إسامبارد كينغدوم برونيل... عبقري الهندسة الفيكتورية

ولد إسامبارد كينغدوم برونيل عام 1806 لأبوين فرنسيين. كان والده، إسامبارد مارك برونيل، انتقل بأسرته إلى إنجلترا في أعقاب اندلاع الثورة في فرنسا. وكان مارك برونيل مهندساً ناجحاً وحظي بثروة جيدة لبيعه براءات اختراع لمعدات اعتمد عليها الأسطول الملكي.
وعليه، لم يكن من الغريب أن يمتلك إسامبارد كينغدوم برونيل موهبة إبداعية هائلة، ونجح بالفعل في طرح كثير من الأفكار الجديدة والمبتكرة للغاية. كان برونيل الابن مهندساً مدنياً ممتازاً، حرص على أن يتولى بنفسه التخطيط والإشراف على خط السكك الحديد بين لندن وبريستول، الذي جرى تشييده طبقاً لأعلى المعايير. كما نجح في دفع جهود تصميم وبناء السفن الضخمة إلى مستوى لم يكن ليطرأ على مخيلة أحد من قبل. كما تولى تصميم كثير من الجسور المهمة، بينها جسر كليفتون المعلق، الذي يعد الآن واحداً من المقاصد السياحية الرئيسة في بريستول.
أما البصمة الكبرى له، فتبقى خط السكة الحديد الغربي الرابط بين لندن وبريستول، الذي توجد نهايته في لندن في محطة بادينغتون.
كان برونيل من الشخصيات التي تحرص على إتقان كل شيء وإنجازه على النحو الأمثل، مما دفعه لتولي الإشراف شخصياً على كامل الخط واختيار المسار الذي يتسم بأقل قدر من التعرجات التي يمكن أن تبطئ حركة القطار. ويعد هذا الخط الأخير من بين الخطوط الرئيسة للسكك الحديدية داخل بريطانيا التي جرى تحويلها للاعتماد على الكهرباء.
داخل لندن، كلفت هيئة خطط السكك الحديدية الغربية برونيل بتصميم وبناء محطة دائمة جديدة في بادينغتون. وما زالت ثمرة عمله قائمة شامخة حتى يومنا هذا بسقفها الحديدي المنحني وأعمدتها الرائعة.
ومن بين أولى المشروعات التي اضطلع بها برونيل عمله مع والده على بناء نفق أسفل نهر التيمس بشرق لندن؛ بين وابينغ وروزرهايتز. وكان ذلك أول نفق من نوعه يشق أسفل نهر، واستغرق بناؤه وقتاً أطول بكثير من المتوقع بسبب صعوبات في التعامل مع طبقات الأرض أسفل النهر. ولا يزال يجري الاعتماد على النفق حتى يومنا هذا بوصفه جزءا من منظومة السكك الحديدية في لندن.
أيضاً، لا يزال برونيل حياً في الذاكرة الوطنية لاضطلاعه بتصميم وتشييد سفينتين ضخمتين جاءت كل منهما بمثابة معلم ونقطة فارقة في تاريخ بناء السفن. حملت إحدى السفينتين اسم «بريطانيا العظمى» وانتهى العمل بها عام 1843، وتعد أول سفينة بخارية تجوب أرجاء المحيطات وتعتمد في حركتها على المراوح الدافعة. وكانت هذه السفينة أكبر وأكثر رفاهية من أي سفينة سابقة. وبالفعل، جرى الاعتماد عليها بنجاح في رحلات عبر المحيط الأطلسي في ما بين عامي 1846 و1852، عندما تحولت ملكيتها إلى جهة أخرى وبدأ الاعتماد عليها في رحلات لأستراليا. إلا أنه جرى هجرها على فوكلاند آيلاندز عام 1886 بعدما تضررت بسبب إعصار ضربها قرب منطقة كايب هورن. عام 1970، أعيدت إلى المملكة المتحدة، وتم تجديدها وإصلاحها لعرضها في متحف، ويمكن زيارتها الآن في بريستول.
أما السفينة الأخرى، فأطلق عليها «غريت إيسترن» وبنيت في منطقة آيل أوف دوغز، شرق لندن، وانتهى العمل بها عام 1859، وبلغ طول هذه السفينة ضعف طول «بريطانيا العظمى» وكانت السفينة الكبرى على مستوى العالم آنذاك.
ونظراً لضخامة حجمها، فقد شكلت «غريت إيسترن» قفزة كبرى بمجال تصميم وبناء السفن. إلا أنها للأسف لم تحقق نجاحاً تجارياً، ومع هذا ظلت في الخدمة لمدة 30 عاماً. وكان من شأن الضغط والإجهاد الشديدين بسبب الإشراف على المشروع، أن سقط برونيل مصاباً بسكتة دماغية وتوفي في 15 سبتمبر (أيلول) 1859، بعد فترة قصيرة من انطلاق السفينة في رحلتها الأولى.
في الوقت الحالي، يوجد تمثالان لبرونيل في لندن، أحدهما في إمبانكمنت، بجوار محطة «تمبل» لمترو الأنفاق، والآخر داخل محطة بادينغتون.