ازدهار سوق «مزوري الهويات» في سوريا

آلاف اللاجئين يتدفقون عليهم قبل اللجوء إلى تركيا

ازدهار سوق «مزوري الهويات» في سوريا
TT

ازدهار سوق «مزوري الهويات» في سوريا

ازدهار سوق «مزوري الهويات» في سوريا

في الساعة الخامسة بعد ظهيرة أحد أيام الجمعة الرطبة، كان معبر باب السلامة الحدودي يكتظ بالمسافرين. وكان العشرات من المدنيين غالبيتهم من النساء والأطفال يصطفون لعبور الحدود إلى تركيا أملا في العبور قبل إغلاق المعبر.
تجمهر الجميع أمام نافذة شباك مكتب الحدود، يتدافعون ويصرخون، بينما يحملون في أيديهم أثمن ممتلكاتهم؛ جوازات سفرهم، التي تعني للنازحين السوريون الفارق بين الاعتراف بهم رسميا أو غياب الاعتراف بهم. فمن يملكون جوازات سفر يتمكنون من اجتياز الحدود عبر المعابر التي يسيطر عليها الثوار إلى تركيا، والحصول على الإقامة متى وصلوا إلى هناك، وإذا صادفهم الحظ وكانوا يمتلكون المهارة فقد يجدون عملا أو يحصلون على منحة دراسية. كما يستطيعون استئجار شقة وقيادة سيارة سورية مسجلة والسفر بحرية داخل تركيا. أما من لا يملكون جوازات السفر، فليس أمامهم سوى العبور بصورة غير قانونية على أيدي المهربين، أو البقاء في أحد معسكرات اللاجئين التي أقامتها الحكومة التركية، أو أن يخاطروا بترحيلهم مرة أخرى.
ولدى مواجهتهم ذلك الخيار يتوافد الآلاف من اللاجئين السوريين على تجار جوازات السفر المزورة، لشراء الوثائق التي يحتاجونها لعيش حياة شبه طبيعية في تركيا. لم يكن جواز السفر السوري يلقى رواجا في السوق السوداء قبل الثورة ضد الرئيس بشار الأسد؛ فلم يكن هناك سوى قليل من الأماكن التي يمكنك السفر إليها بتأشيرة مجانية خارج الشرق الأوسط.
لكن يوسف، وهو رجل قوي ومبتسم في بداية الثلاثينات من عمره، يدعي أنه باع حتى الآن ما يصل إلى ثلاثين جواز سفر خلال شهر للاجئين سوريين يائسين، مقابل 1500 دولار للجواز الواحد. ويقول إن بعض زبائنه يبيعون كل ما لديهم من ذهب الأسرة فقط لجمع الأموال لشراء وثائق من شأنها أن تسمح لهم بمغادرة بلادهم بأمان.
ينتمي يوسف إلى فئة من رجال الأعمال المجرمين الذين شهدت أعمالهم ازدهارا بفضل الصراع السوري. قبل الانتفاضة كان مزورا صغيرا في بلدة أعزاز، يتعامل بشكل رئيس في شهادات الزواج والشهادات العلمية المزورة. وقال إنه لم يتعلم القراءة أو الكتابة، لكنه كان ينسخ أشكال ونصوص الوثائق الرسمية، وكانت الأرباح كافية لجعله يخاطر بالسجن ثلاث سنوات في سجون الحكومة السورية بتهمة التزوير.
عندما بدأ الصراع، بدأ تيار من الشبان في التوافد إليه طالبا لشراء الأوراق اللازمة لتأجيل الخدمة العسكرية، نظرا لأن فترة التجنيد الإلزامية في الجيش لجميع الشبان تقريبا في سوريا التي تمتد على مدى عامين دائما تعد مصدر إزعاج. ويستطيع الشباب الذين التحقوا بالجامعة تأجيل أداء الخدمة العسكرية إلى ما بعد التخرج، لكنهم بعد ذلك أجبروا على قضاء عامين في معسكر للجيش، لينسوا كل ما تعلموه، قبل أن يتمكنوا من بدء حياتهم بشكل صحيح. وعندما بدأ الجيش إطلاق النار على المتظاهرين في درعا في عام 2011، تحول ما كان مصدر إزعاج إلى قضية ضمير أخلاقي. وبدأ الكثير من الشبان السوريين يخشون من استدعائهم للخدمة في الجيش الذي كان يقتل الناس الذين يتعاطفون معهم؛ ولكي يتمكنوا من تأجيل الدخول إلى الجيش لبضعة أشهر أخرى، يلجأون إلى رجال مثل يوسف.
