حملة مرشح اليمين للرئاسة الفرنسية «تصطدم» بتهمة الاختلاس

فالس ينفي استعداده للدعوة إلى التصويت لماكرون

حملة مرشح اليمين للرئاسة الفرنسية «تصطدم» بتهمة الاختلاس
TT

حملة مرشح اليمين للرئاسة الفرنسية «تصطدم» بتهمة الاختلاس

حملة مرشح اليمين للرئاسة الفرنسية «تصطدم» بتهمة الاختلاس

وُجِّهت التهمة، أمس، إلى مرشح اليمين للرئاسة الفرنسية فرنسوا فيون باختلاس أموال عامة، وذلك في إطار التحقيق في شبهات بوظائف وهمية استفادت منها زوجته وولداه، حسبما قال محاميه أنتونان ليفي لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقدَّم القضاة موعد جلسة الاستماع لمدة 24 ساعة، بعد أن كان فيون أعلن أنها ستكون في 15 من مارس (آذار) الحالي.
وقال المحامي إن «توجيه التهمة حدث هذا الصباح (أمس)، وجرى تقديم موعد جلسة الاستماع لكي تكون في أجواء هادئة». ويُتَّهم فيون بـ«اختلاس أموال عامة، والتواطؤ والإساءة لممتلكات عامة، وانتهاك متطلبات الهيئة العليا للشفافية في الحياة العامة»، كما أكد مصدر قضائي.
وكان فيون (63 عاماً) أعلن، في الأيام الأخيرة، تصميمه على الاستمرار «حتى النهاية» في حملته الانتخابية، حتى في حال توجيه الاتهامات إليه. وهو أول مرشَّح يخوض الانتخابات الرئاسية، في ظل مواجهة اتهامات. وخلال كلمة ألقاها، بعد ظهر أمس، لم يبدُ المرشح متأثراً بما حدث، واكتفى بالإشارة (بتهكم) إلى حملة «يطلق فيها الرصاص بشكل منخفض».
ويتعلق التحقيق بمئات آلاف اليورو من الرواتب التي دُفِعت من الأموال العامة لزوجته واثنين من أبنائه، لقاء وظائف برلمانية. وقد استُدعِيَت زوجته بينيلوب (62 عاماً) للمثول أمام القضاة، في 28 من مارس الحالي.
وكان الفصل الأخير في مسلسل الفضائح الذي يلاحق فيون ويعرقل حملته الانتخابية، ما كشفته أسبوعية «لو جورنال دو ديمانش»، الأحد، بأنه تلقى هدية من صديق ثري، عبارة عن بدلتين فاخرتين، يتجاوز ثمنهما عشرة آلاف يورو.
وردَّ فيون منتقداً الصحافيين، واتهمهم بأنهم «يفتشون في سلة المهملات» لتقصِّي أخباره، مؤكداً أنه «يتعرض لحملة اضطهاد».
ويحاول مرشح حزب المحافظين إعادة تركيز حملته الانتخابية على القضايا السياسية، بعد سلسلة من المشكلات أدَّت إلى تراجعه في استطلاعات الرأي، قبل ستة أسابيع من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. وبعد أن كان الأوفر حظاً، أصبح فيون يحلّ ثالثاً بعد مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان والمرشح الوسطي إيمانويل ماكرون في استطلاعات الرأي.
وعلى صعيد متصل بالحملة الانتخابية في فرنسا، نفى رئيس الوزراء الاشتراكي الفرنسي السابق مانويل فالس تقريراً صحافياً يفيد بأنه يستعدّ للدعوة إلى التصويت للوسطي إيمانويل ماكرون، قبل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
وجاء نفي فالس، عشية اجتماع جديد أمس لحلفائه السياسيين المنقسمين حيال مسألة الدعم المحتَمَل لماكرون.
وكان فالس قد هُزِم في الانتخابات التمهيدية لليسار من قبل اشتراكي آخر هو بينوا هامون. واستقال ماكرون من منصبه وزيراً للاقتصاد في حكومة فرنسوا هولاند، وقدَّم نفسه على أنه وسطي للترشح إلى الرئاسة من دون المرور بانتخابات تمهيدية. ولدى سؤاله عن مقال في صحيفة «لو باريزيان» نُشِر أمس بعنوان «الرئاسة: فالس سيدعو إلى دعم ماكرون منذ الجولة الأولى»، في تلميح إلى إمكانية بدء ذلك، قال رئيس الوزراء السابق لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «نفى هذه المعلومة» عبر مقربين.
وأكد مساعد فالس ونائبه في الجمعية الوطنية كارلوس دا سيلفا أنه «لا شيء في هذا المقال صحيح، بصرف النظر عن حقيقة أن هناك اجتماعاً الثلاثاء (أمس)».
ولفت المصدر إلى أن فالس «لديه رغبة، وهي منع مارين لوبان من الفوز في الانتخابات الرئاسية، ويرى أن المرشح الأسوأ للقيام بذلك هو فرنسوا فيون».
ويقف فيون بحسب الاستطلاعات الأخيرة خلف زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، ومرشح الوسط إيمانويل ماكرون، اللذين يرجح أن يحتلا الطليعة في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، في 23 أبريل (نيسان) المقبل، وأن يتنافسا في الدورة الثانية، في 7 مايو (أيار) المقبل.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