كبير مفاوضي المعارضة في «جنيف4»: النظام متوقف عند خطاب الأسد في 2011... ولم يوافق على «انتقال سياسي»

محمد صبرا قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الهيئة العليا» فقط مخولة بالتفاوض... والقرار 2254 لم يشر إلى دعوة منصتي القاهرة وموسكو

محمد صبرا كبير المفاوضين بوفد المعارضة في «جنيف 4»
محمد صبرا كبير المفاوضين بوفد المعارضة في «جنيف 4»
TT

كبير مفاوضي المعارضة في «جنيف4»: النظام متوقف عند خطاب الأسد في 2011... ولم يوافق على «انتقال سياسي»

محمد صبرا كبير المفاوضين بوفد المعارضة في «جنيف 4»
محمد صبرا كبير المفاوضين بوفد المعارضة في «جنيف 4»

تعود جولة جديدة من المفاوضات السورية - السورية في 23 من الشهر الجاري للانعقاد في مدينة جنيف السويسرية، بحسب ما أعلن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في تقرير الإحاطة الذي قدمه لمجلس الأمن في نيويورك قبل أيام. وركزت محادثات «جنيف 4» التي انطلقت الشهر الماضي وطيلة الأيام الثمانية على المسائل الإجرائية بالدرجة الأولى. وأفاد دي ميستورا في مؤتمر صحافي بأن المحادثات أسفرت عن التوصل إلى «جدول أعمال واضح» يتضمن الحوكمة والدستور والانتخابات، وأخيراً مسألة الإرهاب التي أصرَّ وفد النظام على إضافتها. وشدد دي ميستورا على أنه تم الاتفاق على «منهجية» هي مناقشة المسائل الأربع بالتوازي. غير أن الجولة الأخيرة كانت قد شهدت إرباكات سببها دخول منصتي موسكو والقاهرة على خط التفاوض، بضغط من روسيا، ليبدو وفد المعارضة بثلاثة وفود بدل أن يمثلها وفد واحد هو «الهيئة العليا للتفاوض»، وفعلاً انطلق اليوم الأول إجرائياً ورسمياً، بثلاث طاولات للمعارضة أمام طاولة النظام، ما تسبب بانتقادات للهيئة من قبل معارضين اعتبروا أن ما حصل في مفاوضات جنيف هو تنازل كان يمكن تفاديه. «الشرق الأوسط» تحدثت إلى كبير المفاوضين في وفد «الهيئة العليا للتفاوض» إلى «جنيف4» محمد صبرا وسألته عبر الهاتف، عن حيثيات الأيام الثمانية في الجولة الماضية، وما علق فيها من لبس بين الأطراف.
* كشف اليوم الأول عن ارتباك في التعامل مع تعددية وفود المعارضة، من خلال حضور منصتي القاهرة وموسكو، ورفضهما الاندماج في وفد الهيئة العليا وكأن وفد الهيئة لم يتهيأ للموقف، رغم أن القرار 2254 أشار لدعوتهما إلى المفاوضات؟
- يجب التوضيح بداية، أن القرار 2254 لم يشر إلى دعوة منصتي القاهرة أو موسكو، بل قال في حيثيات القرار إنه «أخذ علما باجتماعي موسكو والقاهرة»، وأضاف أنه «يلحظ على وجه الخصوص جدوى اجتماع الرياض الذي تسهم نتائجه في التمهيد لعقد مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة بشأن التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع». في اللغة القانونية هذا واضح ولا يحتاج إلى كثير من المعرفة والجهد لتفسيره، لأن ربط نتائج مؤتمر الرياض «أي تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات بإطلاق عملية سياسية»، يعني حكماً أنها هي الطرف المفاوض الممثل للمعارضة، وهذا ما قلناه للمبعوث الدولي في أول جلسة تفاوضية بشكل شفهي وأيضا عبر مذكرة كتابية.
محاولة التذرع بذكر منصتي القاهرة وموسكو في القرار، هو تفسير جائر وغير مقبول لنص القرار 2254. وحقيقة الارتباك في اليوم الأول، أن المبعوث الدولي أخبرنا بأنه يعد لحفل الافتتاح بالشكل الذي حدث الساعة الثانية عشرة ظهرا. وقال إن الافتتاح سيكون الساعة الثالثة، أي أنه وضعنا أمام أمر واقع وهو إما أن تحضروا أو تتغيبوا، وبالتالي ستظهرون بمظهر الرافض للعملية السياسية. والهيئة اتخذت قرارها بالحضور رغم تمسكها بالثابت والوارد في القرار 2254 لتجنب الصورة السلبية التي يمكن أن تنتج عن غياب وفد الهيئة في اليوم الأول.
للأسف المسألة لا تتعلق بإجراءات هنا، وإنما بمحاولة تحويل العملية السياسية في سوريا، من تفاوض بين طرفين إلى عملية متعددة الأطراف، وهذا سيغير شكل الحل ومخرجاته. ووفد الهيئة العليا للمفاوضات متمسك حتى اللحظة بضرورة تطبيق القرارات الدولية كما جاءت باعتبارها مرجعية الحل وليس وفق رؤى المبعوث الدولي أو بعض الأطراف الدولية التي تتناقض رؤاها مع أساسيات وثوابت القرارات الدولية.
* قلت في تغريدة أخيرة، إن «جنيف4 لم تسفر عن شيء إيجابي، ولم نتفق على شيء، والنظام لم يوافق على شيء، البعض يعشق الإنجازات الوهمية لأنه يحب لعب دور البطل». هل قلت هذا التعليق من منطلق شعورك بالإحباط أم ردا على تصريحات بالغت في تقييم «جنيف4»؟
- للأسف الجولة الماضية لم تحقق أي نتيجة إيجابية، فحتى اللحظة، النظام ما زال يرفض الانخراط في عملية سياسية محددة ذات إطار مرجعي واضح، ويرفض الموافقة على بيان جنيف أو على القرارات الدولية ذات الصلة.
العملية السياسية في سوريا ليست عملية مفتوحة، وإنما عملية محددة تهدف للبحث في آليات تطبيق الحل الوارد في القرارات الدولية ولا سيما القرارين 2118 و2254. وحتى اللحظة، النظام ما زال يصر على تجاوز متطلبات الحل وخريطة الطريق الواضحة جدا في هذين القرارين، اللذين نصا بشكل واضح على أن «إنشاء هيئة الحكم الانتقالي كاملة السلطات التنفيذية ليست موضع تفاوض، وإنما التفاوض هو في تشكيل هذه الهيئة، أي في اختيار أعضائها»، هذه لغة القرارين 2118 و2254، وأي محاولة لتجاوز هذا الأمر من أي طرف هي محاولة لتمييع الحل وإدخاله في نفق لا يمكن الخروج منه، وبعض التصريحات التي فهمت خطأ بأن النظام وافق على بحث عملية الانتقال السياسي لا تنسجم مع ما حدث، فالنظام ما زال واقفا عند خطاب بشار الأسد في أبريل (نيسان) من عام 2011 وهو يردد العبارات نفسها، ويراوغ من أجل إتاحة الفرصة له لإنجاز الحل العسكري الذي يراهن عليه النظام ويرفض حتى اللحظة أي بديل عنه.
* في تغريدة أخرى قلت إن «النظام لم يوافق على جدول الأعمال، بل كل ما في الأمر أن دي ميستورا ذكر كلمة انتقال سياسي أمام وفده خمس مرات ولم يحتج». بينما صرح د. نصر الحريري بأن النظام وافق على القرار 2254 المتضمن الانتقال السياسي بعد ضغوط؟
- عندما سألنا دي ميستورا هل وافق وفد النظام صراحة على الانخراط بالعملية السياسية وفق متطلباتها المرجعية المؤسسة للحل؟ كانت الإجابة بأن النظام سمع كلمة الانتقال السياسي خمس مرات ولم يحتج، وتصريحات الدكتور نصر كانت واضحة وأظن أنه تم تفسيرها خطأ، فالدكتور نصر قال إن النظام وافق على الانخراط في العملية بناء على ضغط روسي، ويقصد بذلك بأنه جاء إلى جنيف بمذكرة جلب روسية. ومجرد مشاركة النظام في هذه الجولة لا تعني موافقته على الحل السياسي، فنحن ما زلنا نطالبه بموافقة صريحة على بيان جنيف، وهذه النقطة طالبنا بها منذ مفاوضات عام 2014، وحتى اللحظة الطرفان الوحيدان الرافضان لبيان جنيف، هما النظام وإيران. في عام 2014 طلبنا من الأخضر الإبراهيمي ضرورة الحصول على موافقة خطية من النظام وإيران على تنفيذ بيان جنيف، وهذا لم يحصل، وما زلنا في هذه النقطة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.
* هناك مصطلح مهم ورد في البيانات الدولية حول المفاوضات السورية، يتعلق بعملية الانتقال السياسي، ورد فيه الحديث عن «حكومة انتقالية»، ويبدو أنه يجري التلاعب بترجمته العملية والقانونية من قبل النظام وداعميه إلى «حكومة وحدة وطنية».
- لا بد من توضيح مجموعة من النقاط في هذا السياق:
أي مصطلح لا يمكن فهمه بدقة إلا من خلال الحقل الدلالي الذي ينمو فيه ومن خلال المفاهيم والرؤى التي يشحنها فيه من يستخدم هذا المصطلح.
النظام يستخدم مصطلح الانتقال السياسي ويقصد به كما عبر منذ عام 2014 «الانتقال من دستور إلى دستور جديد وهذا موقف روسيا وإيران». وبدأ استخدام مصطلح الانتقال السياسي من قبل النظام منذ مارس (آذار) عام 2014 عندما طرحت إيران خطة النقاط الأربع التي رفضها الإبراهيمي ورفضتها المعارضة، وكذلك رفضتها القمة العربية التي انعقدت في الكويت في عام 2014.
يستخدم دي ميستورا مصطلح العملية السياسية الانتقالية، وهو يقصد عملية شاملة تتضمن مشاركة في الحكم ودستور وانتخابات، ويتقاطع بشكل كامل مع رؤية النظام وروسيا وإيران في النقطتين الثانية والثالثة، أي الدستور والانتخابات، وهو منفتح على بحث النقطة الأولى وهي قاعدة المشاركة في الحكم وشكل هذه المشاركة وتصميمها.
- المعارضة تقصد بالانتقال السياسي «هيئة حكم تكون بديلا عن أجهزة السلطة، بحيث يتم حل جهاز السلطة، وحل المعارضة بمجرد تشكيل هيئة الحكم التي ستغدو هي المعبّر عن مفهوم السيادة في الدولة السورية»، فالمشاركة ليست مشاركة في الحكم، بل مشاركة في التشكيل أساسا، والوليد الجديد «هيئة الحكم» هو أداة السلطة الجديدة المتميزة عن النظام والمعارضة معاً، وهذا تماما ما نصت عليه الفقرة أ من البند 9 من بيان جنيف. الذي جعل من إنشاء هيئة الحكم أمرا مفروغاً منه، بحيث ينصب التفاوض على تشكيل الهيئة وليس إنشاؤها.
دي ميستورا في خطته تجاوز بيان جنيف متذرعاً بفهمه الخاص للقرار 2254 وأيضا بمراعاته لمتطلبات الحل من وجهة نظر روسيا وإيران حتى يضمن دعمهما لهذه العملية.
خطورة الموقف أننا نقع في فخ التفكير الرغبوي القائم على تباين مفاهيم مصطلح الانتقال السياسي بيننا وبين المبعوث الأممي، وهذه معضلة كبيرة. والمشروع المطروح اليوم، ليس انتقالا سياسيا حسب مفهوم المعارضة، وإنما عملية سياسية انتقالية، وهذا مفهوم آخر لا يتطابق مع رؤية المعارضة.