ومع تطور المظاهرات إلى صراع دموي، تبدل عملاء يوسف مرة أخرى، حيث بدأ المدنيون في الفرار من وابل من القصف وقذائف دبابات في المدن، فروا في البداية إلى أماكن آمنة داخل سوريا، وسرعان ما لم يعد هناك أماكن آمنة. فكانت الحرب تجتاح كل المناطق، والمدن والبلدات. عندما استولى الثوار السوريون على عدد من المعابر الحدودية مع تركيا في عام 2012، وفروا مخرجا للأفراد الذين يملكون الوثائق. أما من لم يملكوا الوثائق أو أجبروا على تركها وراءهم في المنازل أثناء هروبهم، فبدأوا في التوجه إلى أشخاص مثل يوسف.
الآن، ومع استمرار الصراع، أجبر حتى الأفراد الذين غادروا سوريا وبحوزتهم وثائق أصلية على الدفع لتجار غير شرعيين مثل يوسف لتجديدها لهم. فالرجال الذين لم يكملوا خدمتهم العسكرية يحصلون على صلاحية لعامين فقط على جوازات سفرهم، ولذا فإن الكثير من الشباب الذين يعيشون في المنفى في تركيا يحصون الأسابيع المتبقية على انتهاء وثائقهم، وهم يعلمون أن النظام في دمشق لا يتوقع أن يجدد لهم رسميا إذا كان لهم أي تورط مع المعارضة.
وقال يوسف: «في البداية كنت أغير جواز السفر الذي انتهت مدة صلاحيته، كنت أزيل التاريخ وأستبدله». ثم وجد طريقة أكثر موثوقية، حيث بدأ في شراء جوازات سفر فارغة وطوابع متجددة من مسؤول فاسد في النظام، ولذا فإن الجوازات لا يمكن تمييزها عن تلك الصادرة عن النظام. ويفتخر يوسف بأن أحد زبائنه تمكن من السفر إلى إيران - وهي حليف قوي لدمشق - بواحد من جوازات سفره. وأضاف «هذا العمل يعتمد على الثقة، والناس يرسلون أصدقاءهم وأقاربهم لي. فالسمعة هي كل شيء، وسمعتي جيدة».
وكلما احتدم الصراع، اضطر الأفراد العاديون إلى اللجوء إلى رجال مثل يوسف، الذي يصر على أنه ليس انتهازيا. وقال: «أنا أحاول مساعدة الناس فقط». وتتخذ الحكومة التركية خطوات فعالة لمساعدة السوريين على هذا الجانب من الحدود، ووقف موجة الإجرام من التهريب والتزوير والاتجار التي اجتاحت حدودها نتيجة للحرب في سوريا. وتمضي الحكومة التركية في عملية إصدار بطاقات الهوية لجميع السوريين في تركيا؛ سواء كانوا يحملون جوازات سفر أو لا، وهو ما سيمكنهم من البقاء في البلاد دون مشاحنات وعبور الحدود بحرية. ولكن التقديرات تشير إلى وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في هذا البلد، كثير منهم يختفي بعيدا في مبان سكنية رديئة بصورة غير قانونية ويعملون في وظائف ويتقاضون أجورا زهيدة. وسوف يستغرق تسجيلهم جميعا وقتا طويلا. وحتى ذلك الحين، سوف تستمر أعمال يوسف في الازدهار.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.