«نبوءة النعيمي» تتحقق بعد عامين... و«أوبك» تتحمل العبء وحدها

التزام المنظمة يزداد... والدول من خارجها تتراجع

منشأة للغاز قريبة من حقل خورياس النفطي بالقرب من العاصمة السعودية الرياض (رويترز)
منشأة للغاز قريبة من حقل خورياس النفطي بالقرب من العاصمة السعودية الرياض (رويترز)
TT

«نبوءة النعيمي» تتحقق بعد عامين... و«أوبك» تتحمل العبء وحدها

منشأة للغاز قريبة من حقل خورياس النفطي بالقرب من العاصمة السعودية الرياض (رويترز)
منشأة للغاز قريبة من حقل خورياس النفطي بالقرب من العاصمة السعودية الرياض (رويترز)

ظل وزير البترول السعودي السابق، علي النعيمي، الذي أمضى سبعين عاما تقريباً في صناعة البترول، يدافع كثيراً عن موقف أوبك في أيامه الأخيرة، قائلاً إن على أوبك التمسك بحصتها السوقية، نظراً لأن باقي المنتجين سيضعون الحمل كله على عاتقها لإعادة التوازن إلى السوق... فهل كان النعيمي مخطئاً عندما كان يشكك كثيراً في قدرة المنتجين خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على الالتزام بتخفيض إنتاجهم مع بلدان المنظمة؟ حتى الآن لا تزال جميع الأرقام تؤيد ما قاله النعيمي قبل عامين، فبحسب بيانات المصادر الثانوية الستة المعتمدة من قبل أوبك التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، فإن التزام دول أوبك بتخفيض الإنتاج ارتفع من 91 في المائة في يناير (كانون الثاني)، إلى 100 في المائة في فبراير (شباط)، بفضل الزيادة الكبيرة في التزام السعودية التي خفضت إنتاجها بنحو 135 في المائة من الكمية التي تعهدت بها.
أما الدول خارج أوبك (التي لا توجد جهة تستطيع مراقبة إنتاجها بشكل كاف) فإن التزامها بالمستويات التي تعهدت بها في الاتفاق مع أوبك، انخفض بصورة واضحة من 40 في المائة في يناير إلى 34 في المائة في فبراير، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية التي صدرت بالأمس. وتخفض أوبك إنتاجها بنحو 1.2 مليون برميل يوميا اعتبارا من الأول من يناير، وهو أول خفض في ثماني سنوات. ووافقت روسيا وعمان وكازاخستان والمكسيك وأذربيجان وخمس دول أخرى في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على خفض إنتاجها بما يصل إلى نصف تلك الكمية. وأظهرت بيانات وكالة الطاقة الدولية أن الدول الإحدى عشرة خارج أوبك التي تعهدت بتخفيض إنتاجها بنحو 558 ألف برميل يومياً لم تخفض إنتاجها سوى بنحو 192 ألف برميل يومياً في فبراير. وخفضت عمان إنتاجها بأكثر من المطلوب منها في فبراير، حيث بلغت نسبة خفضها 105 في المائة من الكمية التي تعهدت بها، والبالغة 45 ألف برميل يومياً، فيما لم يتجاوز تخفيض روسيا لإنتاجها في فبراير سوى 40 في المائة من الكمية التي تعهدت بتخفيضها والتي تبلغ 300 ألف برميل يومياً.
أما كازاخستان فقد زاد إنتاجها بواقع 78 ألف برميل يومياً في فبراير ليصل إلى 1.8 مليون برميل يومياً، رغم أنها تعهدت بتخفيضه بنحو 20 ألف برميل يومياً، ليستقر عند مستوى 1.72 مليون برميل يومياً. وقالت وكالة الطاقة الدولية، إن التزام أوبك باتفاق خفض الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يوميا في النصف الأول من هذا العام بلغ 91 في المائة في فبراير، وإذا واصلت المنظمة تقييد الإمدادات حتى يونيو (حزيران)، فإن السوق قد تشهد عجزا قدره 500 ألف برميل يوميا.
وقالت الوكالة: «إذا جرى الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية حتى يونيو حين تنتهي مدة الاتفاق، فسيحدث عجز ضمني في السوق قدره 500 ألف برميل يوميا في النصف الأول من 2017، وذلك طبعا بافتراض عدم حدوث أي تغيرات في العرض والطلب في مكان آخر». وأضافت: «لأولئك الذين يتطلعون إلى استعادة سوق النفط توازنها، فإن الرسالة هي أنهم يجب أن يتحلوا بالصبر ويلتزموا بالهدوء». ويقول المحلل النفطي، عبد الصمد العوضي، الذي كان يشغل سابقاً منصب الممثل الوطني لدولة الكويت في أوبك بين أعوام 1980 و2001: «ما زلت عند رأيي منذ العام الماضي عندما بدأت المفاوضات مع الدول خارج أوبك، أن هذه الدول لن تساهم كثيرا في التخفيض، وستترك أوبك لتتحمل العبء كافة بمفردها».
ويضيف العوضي: «لقد ظلت مسؤولية توازن السوق طيلة السنوات الماضية مسؤولية أوبك، أما باقي المنتجين خارجها فبمجرد ما يلاحظون تحسناً في الأسعار؛ فإنهم يرفعون إنتاجهم للاستفادة تاركين العبء لأوبك».

السعودية تتحمل العبء الأكبر

وداخل أوبك، تحملت السعودية العبء الأكبر من تخفيضات الإنتاج مما عوض ضعف التزام دول أخرى. وفي فبراير زاد إنتاج النفط السعودي 180 ألف برميل يوميا على أساس شهري، لكن في ظل إنتاج قدره 9.98 مليون برميل يوميا، فإن إنتاج المملكة يظل دون المستوى المستهدف عند 10.06 مليون برميل يوميا، وفقا لبيانات تتبع ناقلات النفط. وتقول وكالة الطاقة الدولية إن السعودية تركز تخفيضاتها على أميركا الشمالية. وقالت الوكالة، في تقريرها أمس الأربعاء: «عند مستوى 32.3 مليون برميل يوميا، فإن الطلب على نفط أوبك خلال النصف الأول من 2017 يزيد على متوسط الإنتاج البالغ 31.9 مليون برميل يوميا حتى الآن هذا العام، مما قد يؤدي إلى السحب من المخزونات العالمية»، مضيفة أنه من غير الواضح ما إذا كانت المنظمة ستمدد اتفاق خفض الإنتاج. وقالت الوكالة: «بعيدا عن التوتر بشأن المعروض والمخاوف إزاء زيادة الإنتاج اليوم من بعض المنتجين من خارج أوبك، فإن تنفيذ اتفاق أوبك لخفض الإنتاج يظهر أنه حافظ في فبراير على البداية القوية المسجلة في يناير». وخارج أوبك، ارتفع إنتاج النفط 90 ألف برميل يوميا في فبراير، حيث عوض إنتاج النفط الأميركي المتزايد الانخفاضات في أماكن أخرى.
وقالت الوكالة إن إجمالي الإنتاج من خارج أوبك انخفض بالمقارنة مع العام الماضي 285 ألف برميل يوميا. وجاء نصف الانخفاض تقريبا من الولايات المتحدة. وقالت وكالة الطاقة الدولية: «مسار تعافي النفط الصخري الأميركي مهم في استعادة سوق النفط توازنها خلال 2017، وكذلك التزام الدول الإحدى عشرة الأعضاء في أوبك التي اتفقت على خفض الإنتاج». وأبقت وكالة الطاقة الدولية على تقديراتها لنمو الطلب العالمي البالغة 1.4 مليون برميل في 2017 دون تغيير عما جاء في أحدث تقاريرها.

مخزونات النفط عالية

وقالت الوكالة إن مخزونات النفط العالمية زادت في يناير للمرة الأولى في ستة أشهر جراء ارتفاع الإنتاج العام الماضي، لكن إذا أبقت أوبك على تخفيضات الإنتاج فإن الطلب سيتجاوز العرض في النصف الأول من هذا العام. وبعث التقرير الشهري لوكالة الطاقة الدولية رسالة أكثر تفاؤلا عن تلك الصادرة من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) يوم أول من أمس (الثلاثاء). وسلطت أوبك الضوء على زيادة مستويات المخزون، لكنها رفعت في الوقت نفسه توقعاتها للإنتاج من خارج المنظمة، وتوقعت عدم حدوث توازن بين العرض والطلب حتى النصف الثاني من هذا العام. وقالت وكالة الطاقة الدولية، إن مخزونات النفط في أغنى دول العالم زادت في يناير للمرة الأولى منذ يوليو (تموز) بواقع 48 مليون برميل إلى 3.03 مليار برميل. وقالت الوكالة: «الزيادة الفعلية في مخزونات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في يناير تذكرنا بأن المخزونات العالمية قد تستغرق بعض الوقت حتى تبدأ في الانخفاض».
والزيادة نتاج نمو «مطرد» في الإمدادات في المراحل الأخيرة من العام الماضي، خصوصا من دول أوبك التي ضخت النفط بمستويات قياسية، وكذلك من منتجي النفط الصخري الأميركي، حيث بدأت أنشطة الحفر في الارتفاع قبل عشرة أشهر.
وقبل اتفاق أوبك وبعض منافسيها، بما في ذلك روسيا والمكسيك وكازاخستان في نوفمبر (تشرين الثاني) على الحد من الإنتاج، كانت الوكالة قد حذرت في تقريرها الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) من أن السوق معرضة لدخول ثالث عام على التوالي من وفرة المعروض في غياب أي إجراء من المنظمة.



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.