من التاريخ: حرب البوير في جنوب أفريقيا

من التاريخ: حرب البوير في جنوب أفريقيا
TT

من التاريخ: حرب البوير في جنوب أفريقيا

من التاريخ: حرب البوير في جنوب أفريقيا

احتدم صراع الرجل الأبيض في الجنوب الأفريقي في القرن التاسع عشر، حيث سيطرت بريطانيا على سواحل جنوب أفريقيا في مستعمرات «الرأس» Cape ومنطقة «الناتال» كما تابعنا في الأسبوع الماضي، وهو ما دفع «البوير» أو طبقة أبناء الهولنديين إلى النزوح إلى الشمال وتأسيس جمهوريَّتَي «الترانسفال» و«الأورنج الحرة» تحت وطأة القرار البريطاني بمنع الرق، الذي كانت هذه الطبقة من المزارعين تحتاج إليه من أجل الزراعة، وقد استتب السلام بين الجمهوريتين من ناحية والأراضي الواقعة تحت الحكم البريطاني من ناحية أخرى. ولكن هذه الظروف كانت تتغير مع مرور الوقت على ضوء عاملين أساسيين، الأول هو التوجهات الإمبريالية التوسعية البريطانية ورغبتها المتصاعدة في ضم الجمهوريتين، وبخاصة بعد تأسيس رجل الأعمال البريطاني «سيسيل رودس» جمهورية روديسيا فيما يعرف اليوم بزيمبابوي، أما العامل الثاني فكان اكتشاف الماس والذهب في الجمهوريتين، وهو ما فتح الباب أمام هجرات بريطانيين إلى الجمهوريتين عرفوا باسم «الغرباء» Uitlanders، وقد توسعت الهجرة إلى الحد الذي دفع «رودس» لترتيب انقلاب فاشل في حكومة «الترانسفال» مما أسفر عن احتكاكات انتهت بإعلان حرب «البوير الثانية» خلال الفترة من 1899 إلى 1902 عندما سعى رئيس جمهورية الترانسفال لمحاولة احتواء توغل «الغرباء» وتجنيسهم.
لقد اعتقدت لندن أن هذه الحرب بين الجيش البريطاني العظيم ومجموعة مزارعين ستكون سهلة تنتهي بهزيمتهم كما حدث في حرب «البوير الأولى» عام 1880، التي انتهت بالاعتراف باستقلال الترانسفال مع إبقائها تحت السيادة الفعلية البريطانية، ولكن «البوير» رغم أنهم لم يملكوا جيشاً منظماً في الجمهوريتين، فإنهم كانوا أكثر تنظيماً مما اعتقد البريطانيون؛ فاستعدوا على الفور من خلال ما عرف بـ«ميليشيات الخيالة Mounted Militia» وكان الاسم الدارج لهم هو «الكوماندوز» ويملكون مدفعية غير نظامية متحركة، ورغم أن كلتا الجمهوريتين ليس لديها أي منفذ بحري، فإن المساعدات والعتاد كانا يأتيان من «شرق أفريقيا البرتغالية»، بالتالي أصبح الصراع المفتوح بين الجيش البريطاني النظامي الذي كان يهدف لإخضاع الجمهوريتين وضمهما من ناحية، والكوماندوز، الذين كانوا يأملون في نصر عسكري سريع، يجعل من استمرار الحرب بين الطرفين أمراً مكلفاً، وهو ما سيدفعهم للدخول في مفاوضات تسمح بقدر كبير من الاستقلال للدولتين بعيداً عن النفوذ البريطاني المستشري، وقد بدأت الحرب بتحقيق البوير لكثير من الانتصارات من خلال تحركات الكوماندوز السريعة المدعومة من ميليشيات من الجنسيات الرافضة للحكم البريطاني في الرأس والناتال، مما بات يهدد سيادة بريطانيا على هاتين المقاطعتين، وبخاصة أن الجيش البريطاني كان ممتداً على جبهة طويلة المدى ولم يكن باستطاعته الصمود بشدة أمام حرب العصابات التي يشنها الكوماندوز، ولكن هذه الهجمات سرعان ما فقدت قوة الدفع الأولية عندما صمدت القوات البريطانية. وإزاء هذه الخطوة لجأ البوير إلى تكتيك مختلف لهزيمة «بولر» القائد البريطاني الجديد حيث ركزوا قواتهم في ثلاث معارك محورية في نهاية عام 1899 ومطلع عام 1900، مما أسفر عن هزائم بريطانية متتالية، وبخاصة معركة «سبيون كوب».
