خلفت تغييرات مفاجئة أجراها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على رأس شركة المحروقات المملوكة للدولة صدمة لدى قطاع من الجزائريين، بعد أن عين رئيسا للشركة، إطارا قضى ثلاث سنوات في السجن العسكري، بناء على إدانة بتهمة «التجسس لصالح جهات أجنبية».
ونزل خبر اختيار عبد المؤمن ولد قدور رئيسا لـ«سوناطراك» أول من أمس كالصاعقة على الأوساط السياسية والإعلامية، وحتى داخل عالم المال والأعمال، على اعتبار أن الرجل تلقى حكم محكمة عسكرية عام 2005 بالسجن، بتهمة عقد صفقات مهمة من موقعه مديرا لـ«براون روت أند كوندرو»، وهي شركة جزائرية - أميركية، تقدر قيمتها بملايين الدولارات، تمثلت في شراء عتاد إلكتروني أميركي حديث لصالح وزارة الدفاع الجزائرية.
وبعد فترة من استعمال هذا العتاد، تلقت الجزائر من جهاز الاستخبارات الروسي معلومات مفادها أن معطيات عسكرية مهمة يتم التجسس عليها من طرف الاستخبارات المركزية الأميركية، عبر العتاد الفني الذي اشتراه الجيش الجزائري. وحملت السلطات ولد قدور المسؤولية، وقررت معاقبته بالسجن.
وقالت «الجمعية الجزائرية لمحاربة الفساد»، على إثر هذا التغيير في «سوناطراك»: «إنها فضيحة صدمت كثيرا من الجزائريين، لأن ولد قدور تعرض لإدانة بالسجن النافذ من طرف محكمة عسكرية، بناء على تهم ووقائع خطيرة جدا، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن فترة رئاسته الشركة الجزائرية - الأميركية، طبعتها من بدايتها حتى نهايتها فضائح ذات صلة بمشروعات مهمة، جرى تضخيم فواتيرها».
ويعبر تعيين ولد قدور رئيسا لسوناطراك، حسب الجمعية التي تعد فرعا لـ«شفافية دولية» بالجزائر، عن «شعور بالظلم، ومؤشر على إفلات من العقاب لا نظير له يمارس على مستوى الهيئات المهمة في الدولة. وإن هذا التعيين الفضيحة يعيشه الجزائريون بوصفه استفزازا ورسالة من النظام مفادها: نحن نفعل ما نريد، وحذار لمن لا يعجبه الأمر».
ويعد ولد قدور شخصا محسوبا على وزير الطاقة سابقا شكيب خليل، وهو بدوره مقرب من لوبي الصناعات العسكري الأميركي. والشخصان تمت متابعتهما من طرف جهاز المخابرات لما كان في أوج قوته. وقد عزل بوتفليقة مديره الجنرال محمد مدين، وأطلق إجراءات سمحت بإبعاد تهم الفساد عن خليل وولد قدور. كما أن وزير الطاقة الحالي نور الدين بوطرفة خضع للتحقيق في قضايا فساد على أيدي محققي المخابرات، وتم «تبييضه» باختياره وزيرا، علما بأن خليل كان محل مذكرة اعتقال دولية صدرت ضده عام 2013، لكنه لا يزال حرا طليقا.
وطالت تهمة الفساد أيضا زوجة خليل ونجليه وشخصا يدعى فريد بجاوي، ابن شقيق وزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي، الذي توسط في دفع رشا وعمولات في إطار صفقات خارج القانون، أبرمت مع عملاق النفط الإيطالي «إيني». وحدثت الوقائع ما بين 2010 و2012 بحسب القضاء الإيطالي، الذي وجه التهمة نفسها لمسؤولين بالشركة الإيطالية التي رست عليها صفقات «سوناطراك» بإيعاز من خليل. ووصلت قيمة هذه الصفقات إلى 8 مليارات يورو. والشائع أن الرئيس بوتفليقة غضب غضبا شديدا لما بلغه، وهو في رحلة علاج بباريس (ربيع 2013)، أن تحقيقا في قضايا فساد بـ«سوناطراك» أجرته مصلحة الشرطة القضائية التابعة للمخابرات، أفضى إلى اتهام خليل. فوزير الطاقة السابق صديق طفولة بوتفليقة، وولدا في مكان واحد هو وجدة بالمغرب. وبوتفليقة هو من أصر على إحضار خليل من البنك العالمي، حيث كان يعمل عام 1999 لما تسلم الحكم. وأول قرار اتخذه الرئيس لما عاد من رحلة العلاج، كان حل الشرطة القضائية للمخابرات وتنحية وزير العدل محمد شرفي. وقبل أن يعزل مدير المخابرات جرده من أهم الصلاحيات خلال العامين الماضيين.
وقال المحلل السياسي محند أرزقي فرَاد، مفسرا التطورات الأخيرة، إن «المشكلة في الجزائر تكمن في وجود نظام سياسي قائم على غير أسس الديمقراطية، منذ اغتيال الثورة، ومصادرة الاستقلال حسب شهادة أخيار هذه الأمة. فنظامنا السياسي بُني عنوة على النظام الأحادي الشمولي، يرى أصحابُه أنهم مخلوقون ليكونوا حكاما مدى الحياة دون محاسبة، في حين خلق الشعب - برأيهم - ليكون قاصرا مدى الحياة. والنظام السياسي الذي تغيب فيه مبادئ التداول على الحكم وفصل السلطات، واستقلال القضاء، وحرية الإعلام، هو نظام فاسد لا يعاقب المفسدين. بل أكثر من ذلك... تنقلب فيه القيم، فتصير النزاهة مجلبة للخطر والعُسر، والخيانة مجلبة للمغانم واليُسر. لذا فمصيبتنا أكبر من أن تحصر في قضايا الفساد العارضة».
صدمة في الجزائر بعد تعيين مدان بالتجسس على رأس «سوناطراك»
صدمة في الجزائر بعد تعيين مدان بالتجسس على رأس «سوناطراك»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة