اليمين الهولندي المتشدد... جزْر بعد مد

ارتياح أوروبي عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات العامة

اليمين الهولندي المتشدد... جزْر بعد مد
TT

اليمين الهولندي المتشدد... جزْر بعد مد

اليمين الهولندي المتشدد... جزْر بعد مد

كان الطقس بديعا للغاية. شمس مشرقة، ونسمة ربيع حانية، وطبيعة خلابة في هولندا، في يوم التصويت لاختيار أعضاء البرلمان، وهو طقس مخالف تماما لما كان عليه في اليوم الذي سبقه... وكأن الظروف المناخية أرادت أن تلعب دورا في تشجيع المواطنين على الخروج للتصويت. وبالفعل، سجلت نسبة إقبال كبيرة وصلت إلى 80 في المائة، وهي نسبة لم تسجل في هولندا منذ سنوات طويلة.
ومن ثم، حمل إعلان النتائج أخباراً جيدة للغاية، ليس فقط للهولنديين سواءً من سكان البلاد الأصليين، أو من المهاجرين من أصول إسلامية، بل أيضاً للأوروبيين. إذ فاز الحزب الليبرالي بقيادة رئيس الحكومة مارك روتي محتلاً المرتبة الأولى، بينما حل حزب الحرية اليميني المتطرف الذي يقوده خيرت فيلدرز المناهض للإسلام في المرتبة الثانية.
يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة في هولندا بعد الانتخابات العامة التي أجريت هذا الأسبوع مفاوضات صعبة وطويلة لتشكيل ائتلاف حكومي جديد. ولقد علق كثير من المراقبين على ما شهدته معركة الانتخابات من تطورات مختلفة.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال نور الدين العمراني، الإعلامي والباحث في قضايا الأقليات في هولندا، معلقاً: «لأول مرة في تاريخ الانتخابات الهولندية، ومنذ 30 سنة، فاقت نسبة مشاركة الناخبين نسبة الـ80 في المائة. ولأول مرة في التاريخ البرلماني شارك الشباب الهولندي بكثافة في عملية التصويت لاختيار نواب برلمانيين للظفر بالكرسي الأزرق بالبرلمان. وبالتالي، اختيار ممثلي الحكومة المقبلة». وتوقع العمراني أن تتقدم الأحزاب الفائزة إلى مشاورات أو مفاوضات «ماراثونية» لتشكيل حكومة ائتلافية سيكون مكوّنها الأكبر الحزب الليبرالي برئاسة روتي، المرشح الآن لفترة رئاسية ثالثة.
أمام التهويل السياسي والإعلامي المراهن على فوز المتطرف فيلدرز، الذي تقدم للانتخابات بورقة شعبوية كبرنامج انتخابي، اندفع الهولنديون إلى إعطاء أصواتهم لليبراليين في تصويت ضد الكراهية والتحريض. مع العلم بأن ورقة فيلدرز التحريضية كرّرت التعبير عن مواقفه الداعية إلى منع تداول القرآن الكريم، وإغلاق الحدود بوجه المهاجرين واللاجئين، والتصدي لما يسميه «أسلمة المجتمع الهولندي».
لقد قال الشعب كلمته، وتلقى الزعيم المتطرف صفعات متتالية ليلة إعلان النتائج. ولكن، في المقابل، كانت هذه الانتخابات قاسية جداً على حزب العمل (يسار الوسط) الذي فقد مقاعد كثيرة ودفع ثمناً سياسياً باهظاً نتيجة دعمه للإصلاحات السياسية والاقتصادية لليبراليين. أما حزب اليسار الأخضر الذي يقوده جيسه كلافر - ذو الأصول المغربية - فقد استطاع أن يعيد للحزب مكانته الطبيعية كمكوّن يساري يدافع عن المحرومين من هولنديين ومهاجرين على حد سواء. وحصل حزب «دينك» Denk ذو المرجعية الإسلامية والأصول المغربية والتركية على ثلاثة مقاعد، مستفيداً من دعم الناخبين من المهاجرين وبالذات المسلمين، وعلى رأسهم أولئك الذين غضبوا من حزب العمل، الذي كان أحد الأحزاب التي كانت تشكل التحالف الحكومي لسنوات عدة.
بيت فان در ليندن، رئيس «منتدى هولندا للجميع»، قال في مكالمة هاتفية ردا على سؤال يتعلق بقراءة النتائج: «إن الانتخابات كانت صعبة وعصيبة، وعلى الرغم من أننا لا نتفق وسياسة الحزب الليبرالي، فإننا نشكر الشعب الهولندي على اختياره أهون الشرين (السيئ لا الأسوأ). لقد قطع الشعب الهولندي الطريق على الشعبويين، وهذه إشارة واضحة للدول الأوروبية المقبلة على الانتخابات كألمانيا وفرنسا. إن على هذه الدول أن تأخذ الدرس من التجربة الهولندية».
من ناحية ثانية، وفق النتائج التي أوردتها وكالة الأنباء الهولندية، للمعركة الانتخابية البرلمانية، حصل الحزب الليبرالي بقيادة رئيس الوزراء روتي على 33 مقعدا، في حين حصل حزب العمل (يسار الوسط) الحليف والشريك في الائتلاف الحكومي على 9 مقاعد فقط، خاسراً ما لا يقل عن 29 مقعداً.
وفي تعليق على هذه الهزيمة المزلزلة، قال زعيم حزب العمل لودفيك آشر، إن ما حدث لحزبه «مأساة». وكان واضحاً حسب المحللين، أن الحزب فقد ولاء كثيرين من ناخبيه الطبيعيين، ولا سيما من المهاجرين، وبخاصة المغاربة الذين تذمروا من سياسة الحزب المحابية لليمين والمتعلقة بالمس بتعويضات الأرامل وتعويضات الأطفال في المغرب. ويشير المحللون إلى أن هذا الحزب عرف تاريخيا بوقوفه مع مصالح العمال، هولنديين وأجانب، بيد أنه في السنوات الأخيرة فقد هويته الاجتماعية الديمقراطية بعد انسحاب رموز تاريخية من قياداته، وتنكر القيادة الحالية لتاريخ الحزب ونضاله.
أما حزب الحرية بقيادة المتطرف فيلدرز، الذي كان يطمح لاحتلال الصدارة، فإنه حصل على 20 مقعداً فقط بزيادة 5 مقاعد فقط عما كان لديه في البرلمان السابق. وكان واضحاً أنه على الرغم من التهويل الإعلامي والسياسي لماكينة الحزب الدعائية، فإنه أخفق في كسب ثقة الناخبين. وعلقت الممثلة الهولندية المشهورة كارين بلومن على هزيمة فيلدرز وحزبه بالقول: «تقدم إلى الانتخابات بورقة انتخابية واحدة. إنه يستبلد الشعب الهولندي، وعلينا ألا نعيره أي اهتمام».
وبعكس متطرفي اليمين، عاد حزب اليسار الأخضر بقوة إلى الواجهة، ويعود جزء من الفضل إلى دور زعيمه جيسه فراس كلافر (والده مغربي) وعمره 30 سنة، ونجاحه في إقناع الشباب بممارسة حقهم الانتخابي، وهو ما لم يتحقق منذ ثلاثين سنة، حيث فاقت نسبة المشاركة 81 في المائة، وهذا رقم زرع الثقة في السياسة الهولندية التي كان ينظر إليها على أنها ستقع فريسة الشعبويين اليمينيين. ولقد حصل اليسار الأخضر على 14 مقعداً بزيادة 10 مقاعد عما كان لديه في البرلمان السابق.
أما المفاجأة الكبرى فهي حصول حزب «دينك» Denk – وتعني الكلمة «فكّر» باللغة الهولندية و«مساواة» باللغة التركية – الذي يدعمه المهاجرون الأتراك والمغاربة بثلاثة مقاعد لأول مرة في تاريخه. وذهب أحد المقاعد الثلاثة للمغربي فريد أزرقان. ووفق المحللين استطاع هذا الحزب، مثل حزب اليسار الأخضر، استمالة الناخبين الغاضبين الذين كانوا في السابق يصوتون لحزب العمل.
ويرى بعض المحللين أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وطالب فيه مواطنيه والمهاجرين المسلمين في هولندا بألا يصوتوا للحزب الحاكم أو للعنصريين المتطرفين، ساعد هذا الحزب الصغير على وضع اسمه على الخريطة السياسية.
وعلى صعيد آخر، توزّعت المقاعد الأخرى أحزاب تقليدية كالحزب الديمقراطي المسيحي (19)، وحزب الديمقراطيون «د 66» (19)، والحزب الاشتراكي (14)، وحزب الاتحاد المسيحي (5). أما الأحزاب الصغيرة فقد حصلت على ما يتراوح بين مقعد و4 مقاعد، كحزب الحيوانات، والشيوخ، ومنتدى الديمقراطيين. وثمة أحزاب أخرى يمينية ودينية كحزب «يحيا عيسى» لم تحصل على أي مقعد.
حضر لتغطية الانتخابات التشريعية 300 صحافي ومراسل وممثل لوكالات من كل القارات الخمس. وكان الإعلام المغربي هو الغالب الأكبر رغم وجود نحو 400 ألف مغربي عانوا الأمرين من التصريحات العنصرية التي كان وراءها المتطرف فيلدرز.
ولقد شارك أبناء الجالية المسلمة في هولندا في التصويت والترشح في القوائم الحزبية. أما عن كيفية التصويت ونوازعه فهناك معايير للاختيار من وجهة نظر البعض من المراقبين. ويقول نور الدين العمراني: «إن العاطفة تلعب دورا كبيرا في اختيارات الناخب المهاجر المتحدر من أصول إسلامية وعربية، وهو يعتمد على العامل الديني أو الثقافي في تحديد الاختيارات، في حين يصوت المواطن الهولندي العادي انطلاقا من التأثير السياسي والإعلامي».
من جهة أخرى، ليس خافياً أن البعض نظر إلى هذه الانتخابات على أنها اختبار للمشاعر المناهضة لمؤسسة الحكم وللهجرة، وجاءت وسط خلاف حاد مع تركيا، وشكوك حول مستقبل الاتحاد الأوروبي.
وأمام لجنة للتصويت في بلدية سلوتن مير، غرب العاصمة أمستردام، رصدت «الشرق الأوسط» آراء الناخبين بعد الإدلاء بأصواتهم. وكما قال العمراني، الناخبون المسلمون ركزوا على اختيار الأشخاص من العرب والمسلمين في قوائم الأحزاب، بينما اعتمد الناخبون الهولنديون الآخرون في اختياراتهم على برامج الأحزاب.
ناخب تركي في العقد الثالث من عمره، كان برفقته طفله الصغير (دون 3 سنوات) قال لنا: «جئت اليوم لأمارس دوري في التصويت بالانتخابات، واقترعت لمرشحة تركية». وقال رجل في الخمسين من عمره متحدر من أصل مغاربي: «صوتت لحزب العمل؛ لأنه يضم أشخاصا من أصول عربية وإسلامية ويعملون لمصلحة المسلمين في هولندا». وقال ناخب ثالث، وهو هولندي ستيني ليس من أصول عربية أو مسلمة، عندما سألناه: «الطقس جميل وساعد ذلك على إقبال أعداد كبيرة... وأنا أعطيت صوتي للحزب الاشتراكي لاقتناعي بأن برنامج الحزب يلبي طموحاتي». وأردف: «أتمنى ألا ينجح فيلدرز المتشدد». بينما قال رجل عربي يتحدث الهولندية: «أعتقد أن هناك تبايناً في المواقف. هناك بعض المساجد دعت إلى التصويت لحزب (دينك) الإسلامي لمواجه خطط اليميني فيلدرز».

ماذا يقول المرشحون؟
وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قالت مرشحة من حزب «دينك»، عايشة غول كليتش: «حزبنا أسس قبل سنتين، ولدينا الآن ممثلون في البرلمان. ونحن ندعو إلى مجتمع مشترك يسمح لكل شخص بأن يحتفظ بهويته، ونرفض أن يكون هناك مقياسان. إننا ننادي بعكس ما ينادي به فيلدرز. وأرجو من المواطنين عدم التأثر بالاستطلاعات، واختيار المرشح حسب البرنامج الذي يطرحه».
ومن جهة أخرى حاولت «الشرق الأوسط» التعرف على تأثيرات الأزمة بين تركيا وهولندا على تصويت الناخبين، فقال لنا لوك ورينغا، رئيس «المركز الاجتماعي لملتقى العقائد» في أمستردام: «أي من الأحزاب الهولندية لم تشأ التورط في هذا الخلاف الذي وقع قبل أيام قليلة مع تركيا. وأنا كهولندي أرى أن (الرئيس التركي) إردوغان أراد عرض عضلاته بإرسال وزيرة شؤون الأسرة إلى هولندا، بعد رفض هبوط طائرة وزير الخارجية التركي في وقت سابق».

الارتياح الأوروبي
أما بالنسبة للمواقف الأوروبية، فأشارت التقارير الإعلامية الأوروبية في بروكسل، إلى أن معظم الأوروبيين تنفسوا الصعداء عقب الإعلان عن فوز روتي في الانتخابات الهولندية، لا سيما أنه كانت هناك مخاوف جدية لدى البعض من تحقيق فيلدرز مفاجأة على غرار تصويت «بريكست» في بريطانيا. وبالفعل، تلقى روتي التهاني من كثير من القيادات والعواصم الأوروبية. في حين قال روتي مساء الأربعاء، عقب انتهاء التصويت وإعلان النتائج: «في هذا المساء أيضا قالت هولندا، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الأميركية: لا للنوع الخاطئ من الخطاب الشعبوي». ومن ثم، تلقى رسائل تهنئة من بعض الزعماء الأوروبيين وتحدث إلى بعضهم هاتفياً، بينما حقق «اليورو» مكاسب بعدما أشارت النتائج إلى انتصار روتي الواضح وهزيمة فيلدرز.
وكان في طليعة المرحبين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، كما كتب وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت في تغريدة له: «أهنئ الهولنديين على وقف صعود اليمين المتطرف». وفي ألمانيا، كتب بيتر ألتماير، رئيس مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في تغريدة على موقع «تويتر»: «هولندا... يا هولندا أنت بطلة! أهنئك على هذه النتيجة العظيمة».
هذا، ويمكن القول إن هذه الانتخابات شكلت اختباراً مهماً حول ما إذا كان الهولنديون يريدون إنهاء عقود من الليبرالية واختيار مسار قومي مناهض للمهاجرين. وكانت النتائج الإيجابية لدعاة الانفتاح مبعث ارتياح لأحزاب التيارات السياسية الرئيسية في أوروبا، خاصة في فرنسا وألمانيا، حيث يأمل اليمينيون القوميون في تحقيق مكاسب كبيرة في انتخابات البلدين هذا العام، وهو ما يمكن أن يمثل تهديدا لوجود الاتحاد.
وحسب الاستطلاعات، من المتوقع أن تصل مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان للجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية في مايو (أيار) المقبل، بينما يرجح أن يحصل حزب «البديل من أجل ألمانيا» المناهض للمهاجرين والاتحاد الأوروبي على مقاعد في البرلمان الألماني للمرة الأولى خلال الانتخابات التي تجري في سبتمبر (أيلول) المقبل.
إلا أن الخبيرة بالشؤون الأوروبية، الباحثة لويز هون، في جامعة «بروكسل الحرة» ببلجيكا، قالت: «نحن نعتقد فعليا أن استخلاص العبر من الانتخابات الهولندية يفيد بأن الهولنديين يرفضون التطرف. غير أن هذه النتائج لا تعكس كل أوضاع المتطرفين في أوروبا، نسبة لما ذكرناه من دقة النسبية في القانون الانتخابي الهولندي. ولو كان الاقتراع منحصراً بين مارك روتي وخيرت فيلدرز فقط لربما كانت النتائج مغايرة تماماً. نعتقد أيضا أن الانتخابات الهولندية برهنت على أن أسئلة جديدة باتت في صلب الحملات الانتخابية، من بينها الهجرة واللجوء... وهذه الأسئلة طرحتها كل الأحزاب، التقدمية منها وغير التقدمية». وتابعت: «الخضر أيضا في هولندا أحرزوا تقدما كبيرا، بينما ضعف حزب العمل الذي لم يتناول إلا شؤونا قديمة التداول، ولاحظنا شبه غياب للأسئلة المتعلقة بالشأن الاقتصادي لهولندا. هذا يعني بالإجمال أن الموضوعات مركزة حول الهجرة واللجوء وأزمة اللاجئين. هذا يعني أن الأحزاب الشعبوية المتطرفة مثل حزب مارين لوبان وحزب البديل في ألمانيا، سيستخدمون بقوة هذه الموضوعات في حملاتهم الانتخابية».

وماذا الآن؟
أخيراً، لم يطل الوقت بعد إعلان النتائج في هولندا، حتى تحركت التخمينات بشأن شكل الائتلاف الحكومي الجديد. ذلك أنه عقب إعلان النتائج، قال رئيس الوزراء الفائز مارك روتي، إن عملية التفاوض حول تشكيل حكومي جديد ستكون صعبة، وربما تستغرق فترة طويلة، لكنه أبدى استعداداً للتحالف مع الديمقراطيين. أما فيلدرز فقال في تغريدة على «تويتر»، إن حزبه كان يحتل المرتبة الثالثة، واليوم يحتل المرتبة الثانية، وفي الانتخابات القادمة سيصل للمرتبة الأولى. وأضاف أنه كان يتوقع أن يحصل على 30 مقعداً، ولكنه يعتبر نفسه فائزاً لزيادة عدد مقاعد الحزب.
البعض تحدث عن إمكانية تشكيل ائتلاف من الديمقراطيين مع الحزب الليبرالي، ولكن مع دعم من حزب آخر، ربما يكون اليسار الأخضر أو الاتحاد المسيحي. وفي هذا السياق، قال رئيس حزب «الديمقراطيون 66» ألكسندر بيختولد، إن «الإمكانات كثيرة لتشكيل تحالف، لكن الأمور تتوقف على الحزب الليبرالي الذي له المبادرة، باعتباره صاحب العدد الأكبر من المقاعد بين الأحزاب». وأشار بيختولد إلى إمكانية تشكيل ائتلاف يضم حزبه مع الحزب الليبرالي، وأيضا الحزب الديمقراطي المسيحي، ومعهم يمكن إضافة اليسار الأخضر أو الاتحاد المسيحي لتحقيق الأغلبية المطلوبة في البرلمان. وهذا يعني ائتلافاً واسعاً، من دون أن يكون بالضرورة متجانساً.



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.