اليمين الهولندي المتشدد... جزْر بعد مد

ارتياح أوروبي عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات العامة

اليمين الهولندي المتشدد... جزْر بعد مد
TT

اليمين الهولندي المتشدد... جزْر بعد مد

اليمين الهولندي المتشدد... جزْر بعد مد

كان الطقس بديعا للغاية. شمس مشرقة، ونسمة ربيع حانية، وطبيعة خلابة في هولندا، في يوم التصويت لاختيار أعضاء البرلمان، وهو طقس مخالف تماما لما كان عليه في اليوم الذي سبقه... وكأن الظروف المناخية أرادت أن تلعب دورا في تشجيع المواطنين على الخروج للتصويت. وبالفعل، سجلت نسبة إقبال كبيرة وصلت إلى 80 في المائة، وهي نسبة لم تسجل في هولندا منذ سنوات طويلة.
ومن ثم، حمل إعلان النتائج أخباراً جيدة للغاية، ليس فقط للهولنديين سواءً من سكان البلاد الأصليين، أو من المهاجرين من أصول إسلامية، بل أيضاً للأوروبيين. إذ فاز الحزب الليبرالي بقيادة رئيس الحكومة مارك روتي محتلاً المرتبة الأولى، بينما حل حزب الحرية اليميني المتطرف الذي يقوده خيرت فيلدرز المناهض للإسلام في المرتبة الثانية.
يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة في هولندا بعد الانتخابات العامة التي أجريت هذا الأسبوع مفاوضات صعبة وطويلة لتشكيل ائتلاف حكومي جديد. ولقد علق كثير من المراقبين على ما شهدته معركة الانتخابات من تطورات مختلفة.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال نور الدين العمراني، الإعلامي والباحث في قضايا الأقليات في هولندا، معلقاً: «لأول مرة في تاريخ الانتخابات الهولندية، ومنذ 30 سنة، فاقت نسبة مشاركة الناخبين نسبة الـ80 في المائة. ولأول مرة في التاريخ البرلماني شارك الشباب الهولندي بكثافة في عملية التصويت لاختيار نواب برلمانيين للظفر بالكرسي الأزرق بالبرلمان. وبالتالي، اختيار ممثلي الحكومة المقبلة». وتوقع العمراني أن تتقدم الأحزاب الفائزة إلى مشاورات أو مفاوضات «ماراثونية» لتشكيل حكومة ائتلافية سيكون مكوّنها الأكبر الحزب الليبرالي برئاسة روتي، المرشح الآن لفترة رئاسية ثالثة.
أمام التهويل السياسي والإعلامي المراهن على فوز المتطرف فيلدرز، الذي تقدم للانتخابات بورقة شعبوية كبرنامج انتخابي، اندفع الهولنديون إلى إعطاء أصواتهم لليبراليين في تصويت ضد الكراهية والتحريض. مع العلم بأن ورقة فيلدرز التحريضية كرّرت التعبير عن مواقفه الداعية إلى منع تداول القرآن الكريم، وإغلاق الحدود بوجه المهاجرين واللاجئين، والتصدي لما يسميه «أسلمة المجتمع الهولندي».
لقد قال الشعب كلمته، وتلقى الزعيم المتطرف صفعات متتالية ليلة إعلان النتائج. ولكن، في المقابل، كانت هذه الانتخابات قاسية جداً على حزب العمل (يسار الوسط) الذي فقد مقاعد كثيرة ودفع ثمناً سياسياً باهظاً نتيجة دعمه للإصلاحات السياسية والاقتصادية لليبراليين. أما حزب اليسار الأخضر الذي يقوده جيسه كلافر - ذو الأصول المغربية - فقد استطاع أن يعيد للحزب مكانته الطبيعية كمكوّن يساري يدافع عن المحرومين من هولنديين ومهاجرين على حد سواء. وحصل حزب «دينك» Denk ذو المرجعية الإسلامية والأصول المغربية والتركية على ثلاثة مقاعد، مستفيداً من دعم الناخبين من المهاجرين وبالذات المسلمين، وعلى رأسهم أولئك الذين غضبوا من حزب العمل، الذي كان أحد الأحزاب التي كانت تشكل التحالف الحكومي لسنوات عدة.
بيت فان در ليندن، رئيس «منتدى هولندا للجميع»، قال في مكالمة هاتفية ردا على سؤال يتعلق بقراءة النتائج: «إن الانتخابات كانت صعبة وعصيبة، وعلى الرغم من أننا لا نتفق وسياسة الحزب الليبرالي، فإننا نشكر الشعب الهولندي على اختياره أهون الشرين (السيئ لا الأسوأ). لقد قطع الشعب الهولندي الطريق على الشعبويين، وهذه إشارة واضحة للدول الأوروبية المقبلة على الانتخابات كألمانيا وفرنسا. إن على هذه الدول أن تأخذ الدرس من التجربة الهولندية».
من ناحية ثانية، وفق النتائج التي أوردتها وكالة الأنباء الهولندية، للمعركة الانتخابية البرلمانية، حصل الحزب الليبرالي بقيادة رئيس الوزراء روتي على 33 مقعدا، في حين حصل حزب العمل (يسار الوسط) الحليف والشريك في الائتلاف الحكومي على 9 مقاعد فقط، خاسراً ما لا يقل عن 29 مقعداً.
وفي تعليق على هذه الهزيمة المزلزلة، قال زعيم حزب العمل لودفيك آشر، إن ما حدث لحزبه «مأساة». وكان واضحاً حسب المحللين، أن الحزب فقد ولاء كثيرين من ناخبيه الطبيعيين، ولا سيما من المهاجرين، وبخاصة المغاربة الذين تذمروا من سياسة الحزب المحابية لليمين والمتعلقة بالمس بتعويضات الأرامل وتعويضات الأطفال في المغرب. ويشير المحللون إلى أن هذا الحزب عرف تاريخيا بوقوفه مع مصالح العمال، هولنديين وأجانب، بيد أنه في السنوات الأخيرة فقد هويته الاجتماعية الديمقراطية بعد انسحاب رموز تاريخية من قياداته، وتنكر القيادة الحالية لتاريخ الحزب ونضاله.
أما حزب الحرية بقيادة المتطرف فيلدرز، الذي كان يطمح لاحتلال الصدارة، فإنه حصل على 20 مقعداً فقط بزيادة 5 مقاعد فقط عما كان لديه في البرلمان السابق. وكان واضحاً أنه على الرغم من التهويل الإعلامي والسياسي لماكينة الحزب الدعائية، فإنه أخفق في كسب ثقة الناخبين. وعلقت الممثلة الهولندية المشهورة كارين بلومن على هزيمة فيلدرز وحزبه بالقول: «تقدم إلى الانتخابات بورقة انتخابية واحدة. إنه يستبلد الشعب الهولندي، وعلينا ألا نعيره أي اهتمام».
وبعكس متطرفي اليمين، عاد حزب اليسار الأخضر بقوة إلى الواجهة، ويعود جزء من الفضل إلى دور زعيمه جيسه فراس كلافر (والده مغربي) وعمره 30 سنة، ونجاحه في إقناع الشباب بممارسة حقهم الانتخابي، وهو ما لم يتحقق منذ ثلاثين سنة، حيث فاقت نسبة المشاركة 81 في المائة، وهذا رقم زرع الثقة في السياسة الهولندية التي كان ينظر إليها على أنها ستقع فريسة الشعبويين اليمينيين. ولقد حصل اليسار الأخضر على 14 مقعداً بزيادة 10 مقاعد عما كان لديه في البرلمان السابق.
