة الخارجية الأميركية صباح أمس بوزراء خارجية ووفود 68 دولة. وعقد وزراء خارجية دول التحالف اجتماعات مغلقة، انضم إليها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، وركزت وفق مصادر بالخارجية الأميركية على جهود تسريع هزيمة «داعش» عسكريا، والجهود المبذولة لاستعادة الموصل في العراق، واستعادة الرقة في سوريا والتصدي لمحاولات «داعش» التمدد في ليبيا.
في سياق متصل، قال مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأميركية أمس: «إننا في مرحلة مهمة من الحرب ضد هذه الجماعة الإرهابية، وأعتقد أن نتائج الاجتماعات لدول التحالف ستخرج بأفكار ونهج وطرق جديدة لهزيمة (داعش)».
وأوضح تونر أن خطة الإدارة الأميركية تستند على الاستراتيجية التي قدمتها وزارة الدفاع إلى البيت الأبيض، وتجري مناقشتها مع الأطراف المعنية كافة. وأوضح أن التركيز هو تحقيق هزيمة عسكرية ضد «داعش» على الأرض في كل من العراق وسوريا، ومنع تمدد «داعش» إلى دول أخرى مثل ليبيا وأفغانستان ومنعه أيضا من استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأفكاره المتطرفة.
وقال بول ولتزلافيسك المتحدث باسم مكتب الشرق الأدنى بالخارجية الأميركية، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إن هناك كثيرا من النجاحات التي تحققت على يد قوات التحالف الدولي حتى الآن، ومنها استعادة السيطرة على المناطق التي كان «داعش» يسيطر عليها، وتجفيف الموارد المالية لـ«داعش» ومنع المقاتلين الأجانب من الانضمام إلى «داعش». وبالتالي تقليص حلم الخلافة التي يدعيها «داعش»، وأضاف: «الآن علينا مواصلة العمل والجهد والتركيز لمنع (داعش) من التمدد إلى خارج الإقليم، ونعلم أن التنظيم لديه طموح للتمدد الدولي، ونرغب في الاعتماد على الحلفاء في المنطقة لوقف هذا التمدد».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