دوريك والكوت... مواجهة الإرث الكولونيالي وملحمة البحث عن الجذور

صاحب «أوميروس» يرحل عن 87 عاماً في جزيرته

دوريك والكوت
دوريك والكوت
TT

دوريك والكوت... مواجهة الإرث الكولونيالي وملحمة البحث عن الجذور

دوريك والكوت
دوريك والكوت

يقول دوريك والكوت في ملحمته «أوميروس»: «الآن ترون ماذا يعني المرء أن يكون بلا جذور في هذا العالم». هذه الموضوعة الكبرى في كل أعمال والكوت، الذي حاز على نوبل للآداب عام 1992، الذي رحل أمس عن 87 عاما في جزيرة سانت لوسيا في البحر الكاريبي. أوميروس والكوت هو هوميروس معاصر، طروادته الوحيدة هي البحث عن الجذور. شخصيات تتصارع فيما بينها وبين الآخرين لتحقيق وجودها المستلب، كما يبدو من السطح، لكنها في حقيقتها ليست سوى شخصيات منبوذة، هامشية، ومع ذلك لا تكف عن الصراع الإنساني لترسيخ جذورها في مكان يمكن أن تحس أنها مكانها الخاص.
في قصائده ومسرحياته، لكن في «أوميروس» بشكل خاص، يتتبع والكوت مثل هذه الشخصيات في بحث دائم لا ينتهي. إنه يعود دائما إلى التاريخ، تاريخ الكاريبي، وتاريخ أفريقيا، ما قبل وما بعد المرحلة الكولونالية، ليس فقط على المستوى الرمزي، وإنما على المستوى المادي أيضا. فهو نفسه كان رحالة كبيرا في بحثه عن جذوره الأولى في سانت لوسيا نفسها، التي يرحل عنها ثم سرعان ما يعود إليها، هذه الجزيرة الصغيرة التي صارت مجموعة من كسر، مثل الكاريبي كله، الذي يقول والكوت نفسه في مقابلة معه، لا يملك مركزا أو محيطا، بل هو في الحقيقة استيعاب فوضوي لبيئات أفريقية، وأوروبية، وأميركية - هندية، وآسيوية أيضاً.
كان والكوت يؤمن أن التخلص من الإرث الكولونيالي لا يكمن في الهرب منه، بل في كشفه، وفهمه، وبالتالي مواجهته. وهو في ذلك يتفق مع أغلب كتاب ما بعد المرحلة الكولونالية. لكن ما يميزه عن معظمهم، إنه لا يفكك الواقع لخلق إحساس بالهوية، كما يفعل النيجيري وول سوينكا أو سلمان رشدي مثلا، بل يتحدى التاريخ، أو سلطة التاريخ، ليستعيد ما يسميه أحد النقاد بـ«بذور الموروث»، ليزرعها في تربتها الأصلية من جديد.
هذه العودة إلى الماضي، كما هو معروف، هي سمة مشتركة في أدب ما بعد الكولونيالية، لكن آخرين، مثل سوينكا، يرون أن «التوافق الثقافي»، بين المستعمر - بكسر الميم - والمستعمر - بفتحها - من دون نبذ التراث الكولونيالي، لا يمكن أن يقود إلى تحقيق الهوية، وإحياء آداب وطنية حقيقية، بل إلى إعادة سيادة الأول ثقافيا. وبسبب ذلك، اتهم والكوت بـ«التبعية الثقافية» من قبل كثير من أقرانه.
آمن والكوت بالذاكرة كوسيلة لاستعادة الهوية. الذاكرة عنده جزء أساسي في تكوين مثل هذه الهوية، وهذا ما عكسه بقوة في الكتاب الخامس من «أوميروس». إنه يتتبع رحلة «أخيل»، الذي انطلق من سنت لوسيا بعدما طرح على نفسه أسئلة ممضة عن هويته، إلى قبيلة أجداده في أفريقيا. وعلى عكس أخيل هوميروس، الذي لم يستطع أن يصل إلى بلده لأنه فقد ذاكرته، أخيل والكوت يستعيد ذاكرته بمجرد أن يصل إلى أفريقيا، بعد رحلة ملحمية يتشابك فيها الزمان والمكان، والحاضر والماضي، والضياء والظلام، والأحياء والموتى. يكتب والكوت واصفا هذا المشهد.
«توغل الحزن في أعماقه ببطء وهو يبلغ موطنه. صار هو ذاكرته».
يوحي لنا والكوت هنا بأن الهوية تتمثل في الذاكرة، وتبعا لذلك نحن نستطيع أن نعيد بناء هويتنا المتشظية عبر الذاكرة. ولكن هل يمكن أن نعيد بناء تجاربنا عبر الذاكرة؟ إنه يؤمن، كما كان يؤمن الفيلسوف ديفيد هيوم، بإمكانية ذلك، فالإنسان ليس أكثر من ذاكرة، وإن العدمية ستسود البشر من دونها. الهوية بالنسبة للاثنين ليست مجرد إحساس بمكان، بل بتاريخ، مهما كان هذا التاريخ، وهذا التاريخ هو الذاكرة، أو إن الذاكرة هو التاريخ.
يعبر والكوت عن ذلك شعريا في «أوميروس» حين يواجه «أخيل»، الذي كان قادرا على التنبؤ بالمستقبل، كابوس العبودية في طريقه لقرية أجداده:
كان بإمكانه أن يسمع الأصداء نفسها التي تولدها فؤوسهم الحجرية،
في المرتفعات فوق أوتاد المستعمرة المثبتة بإحكام، حيث الأصداء التي توقعها.
نظر أخيل في الخريطة التي يحملها في يده
إنها تتشعب مثل الأنهار، والساحل...
ثم قامت الحرب.
في المشهد التالي، نرى أخيل بمجرد مواجهته كل ذلك، يفقد ذاكرته، فتبدأ واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في التاريخ: العبودية، وتلتها الكولونيالية بأشكالها المختلفة.

بروفايل

> ولد دوريك التون والكوت في سانت لوتشيا، إحدى جزر الهند الغربية، عام 1930، وتلقى تعليمه الجامعي في جامعة الكولدج في جزر الهند الغربية. وفي عام 1959 عقد دورة دراسية في مسرح ترينداد حيث عرضت مسرحياته لأول مرة. نشر والكوت أكثر من 20 مجموعة شعرية وأكثر من 30 مسرحية. ومن أعماله: «في ليلة خضراء» قصائد 1948 - 1960 (نشر في عام 1962)، و«الناجي من الغرق وقصائد أخرى» 1965، و«عنب البحر» 1976، و«مملكة التفاح النجمي» 1977، و«الخليج» 1969، و«المسافر المحظوظ» 1981، و«منتصف صيف» 1982، و«طقوس كاريبية» 1984، و«قصائد لدخول الملكوت» 1987، و«العودة إلى الرحم» 1991، كما نشرت قصائده المختارة في عام 1993.
وكانت الأكاديمية السويدية قد منحت جائزتها في الآداب لعام 1992 لوالكوت، وذلك عن مجموعة أعماله الشعرية التي وصفت بأنها «تتميّز برؤية تاريخية عميقة، وتعبر عن التزام متعدد الجوانب».



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.