أما المفاجأة الكبرى فهي حصول حزب «دينك» Denk – وتعني الكلمة «فكّر» باللغة الهولندية و«مساواة» باللغة التركية – الذي يدعمه المهاجرون الأتراك والمغاربة بثلاثة مقاعد لأول مرة في تاريخه. وذهب أحد المقاعد الثلاثة للمغربي فريد أزرقان. ووفق المحللين استطاع هذا الحزب، مثل حزب اليسار الأخضر، استمالة الناخبين الغاضبين الذين كانوا في السابق يصوتون لحزب العمل.
ويرى بعض المحللين أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وطالب فيه مواطنيه والمهاجرين المسلمين في هولندا بألا يصوتوا للحزب الحاكم أو للعنصريين المتطرفين، ساعد هذا الحزب الصغير على وضع اسمه على الخريطة السياسية.
وعلى صعيد آخر، توزّعت المقاعد الأخرى أحزاب تقليدية كالحزب الديمقراطي المسيحي (19)، وحزب الديمقراطيون «د 66» (19)، والحزب الاشتراكي (14)، وحزب الاتحاد المسيحي (5). أما الأحزاب الصغيرة فقد حصلت على ما يتراوح بين مقعد و4 مقاعد، كحزب الحيوانات، والشيوخ، ومنتدى الديمقراطيين. وثمة أحزاب أخرى يمينية ودينية كحزب «يحيا عيسى» لم تحصل على أي مقعد.
حضر لتغطية الانتخابات التشريعية 300 صحافي ومراسل وممثل لوكالات من كل القارات الخمس. وكان الإعلام المغربي هو الغالب الأكبر رغم وجود نحو 400 ألف مغربي عانوا الأمرين من التصريحات العنصرية التي كان وراءها المتطرف فيلدرز.
ولقد شارك أبناء الجالية المسلمة في هولندا في التصويت والترشح في القوائم الحزبية. أما عن كيفية التصويت ونوازعه فهناك معايير للاختيار من وجهة نظر البعض من المراقبين. ويقول نور الدين العمراني: «إن العاطفة تلعب دورا كبيرا في اختيارات الناخب المهاجر المتحدر من أصول إسلامية وعربية، وهو يعتمد على العامل الديني أو الثقافي في تحديد الاختيارات، في حين يصوت المواطن الهولندي العادي انطلاقا من التأثير السياسي والإعلامي».
من جهة أخرى، ليس خافياً أن البعض نظر إلى هذه الانتخابات على أنها اختبار للمشاعر المناهضة لمؤسسة الحكم وللهجرة، وجاءت وسط خلاف حاد مع تركيا، وشكوك حول مستقبل الاتحاد الأوروبي.
وأمام لجنة للتصويت في بلدية سلوتن مير، غرب العاصمة أمستردام، رصدت «الشرق الأوسط» آراء الناخبين بعد الإدلاء بأصواتهم. وكما قال العمراني، الناخبون المسلمون ركزوا على اختيار الأشخاص من العرب والمسلمين في قوائم الأحزاب، بينما اعتمد الناخبون الهولنديون الآخرون في اختياراتهم على برامج الأحزاب.
ناخب تركي في العقد الثالث من عمره، كان برفقته طفله الصغير (دون 3 سنوات) قال لنا: «جئت اليوم لأمارس دوري في التصويت بالانتخابات، واقترعت لمرشحة تركية». وقال رجل في الخمسين من عمره متحدر من أصل مغاربي: «صوتت لحزب العمل؛ لأنه يضم أشخاصا من أصول عربية وإسلامية ويعملون لمصلحة المسلمين في هولندا». وقال ناخب ثالث، وهو هولندي ستيني ليس من أصول عربية أو مسلمة، عندما سألناه: «الطقس جميل وساعد ذلك على إقبال أعداد كبيرة... وأنا أعطيت صوتي للحزب الاشتراكي لاقتناعي بأن برنامج الحزب يلبي طموحاتي». وأردف: «أتمنى ألا ينجح فيلدرز المتشدد». بينما قال رجل عربي يتحدث الهولندية: «أعتقد أن هناك تبايناً في المواقف. هناك بعض المساجد دعت إلى التصويت لحزب (دينك) الإسلامي لمواجه خطط اليميني فيلدرز».

ماذا يقول المرشحون؟
وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قالت مرشحة من حزب «دينك»، عايشة غول كليتش: «حزبنا أسس قبل سنتين، ولدينا الآن ممثلون في البرلمان. ونحن ندعو إلى مجتمع مشترك يسمح لكل شخص بأن يحتفظ بهويته، ونرفض أن يكون هناك مقياسان. إننا ننادي بعكس ما ينادي به فيلدرز. وأرجو من المواطنين عدم التأثر بالاستطلاعات، واختيار المرشح حسب البرنامج الذي يطرحه».
ومن جهة أخرى حاولت «الشرق الأوسط» التعرف على تأثيرات الأزمة بين تركيا وهولندا على تصويت الناخبين، فقال لنا لوك ورينغا، رئيس «المركز الاجتماعي لملتقى العقائد» في أمستردام: «أي من الأحزاب الهولندية لم تشأ التورط في هذا الخلاف الذي وقع قبل أيام قليلة مع تركيا. وأنا كهولندي أرى أن (الرئيس التركي) إردوغان أراد عرض عضلاته بإرسال وزيرة شؤون الأسرة إلى هولندا، بعد رفض هبوط طائرة وزير الخارجية التركي في وقت سابق».

الارتياح الأوروبي
أما بالنسبة للمواقف الأوروبية، فأشارت التقارير الإعلامية الأوروبية في بروكسل، إلى أن معظم الأوروبيين تنفسوا الصعداء عقب الإعلان عن فوز روتي في الانتخابات الهولندية، لا سيما أنه كانت هناك مخاوف جدية لدى البعض من تحقيق فيلدرز مفاجأة على غرار تصويت «بريكست» في بريطانيا. وبالفعل، تلقى روتي التهاني من كثير من القيادات والعواصم الأوروبية. في حين قال روتي مساء الأربعاء، عقب انتهاء التصويت وإعلان النتائج: «في هذا المساء أيضا قالت هولندا، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الأميركية: لا للنوع الخاطئ من الخطاب الشعبوي». ومن ثم، تلقى رسائل تهنئة من بعض الزعماء الأوروبيين وتحدث إلى بعضهم هاتفياً، بينما حقق «اليورو» مكاسب بعدما أشارت النتائج إلى انتصار روتي الواضح وهزيمة فيلدرز.
وكان في طليعة المرحبين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، كما كتب وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت في تغريدة له: «أهنئ الهولنديين على وقف صعود اليمين المتطرف». وفي ألمانيا، كتب بيتر ألتماير، رئيس مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في تغريدة على موقع «تويتر»: «هولندا... يا هولندا أنت بطلة! أهنئك على هذه النتيجة العظيمة».
هذا، ويمكن القول إن هذه الانتخابات شكلت اختباراً مهماً حول ما إذا كان الهولنديون يريدون إنهاء عقود من الليبرالية واختيار مسار قومي مناهض للمهاجرين. وكانت النتائج الإيجابية لدعاة الانفتاح مبعث ارتياح لأحزاب التيارات السياسية الرئيسية في أوروبا، خاصة في فرنسا وألمانيا، حيث يأمل اليمينيون القوميون في تحقيق مكاسب كبيرة في انتخابات البلدين هذا العام، وهو ما يمكن أن يمثل تهديدا لوجود الاتحاد.
وحسب الاستطلاعات، من المتوقع أن تصل مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان للجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية في مايو (أيار) المقبل، بينما يرجح أن يحصل حزب «البديل من أجل ألمانيا» المناهض للمهاجرين والاتحاد الأوروبي على مقاعد في البرلمان الألماني للمرة الأولى خلال الانتخابات التي تجري في سبتمبر (أيلول) المقبل.
إلا أن الخبيرة بالشؤون الأوروبية، الباحثة لويز هون، في جامعة «بروكسل الحرة» ببلجيكا، قالت: «نحن نعتقد فعليا أن استخلاص العبر من الانتخابات الهولندية يفيد بأن الهولنديين يرفضون التطرف. غير أن هذه النتائج لا تعكس كل أوضاع المتطرفين في أوروبا، نسبة لما ذكرناه من دقة النسبية في القانون الانتخابي الهولندي. ولو كان الاقتراع منحصراً بين مارك روتي وخيرت فيلدرز فقط لربما كانت النتائج مغايرة تماماً. نعتقد أيضا أن الانتخابات الهولندية برهنت على أن أسئلة جديدة باتت في صلب الحملات الانتخابية، من بينها الهجرة واللجوء... وهذه الأسئلة طرحتها كل الأحزاب، التقدمية منها وغير التقدمية». وتابعت: «الخضر أيضا في هولندا أحرزوا تقدما كبيرا، بينما ضعف حزب العمل الذي لم يتناول إلا شؤونا قديمة التداول، ولاحظنا شبه غياب للأسئلة المتعلقة بالشأن الاقتصادي لهولندا. هذا يعني بالإجمال أن الموضوعات مركزة حول الهجرة واللجوء وأزمة اللاجئين. هذا يعني أن الأحزاب الشعبوية المتطرفة مثل حزب مارين لوبان وحزب البديل في ألمانيا، سيستخدمون بقوة هذه الموضوعات في حملاتهم الانتخابية».

وماذا الآن؟
أخيراً، لم يطل الوقت بعد إعلان النتائج في هولندا، حتى تحركت التخمينات بشأن شكل الائتلاف الحكومي الجديد. ذلك أنه عقب إعلان النتائج، قال رئيس الوزراء الفائز مارك روتي، إن عملية التفاوض حول تشكيل حكومي جديد ستكون صعبة، وربما تستغرق فترة طويلة، لكنه أبدى استعداداً للتحالف مع الديمقراطيين. أما فيلدرز فقال في تغريدة على «تويتر»، إن حزبه كان يحتل المرتبة الثالثة، واليوم يحتل المرتبة الثانية، وفي الانتخابات القادمة سيصل للمرتبة الأولى. وأضاف أنه كان يتوقع أن يحصل على 30 مقعداً، ولكنه يعتبر نفسه فائزاً لزيادة عدد مقاعد الحزب.
البعض تحدث عن إمكانية تشكيل ائتلاف من الديمقراطيين مع الحزب الليبرالي، ولكن مع دعم من حزب آخر، ربما يكون اليسار الأخضر أو الاتحاد المسيحي. وفي هذا السياق، قال رئيس حزب «الديمقراطيون 66» ألكسندر بيختولد، إن «الإمكانات كثيرة لتشكيل تحالف، لكن الأمور تتوقف على الحزب الليبرالي الذي له المبادرة، باعتباره صاحب العدد الأكبر من المقاعد بين الأحزاب». وأشار بيختولد إلى إمكانية تشكيل ائتلاف يضم حزبه مع الحزب الليبرالي، وأيضا الحزب الديمقراطي المسيحي، ومعهم يمكن إضافة اليسار الأخضر أو الاتحاد المسيحي لتحقيق الأغلبية المطلوبة في البرلمان. وهذا يعني ائتلافاً واسعاً، من دون أن يكون بالضرورة متجانساً.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».