* ما رأي وفد المعارضة في تقرير الإحاطة الذي قدمه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أخيرا لمجلس الأمن؟
- حقيقة أننا نستغرب بعض النقاط التي وردت في تقرير السيد دي ميستورا ولا سيما أنها تتناقض مع أساسيات القرار 2254 لجهة توازي المسارات وقاعدة لا شيء إلا بعد الاتفاق على كل شيء، هذا الأمر يلغي عمليا المرحلة الانتقالية ويدخل الحالة السورية في دوامة من جزئيات كثيرة لا يمكن حلها في سنوات طويلة.
الغريب في إحاطة دي ميستورا تأكيده على أن العملية السياسية يملك زمامها السوريون وأنها تأتي بالاستناد للقرارين 2118 و2254، ثم يقول في الفقرة 24 من إحاطته إن «جدول أعماله ورؤيته للحل يجب أن يتم الالتزام بها، وأنه سيوقف العملية إذا لم يتم القبول بما يراه». هذا أمر غريب ومستهجن، فنحن مصرون على المضي في العملية السياسية وفق ما نص عليها القرار 2254 وهي قاعدة التراتبية الواردة في الفقرة 4 من القرار ،والجدول الزمني للتفاوض وليس الجدول الزمني لتنفيذ مخرجات الحل. التفسير الذي يقدمه المبعوث الأممي لا ينسجم مع لغة القرار، وقد قلنا له في جولة المفاوضات: أمامنا حلان لإزالة هذا التناقض في التفسير، إما أن نشكل فريقا تقنيا صغيرا مؤلفا من ثلاثة من تقنيي وفد الهيئة العليا وثلاثة من فريق المبعوث الأممي ليبحث هذا الفريق في أساسيات تفسير القرار 2254 حتى نصل إلى اتفاق، أو يكون الحل الثاني أن نذهب إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتفعيل المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تسمح للأمين العام بطلب الفتوى من محكمة العدل الدولية. للأسف رفض المبعوث الأممي كلا الطرحين وهو يصر على إعطاء نفسه ولاية وصلاحيات غير موجودة في القرار 2254، وهذا واضح من خلال قراءة تقرير الإحاطة الذي قدمه.
نحن نؤكد دائما على أن العملية السياسية في سوريا برعاية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي ليس مجلس الوصاية، والسوريون قالوا كلمتهم بالدم وبالصدور العارية التي تصدت لرصاص النظام ودفعوا ثمنا غاليا من أجل نيل حريتهم ولن يتنازلوا عن مطلبهم بالحرية والكرامة تحت أي ظرف من الظروف، وأي حل لا ينسجم مع أهداف السوريين وثوابت ثورتهم هو وصفة جديدة لحرب طويلة لا يمكن التنبؤ بمساراتها.
* قلت قبل المغادرة إلى «جنيف4» إن وفد المعارضة الحالي هو الأكثر تمثيلا لقوى الثورة. هل لا تزال تعتقد أن الأهمية تتركز في الأكثر تمثيلا أم الأكثر خبرة في التفاوض والأكثر حنكة؟
- ما زلت عند موقفي. والوفد الحالي للهيئة العليا للمفاوضات، وفد جيد جدا ومتماسك، ويملك الخبرات التفاوضية والحنكة السياسية اللازمة، لكن يجب أن ننظر لمجمل الظروف معا، أي هذا السياق. والعملية السياسية الناجحة لا تتعلق بحنكة أو خبرات طرف فقط بل هي تتعلق أساسا بضرورة توافر ثلاثة أركان: إرادة الطرفين المتفاوضين للوصول إلى حل، وإطار مرجعي واضح للتفاوض ضمن جدول زمني متفق عليه، وأخيراً آليات إنفاذ هذا الحل. للأسف حتى اللحظة لا يوجد لدينا شريك في العملية السياسية بسبب تعنت النظام ورفضه الحل السياسي وإصراره على الحل العسكري. النظام يريد من العملية السياسية أن تحقق له ما عجز عن تحقيقه خلال السنوات الماضية عبر الحل العسكري، وهو فرض الاستسلام على الثورة وإجبار المعارضة على القبول به، وهذا لن يتحقق، فما عجز النظام عن تحقيقه في الميدان لن يستطيع تحقيقه في قاعة المفاوضات.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم