تنطلق اليوم الجلسات التشريعية للبرلمان اللبناني، لإقرار مجموعة من القوانين، أبرزها سلسلة الرتب والرواتب التي تلحظ تحسين الوضع المالي لموظفي القطاع العام وزيادة رواتبهم، بدءاً من ضباط ورتباء وعناصر الجيش اللبناني والمؤسسات اﻷمنية، إلى معلمي المدارس الحكومية وكل موظفي الوزارات والإدارات الرسمية، لكن هذه السلسلة التي بقيت مطلب الجميع منذ عام 2011، تقابل الآن بتحركات اعتراضية من الجميع، باعتبار أن الزيادات الواردة فيها، هي أقل بكثير مما تطالب به القطاعات المذكورة، التي تداعت للتظاهر والاعتصام، وتوعدت بالبدء في إضرابات تطال بالدرجة اﻷولى القطاع التعليمي وتهدد العام الدراسي والشهادات الرسمية.
لكن كل تلك الاعتراضات في كفة، والإضراب الذي بدأه قضاة لبنان في كفة أخرى، فالسلطة القضائية التي تشكّل ثالث السلطات الدستورية بعد التشريعية والتنفيذية، دخلت اعتبارا من يوم أمس في إضراب مفتوح، حيث توقف القضاة عن مزاولة عملهم وعلّقوا جلسات التحقيق والمحاكمات والمراجعات في جميع المحاكم والدوائر القضائية اللبنانية، لينضم إليهم أيضاً قضاة المحاكم الشرعية.
وهذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ لبنان، لم تنطلق من خلفية المطالبة بزيادة الرواتب والمخصصات العائدة للقضاة، الذين لوّح بعضهم بالاستقالة والسفر إلى الخارج، إنما اعتراضا على بندٍ تضمنته السلسلة يحرم القاضي من مكتسباته الحالية، أبرزها وقف مساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاة، وسحب العائدات التي يقتطعها الصندوق من غرامات ورسوم الدعاوى القضائية، وتحديد سقف للتقديمات الطبية ومنح التعليم التي تعطى لهم ولأولادهم، وتخفيض العطلة القضائية السنوية من شهرين إلى شهر واحد، مع إلزامهم بالحفاظ على حق المناوبة لاستمرار المرفق القضائي.
وإذا كانت التحركات المفاجئة موجهة ضدّ الحكومة اللبنانية ومجلس النواب بالدرجة الأولى، لكن في السياسة لها قراءة مختلفة، فهذا التصعيد يُعدّ نقطة سلبية في الأشهر الأولى من عهد رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الذي راهن الجميع عليه لبناء دولة المواطنة والحق والقانون، وهي تتعارض مع ما تضمنه خطاب القسم لرئيس الجمهورية الذي وعد بإنجازات وإصلاحات تبدأ بمحاربة الفساد، ووقف الهدر وإعطاء الحقوق إلى أصحابها، بينما تأتي هذه الزيادة لتموّل بالضرائب من جيوب الفقراء، مبتعدة عن أي إجراء إصلاحي سواء في الكهرباء أو التهريب غير الشرعي عبر المطار والمرافئ، أو وقف الهدر في الإدارات الرسمية والأملاك البحرية، ومنع الصفقات والسمسرات.
واللافت أن الحركة الاعتراضية للقضاة، لا تعبّر عن حالات فردية، إنما هي خطوة مدروسة يشرف عليها مجلس القضاء الأعلى، رأس السلطة القضائية، ليس من منطلق الظلم اللاحق بالقضاة، بل لأن البند المعترض عليه في السلسلة، يُسيء إلى القضاء باعتباره سلطة مستقلّة، ويهدد مصير عشرات آلاف القضايا العالقة أمام المحاكم، وهي حقوق الناس، سواء اللبنانيون أو المقيمون على الأراضي اللبنانية.
رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي جان فهد، الذي لم يتوقف عن عقد اللقاءات والاجتماعات، بدءاً من القضاة ومجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة ورابطة قدامى القضاة ونقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتصالات مستمرّة مع الجهات المعنية لمعالجة الأمور، وتجنّب التصعيد». وتوقع أن «تتجه الأمور نحو الحلحلة في الساعات المقبلة؛ لأن لا أحد في الدولة يرغب في وقف العمل القضائي»، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن «التحرك الاعتراضي سيبقى قائماً إلى أن يتم التراجع عن البنود التي تنال من القضاة وحقوقهم».
إلى ذلك، شدد مصدر قضائي رفض ذكر اسمه، أن «التعامل مع القضاة بمنطق الاستخفاف غير مقبول على الإطلاق». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المسألة أبعد من حقوق القاضي واقتطاع جزء مهم وأساسي من مستحقاته المالية والتقديمات الطبية له ولعائلته، ومساهمة الدولة في تعليم أولاده»، محذراً من «محاولة إذلال القاضي، وتحويله إلى مجرّد موظف عادي». وكشف المصدر أنه «في حال أقرّ مجلس النواب السلسلة وفق الصيغة المرفوعة إليه، وجرى تجاهل صرختنا، فإن عدداً كبيراً من القضاة يفضلون تقديم استقالاتهم من السلك، والعمل محامين أو السفر إلى الخارج وممارسة العمل القضائي في دول عربية كثيرة، تعرف قيمة القاضي اللبناني، أكثر مما تعرفها دولته».
ويضمّ الجسم القضائي في لبنان أكثر من 550 قاضياً في المحاكم العدلية والمدنية والعسكرية، بالإضافة إلى نحو 100 قاضٍ في القضاء الإداري، مثل مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي.
قضاة لبنان يضربون بسبب مشروع زيادة رواتب «يحولهم لمجرد موظفين»
بعضهم يلوّح بالاستقالة والعمل في الخارج
قضاة لبنان يضربون بسبب مشروع زيادة رواتب «يحولهم لمجرد موظفين»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة