القروض المصرفية «ثقب أسود» يمتص موارد المجتمع الروسي

النمط الاستهلاكي وصل بحجم الإنفاق عليها لما يعادل 2 % من الناتج المحلي

القروض المصرفية «ثقب أسود» يمتص موارد المجتمع الروسي
TT

القروض المصرفية «ثقب أسود» يمتص موارد المجتمع الروسي

القروض المصرفية «ثقب أسود» يمتص موارد المجتمع الروسي

كشف تقرير صادر عن البنك المركزي الروسي أن حجم إنفاق المواطنين الروس عام 2016 على استخدام القروض بلغ 1.8 تريليون روبل روسي (30 مليار دولار أميركي تقريبا)، أي ما يعادل اثنين في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، أو ثلثي العجز في الميزانية، وهو مبلغ أكبر بمرتين من برنامج الإقراض الحكومي والنفقات على الخدمات والمرافق.
وتظهر هذه الأرقام أن المجتمع الروسي تحول إلى مجتمع استهلاكي بامتياز، ودفع المواطنون الروس ذات القيمة (1.8 تريليون روبل) فوائد عن القروض عام 2015، وذلك على الرغم من أن السياسة الائتمانية الروسية كانت حينها أكثر تشدداً، إذ رفع المركزي الروسي نهاية عام 2014 سعر الفائدة الأساسي حتى 17 في المائة، ما أدى إلى ارتفاع سعر القروض في البلاد بشكل عام.
ويتوقع الخبراء أن يرتفع إنفاق المواطنين الروس على القروض خلال العام الجاري، نظرا لتخفيض البنك المركزي سعر الفائدة الأساسي حتى 11 في المائة، الأمر الذي أدى إلى تراجع سعر الفائدة على القروض بمختلف أنواعها، وعلى سبيل المثال كان سعر فائدة القروض للأفراد عام 2015 عند مستوى 30 في المائة، للقروض من عام حتى ثلاث سنوات، ومع نهاية العام الماضي انخفض سعر الفائدة حتى 18 في المائة.
وتُظهر تلك الأرقام أن روسيا تحولت إلى بلد استهلاكية بامتياز، ما يعني وفق ما يراه مراقبون أن الولايات المتحدة حققت حلمها بتصدير النمط الغربي وجعلت من روسيا بلدا استهلاكية مسرفة، بينما يقول آخرون إن هذا التحول كان نتيجة طبيعية لانتقال الاقتصاد الروسي في التسعينات من المنظومة الاشتراكية، إلى منظومة السوق، وانفتاحه على أسواق المال العالمية.
وأيا كانت أسباب ذلك التحول فقد أصبح اليوم واقعاً، إذ تشير دراسات اقتصادية إلى زيادة أعداد المواطنين الروس الذين يضطرون إلى إنفاق 30 في المائة من إجمالي دخلهم لتسديد قيمة القروض والفوائد المترتبة عليها. وحسب معطيات وزارة المالية الروسية فإن 35.7 في المائة من العائلات تبقى أسيرة قروض لم تنته بعد من تسديدها، وتضطر تلك العائلات إلى تخصيص 25.5 في المائة من دخلها الشهري للإنفاق على القروض.
إلا أن دراسات مستقلة تؤكد أن الأرقام أعلى مما ذكرته وزارة المالية. وحسب تقرير عن الوكالة المتحدة للقروض، فإن العائلات الروسية كانت تنفق عام 2015 نحو 37 في المائة من دخلها الشهري في الإنفاق على القروض.
وأخذ المواطنون الروس يعتمدون بصورة متزايدة خلال السنوات الأخيرة على القروض المصرفية في حياتهم، وفي مقدمتها القروض العقارية التي أصبحت بالنسبة لكثيرين وسيلة وحيدة لتأمين مسكن لائق، حيث استخدم المواطنون الروس عام 2016 قروضا عقارية تزيد قيمتها على 1.5 تريليون روبل بسعر فائدة يتراوح بين 11.8 في المائة وحتى 18.9 في المائة. أما القروض الاستهلاكية فيتراوح سعر الفائدة عليها ضمن حدود 21.9 في المائة وحتى 37.99 في المائة. وهناك بالطبع القروض لشراء السيارات وفائدتها من 18 إلى 24 في المائة.
هذه القروض التي أصبحت ركيزة أساسية تعتمد عليها الأسرة الروسية في شتى المجالات، تحولت في الوقت ذاته إلى مصدر عبء يثقل كاهل المواطن الروسي، وغالبا ما تضطر العائلات الروسية إلى تخصيص الدخل الشهري لأحد الزوجين لتسديد أقساط القروض مع الفائدة.
ويقول دانييل تكاتش، نائب مدير مؤسسة المخاطر والإدارة التابعة لمصرف «سفياز بنك»، إن العملاء الذين يستفيدون من أكثر من ثلاثة قروض في الوقت ذاته لم يعودوا ظاهرة فريدة، بينما تتراجع نسبة المواطنين الذين لم يستفيدوا يوما من القروض المصرفية.
وفي تعليقهم على الاعتماد المتزايد في المجتمع على القروض المصرفية، يحذر المحللون الاقتصاديون في أكاديمية الإنتاج الوطني والخدمة الحكومية من أن مديونية المواطنين التي تتراكم أمام المصارف الروسية تتحول إلى «ثقب أسود» يمتص الموارد ويعرقل حركة الاقتصاد، ويشيرون بهذا الخصوص إلى أن الدخل السنوي لكل المواطنين الروسيين يصل تقريبا إلى 50 تريليون روبل، و«تلتهم» المدفوعات الإجبارية للبنوك 9.2 في المائة منه.
وفي ظل تراجع دخل المواطنين بنسبة 12.7 في المائة خلال العام الماضي، وتراجع الاستهلاك نحو 15 في المائة، تتحول البنوك الروسية من أداة لتمويل النمو الاقتصادي وتحفيز الاستهلاك، إلى أداة تمتص الموارد من الاقتصاد، فتعرقل نموه. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن حجم ديون المواطنين المتراكمة أمام البنوك بلغ نحو 10.7 تريليون روبل بحلول شهر فبراير (شباط) عام2017، بينما بلغ حجم المدفوعات الإجبارية السنوي عن تلك القروض نحو 4.6 تريليون روبل، 1.8 تريليون منها لتغطية الفائدة.



