{صندوق النقد} يطالب الجزائر بتوسيع الإصلاحات الاقتصادية ويحذر من «البطالة»

البنك الدولي أكد أن لديها قدرات نمو وتنمية ضخمة

رئيسة صندوق النقد كرستين لاغورد ({غيتي})
رئيسة صندوق النقد كرستين لاغورد ({غيتي})
TT

{صندوق النقد} يطالب الجزائر بتوسيع الإصلاحات الاقتصادية ويحذر من «البطالة»

رئيسة صندوق النقد كرستين لاغورد ({غيتي})
رئيسة صندوق النقد كرستين لاغورد ({غيتي})

أشاد صندوق النقد الدولي بصلابة الاقتصاد الجزائري، لكنه دعا في الوقت ذاته إلى بذل مجهودات عاجلة أكبر وتبني مزيد من الإصلاحات المتعلقة بالسياسة النقدية والتخلي عن سياسة الدعم وتوسيع الضرائب، وذلك في مواجهة التحديات الكبرى التي يفرضها انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد الجزائري، محذرا على وجه الخصوص من مخاطر الزيادة الكبرى في معدلات البطالة.
وفي بيان أصدره الصندوق أمس بمناسبة ختام زيارة بعثته التي استمرت من 7 إلى 20 مارس (آذار) الحالي، واطلعت عليه «الشرق الأوسط»، قال جون فرنسوا دوفان رئيس البعثة: «لا تزال الجزائر تواجه تحديات كبيرة يفرضها انخفاض أسعار النفط. وقد حافظ النشاط الاقتصادي على صلابته بوجه عام، ولكن شهد النمو تباطؤا في القطاع غير الهيدروكربوني تحت تأثير تخفيضات الإنفاق، وتشير التقديرات إلى بلوغه 3.4 في المائة في عام 2016. وارتفع التضخم من 4.8 في المائة في 2015 إلى 6.4 في المائة في 2016. وبلغ 8.1 في المائة في يناير (كانون الثاني) 2017 محسوبا على أساس سنوي».
وكان الصندوق قد أبقى في يناير الماضي على توقعات النمو الخاصة بالجزائر في حدود 3.6 في المائة سنة 2016، و2.9 في المائة سنة 2017. مشيرا إلى تحقيق انتعاش ابتداء من سنة 2021 بنسبة 3.4 في المائة.
وفي إشارة إلى بعض النقاط عالية المخاطر، قال دوفان: «ارتفعت البطالة إلى 10.5 في المائة في سبتمبر (أيلول) 2016، ولا تزال بالغة الارتفاع بين الشباب بنسبة 26.7 في المائة، والنساء بنسبة 20.1 في المائة، على وجه الخصوص... ورغم بعض الضبط لأوضاع المالية العامة في 2016، فقد ظل العجز كبيرا في المالية العامة والحساب الجاري، كما حدثت زيادة في الدين العام. وفي حين لا تزال الاحتياطيات الدولية وافرة، فقد انخفضت بمقدار 30 مليار دولار، لتصبح 113 مليار دولار (باستثناء حقوق السحب الخاصة)».
وأشاد دوفان بجهود الحكومة قائلا: «الجهود جارية للتكيف مع صدمة أسعار النفط. وقد حققت السلطات انخفاضا ملحوظا في عجز المالية العامة في الفترة 2017 - 2019. وحققت السلطات تقدما في تحسين بيئة الأعمال وتعمل حاليا على وضع استراتيجية طويلة الأجل لإعادة تشكيل نموذج النمو الجزائري بغية تشجيع نشاط القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد. ويعمل البنك المركزي على تطويع أدوات السياسة النقدية للتكيف مع بيئة أصبحت تتسم بمحدودية السيولة. ويعتبر زخم الإصلاح المتنامي من التطورات الجديرة بالترحيب».
وأوضح رئيس البعثة أنه «من التحديات الأساسية في هذه المرحلة، اختيار مزيج السياسات الذي من شأنه مساعدة الاقتصاد على التكيف مع صدمة أسعار النفط على نحو قابل للاستمرار، وبأقل تكلفة ممكنة على النمو وتوظيف العمالة... وسيتعين مواصلة الضبط المالي تحسبا لتوقعات استمرار أسعار النفط المنخفضة، ونظرا للاحتياطيات الهيدروكربونية غير المتجددة».
وفي إطار نصائح الصندوق، قال دوفان: «في هذه المرحلة، ينبغي أن يعتمد الضبط المالي في الأساس على توسيع القاعدة الضريبية، من خلال تحسين إنفاذ الضرائب وترشيد الإعفاءات الضريبية وغير ذلك من الإجراءات ذات الصلة؛ واحتواء الإنفاق الجاري؛ واستبدال دعم الطاقة المكلف - الذي يذهب معظمه إلى الأثرياء - تدريجيا بالدعم المباشر للفئات السكانية الأشد احتياجا؛ وتحسين كفاءة الإنفاق الرأسمالي وتخفيض تكلفته. كذلك ينبغي الحفاظ على الاستثمار في الصحة والتعليم وشبكات الأمان الاجتماعي الموجهة بشكل جيد للمستحقين. ولدعم هذه الجهود، ينبغي تقوية إطار الموازنة والقيام بمراقبة دقيقة للمخاطر المتنامية التي تتعرض لها المالية العامة. ومن ناحية أخرى، يتعين اجتناب الخفض المفرط لعجز المالية العامة للحد من مخاطر التباطؤ الحاد في النمو».
وقال دوفان في تصريحات على هامش الزيارة إن «الدراسات التي قام بها الصندوق حول الجزائر أظهرت أن 80 في المائة من السكان الأقل دخلاً يستهلكون الطاقة المدعمة 6 مرات أقل من العشرين في المائة الأعلى دخلاً، ما يعني أن الدعم الموجّه للطاقة يستفيد منه الأغنياء أكثر من الفقراء».
وترى البعثة أن المستوى المنخفض للدين العام في الجزائر يسمح لها بتنفيذ الضبط المالي على نحو أكثر تدرجا - إلى حد ما - مقارنة بإطار الموازنة متوسط الأجل الحالي، وذلك إذا نظرت في مجموعة أوسع من خيارات التمويل، بما فيها الاقتراض الخارجي وبيع أصول الدولة.
وبحسب التقرير: «تدعم البعثة السلطات بقوة فيما تستهدفه من تقليل اعتماد الاقتصاد على الهيدروكربونات وتحرير إمكانيات القطاع الخاص، وهي أمور لا تقتصر الحاجة إليها على التكيف مع انخفاض أسعار النفط؛ وإنما أيضا لضمان وجود مصدر مستدام لخلق فرص العمل حتى خارج النطاق الزمني لوجود احتياطيات النفط والغاز المثبتة».
وبحسب نصائح الصندوق: «فسيتطلب تحقيق هذا الهدف مجموعة من الإصلاحات الهيكلية واسعة النطاق... فينبغي اتخاذ إجراءات لتحسين بيئة الأعمال وإمكانية الحصول على التمويل، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وزيادة فعالية سوق العمل، وضمان الاتساق بين المهارات التي ينتجها النظام التعليمي ويسعى إليها الطلاب من ناحية، واحتياجات أصحاب العمل من ناحية أخرى، وتشجيع زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وزيادة انفتاح الاقتصاد أمام الاستثمار الأجنبي. وينبغي تصميم الاستراتيجية الكلية، وتحديد تسلسل خطواتها، بحيث تكون الإصلاحات داعمة لبعضها البعض ويكون تقاسم عبء التكيف الاقتصادي عادلا. وينبغي التحرك على هذا المسار دون تأخير نظرا للفترة التي تستغرقها الإصلاحات الهيكلية حتى تؤتي ثمارها».
كما شدد دوفان أنه «ينبغي أن تدعم سياسة سعر الصرف والسياسة النقدية والسياسات المالية عملية التكيف مع صدمة أسعار النفط. فمن خلال الجهود الرامية لجعل سعر الدينار متسقا مع أساسيات الاقتصاد، بالتوازي مع اتخاذ خطوات نحو امتصاص سوق الصرف الموازي، يمكن دعم التصحيح المطلوب في المالية العامة والحساب الخارجي. ومن الملائم أن بنك الجزائر يعمل حاليا على استحداث عمليات السوق المفتوحة، التي ينبغي أن تصبح الأداة الأساسية لسياسته النقدية. ومن المهم أن يظل بنك الجزائر مستعدا لتشديد السياسة النقدية في ضوء الضغوط التضخمية المتنامية».
وبحسب البيانات المبدئية، لا يزال القطاع المصرفي ككل يتمتع بمستويات كافية من رأس المال والربحية، ولكن صدمة أسعار النفط أدت إلى زيادة مخاطر السيولة وأسعار الفائدة والائتمان. ولذلك فمن المهم تسريع الانتقال إلى إطار رقابي قائم على المخاطر، وتعزيز دور السياسة الاحترازية الكلية، وتدعيم حوكمة البنوك العمومية، ووضع إطار لحل الأزمات.
ويتزامن تقرير صندوق النقد مع زيارة أخرى لحافظ غانم، نائب رئيس البنك الدولي المكلف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى الجزائر، حيث أكد أن الجزائر لديها قدرات نمو وتنمية ضخمة، مشيراً إلى أن الجزائر تمكنت خلال السنوات الـ15 الماضية من تقليص نسبة الفقر من 20 في المائة إلى 7 في المائة، وذلك يعتبر نجاحا كبيرا.
وتابع في بيان أول من أمس أنه «يتعين علينا تثمين هذا التقدم لإقامة مجتمع منتج أكثر ومبدع، في الوقت الذي رافقنا فيه برامج إصلاح بلدان كثيرة مثل كازاخستان وفيتنام، نسعى لتعبئة هذه الخبرة العالمية لدعم الأهداف التي سطرتها الجزائر لإرساء قواعد نمو مستدام مستقبلي». موضحا أن «الجزائر تتمتع بقدرات ضخمة وتعمل حالياً على التزود بنظرة استراتيجية لاستغلالها أحسن استغلال». ويلتقي غانم خلال زيارته عدداً من أعضاء الحكومة ومحافظ بنك الجزائر، ويتطرق إلى التقدم المحقق بالنظر إلى أولويات البلاد والدعم الإضافي الذي يمكن للبنك بحكم خبرته العالمية تقديمه للجزائر لمساعدتها في بلوغ أهدافها.
وتتمحور المحادثات حول المجالات التي قدم فيها البنك العالمي دعماً تقنياً للجزائر، لا سيما تحسين أنظمة الحماية الاجتماعية والهدف بعيد المدى الرامي إلى تقليص تبعية البلدان للمحروقات وتنويع اقتصادها لتحقيق النمو وتوفير فرص عمل.



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.