تحسن نشاط الأعمال في منطقة اليورو

منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
TT

تحسن نشاط الأعمال في منطقة اليورو

منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)

شهد نشاط الأعمال في منطقة اليورو تحسناً ملحوظاً هذا الشهر، فقد عاد قطاع الخدمات المهيمن إلى النمو، مما ساهم في تعويض الانكماش المستمر في قطاع التصنيع.

وارتفع «مؤشر مديري المشتريات المركب الأولي» لمنطقة اليورو، الذي تُعِدّه «ستاندرد آند بورز غلوبال»، إلى 49.5 في ديسمبر (كانون الأول) الحالي من 48.3 في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رغم أنه بقي دون مستوى الـ50 الذي يفصل بين النمو والانكماش. وكان استطلاع أجرته «رويترز» قد توقع انخفاضاً إلى 48.2.

وقال سايروس دي لا روبيا، كبير خبراء الاقتصاد في بنك «هامبورغ التجاري»: «نهاية العام جاءت أكثر تفاؤلاً مما كان متوقعاً بشكل عام. عاد نشاط قطاع الخدمات إلى منطقة النمو، مع تسارع ملحوظ في التوسع، مشابه للتوسع الذي شهدناه في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين».

وارتفع مؤشر قطاع الخدمات إلى 51.4 من 49.5، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى استقرار الوضع عند مستويات نوفمبر الماضي. ومع ذلك، فقد أظهرت البيانات أن الشركات لا تتوقع تحسناً سريعاً في النشاط؛ إذ حافظت على استقرار أعداد الموظفين بشكل عام، فقد تراجع مؤشر التوظيف في قطاع الخدمات إلى 50.1 من 51.0.

في المقابل، استقر مؤشر مديري المشتريات في قطاع التصنيع، الذي ظل دون 50 منذ منتصف عام 2022، عند 45.2 في نوفمبر، وهو أقل بقليل من توقعات الاستطلاع البالغة 45.3. كما تراجع مؤشر الناتج، الذي يغذي «مؤشر مديري المشتريات المركب»، إلى 44.5 من 45.1.

وأضاف دي لا روبيا: «لا يزال الوضع في قطاع التصنيع متدهوراً، فقد انخفض الناتج بوتيرة أسرع في ديسمبر الحالي مقارنة بأي وقت سابق من هذا العام، كما تراجعت الطلبات الواردة أيضاً».

وفي إشارة إلى استمرار تدهور الوضع، تواصل تراجع الطلب على السلع المصنعة في منطقة اليورو، فقد انخفض مؤشر الطلبات الجديدة إلى 43.0 من 43.4.

ومع ذلك، أظهرت البيانات تحسناً في التفاؤل العام، حيث ارتفع «مؤشر التوقعات المستقبلية المركب» إلى أعلى مستوى له في 4 أشهر، مسجلاً 57.8 مقارنة بـ56.1 في الشهر السابق.

وفي فرنسا، انكمش قطاع الخدمات بشكل أكبر في ديسمبر، رغم تباطؤ وتيرة الانكماش، وفقاً لمسح تجاري أجرته «ستاندرد آند بورز غلوبال». وارتفع «مؤشر نشاط الأعمال لقطاع الخدمات» التابع لمؤسسة «إتش سي أو بي» إلى 48.2 في ديسمبر من 46.9 في نوفمبر الذي سبقه، متجاوزاً بذلك توقعات المحللين التي كانت تشير إلى 46.7.

كما شهد القطاع الخاص الفرنسي الأوسع تحسناً طفيفاً، حيث ارتفع «مؤشر الناتج المركب لقطاع إدارة المشتريات» إلى 46.7 من 45.9، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى 45.9. ومع ذلك، تراجع نشاط التصنيع إلى أدنى مستوى له في 55 شهراً عند 39.6 مقارنة بـ41.1 في الشهر السابق.

وفي هذا السياق، قال طارق كمال شودري، الخبير الاقتصادي في بنك «هامبورغ التجاري»: «يظل قطاع الخدمات في حالة من الغموض، وباستثناء مدة قصيرة خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس، فقد واجه مقدمو الخدمات صعوبة في تحقيق زخم للنمو».

وأشار المشاركون في الاستطلاع إلى أن عدم الاستقرار السياسي، وضعف ظروف الطلب، كانا من أبرز التحديات التي ساهمت في انخفاض حاد بالتوظيف. وبيّن الاستطلاع أنه رغم التحسن الطفيف في ثقة الأعمال، فإن التوقعات لا تزال ضعيفة في ظل استمرار حالة عدم اليقين السياسي.

أما في ألمانيا، فقد تراجع التباطؤ الاقتصادي بشكل طفيف في ديسمبر، لكن نشاط الأعمال ظل في حالة انكماش للشهر السادس على التوالي. وارتفع «مؤشر مديري المشتريات الألماني المركب»، الذي أعدته «ستاندرد آند بورز غلوبال»، إلى 47.8 من 47.2 في نوفمبر، رغم أنه ظل في منطقة الانكماش. وكان المحللون الذين استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا قراءة تبلغ 47.8.

كما ارتفع مؤشر نشاط الأعمال لقطاع الخدمات في ألمانيا إلى 51 خلال ديسمبر من 49.3 في نوفمبر، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى 49.4. وفي هذا السياق، قال دي لا روبيا: «يمثل هذا التحسن في قطاع الخدمات توازناً جيداً مع تراجع الناتج الصناعي السريع، مما يبعث بعض الأمل في أن الناتج المحلي الإجمالي قد لا يكون قد انكمش في الربع الأخير من العام».

وكانت ألمانيا قد تفادت الركود الفني في الربع الثالث، لكن الحكومة تتوقع انكماش الناتج بنسبة 0.2 في المائة عام 2024 عموماً، مما يجعلها متخلفة عن بقية الاقتصادات العالمية الكبرى. وعانى الاقتصاد الألماني من تأثيرات ازدياد المنافسة من الخارج وضعف الطلب وتباطؤ الصناعة. بالإضافة إلى ذلك، أدى الخلاف حول الموازنة إلى إسقاط الائتلاف الثلاثي في البلاد، مما ترك أكبر اقتصاد في أوروبا في حالة من الغموض السياسي حتى الانتخابات المبكرة في فبراير (شباط) المقبل.

وقال دي لا روبيا: «لم يقدم قطاع التصنيع أي مفاجآت إيجابية في العطلات. هذا ليس مفاجئاً بالنظر إلى الأخبار السلبية المستمرة حول الشركات التي تخطط لإعادة الهيكلة».

كما تدهور مؤشر التصنيع قليلاً، حيث انخفض إلى 42.5 من 43 في الشهر السابق، وظل بعيداً عن مستوى النمو. وكان المحللون يتوقعون زيادة طفيفة إلى 43.3.