على الفور دفعت بريطانيا بقيادة جديدة للقوات، منها شخصية عسكرية قوية عرفت فيما بعد باسم «اللورد كيتشنر»، إضافة إلى تعزيزات كثيرة لجيشها في جنوب أفريقيا من أستراليا ونيوزيلاندا وكندا إلى جانب الهند، حيث وصلت هذه القوات إلى ما يقرب من نصف مليون مقاتل بعد انضمام «الغرباء» لهم، وهو ما لم يكن للبوير طاقة به، فاستمروا على نهج حرب العصابات دون السعي للدخول في مواجهة مفتوحة كما كان يحدث من قبل، وقد سعى البوير لجمع التعاطف الدولي لقضيتهم في أوروبا، ورغم نجاحهم في هذا التوجه، فإن الدبلوماسية البريطانية كانت أقوى من كل ذلك حيث ضغطت على البرتغال لإغلاق منفذ التموين والدعم عبر مستعمراتها في شرق أفريقيا إلى جمهورية الترانسفال، وهو ما وضع البوير في موقف صعب للغاية.
ومع هذه القوة الهائلة لجأ القائد البريطاني «بولر» إلى سياسة الأرض المحروقة وأسر عائلات البوير من النساء والأطفال والشيوخ، ووضعهم في معتقلات جماعية أقل ما توصف به بأنها كانت غير آدمية مات فيها الآلاف بسبب الجوع أو سوء التغذية أو المرض، وقد كفلت هذه السياسة للجيش البريطاني الانتصارات الممتدة فاستولوا على المدن الرئيسية، مثل بريتوريا وجوهانسبورغ، وانتهت هذه السياسة باستيلاء بريطانيا على الجمهوريتين وهروب رئيس الترانسفال «كروجر» إلى أوروبا لحشد الدعم. وقد ظن الجميع أن الحرب قد انتهت، ولكن سرعان ما برز في البوير قادة جدد مثل «بوثا» و«دي ويت»، استطاعوا إعادة تنظيم الصفوف والدخول في حرب عصابات مجددا، معتمدين على قدرتهم على الحركة، وقد حقق القائدان انتصارات لا بأس بها مستغلين انسحاب كثير من الفرق البريطانية، وفي إحدى هذه المعارك تم أسر الجنرال اللورد «ميثيوم»، ومرة أخرى لجأ البريطانيون إلى تطبيق سياسة الأرض المحروقة بكل وحشية، وكان من أكثر القادة البريطانيين استخداماً لأساليب وحشية هو اللورد «كيتشنر» نفسه، الذي سجل التاريخ له جرائم حرب تضعه اليوم في مصاف المجرمين الدوليين بعد موت ما يقرب من اثنين وأربعين ألفاً من النساء والأطفال، ولكن كما هو الحال فإن التاريخ ينصف المنتصر مؤقتاً. من هذه الحملات بدأ «كيتشنر» صعوده العسكري الذي دفعه إلى مصاف القيادات البريطانية في كثير من الدول، وقد اضطر البوير إلى الخضوع للضغوط غير الإنسانية للبريطانيين؛ فدخلوا في مفاوضات أسفرت عن التوقيع على اتفاقية «فيريينينغ» التي أقامت دولة فيدرالية لجنوب أفريقيا، وقد كفلت هذه الاتفاقية حقوقاً متساوية نوعاً ما بين البوير والبريطانيين تحت الحكم والسيادة البريطانية.
وعلى الرغم من الاتفاقية، فإن مستقبل الجنوب الأفريقي ظل في وضع حرج ليس بسبب خلافات بين الدول بعدما حسمت الاتفاقية هذا الأمر، ولكن لصراع من نوع جديد بين الرجل الأبيض والسكان الأفارقة الأصليين، فإذا كان الرجل الأبيض قد حسم صراعه مع نظيره الأبيض في جنوب أفريقيا، فإن جزءاً من الاتفاق العام بينهم جاء على حساب السكان الأفارقة الأصليين أصحاب الأرض، فالحقب التالية تحولت إلى صراع عرقي وتفرقة عنصرية لم يشهد العالم مثلها امتدت لسنوات طويلة تحت راية فلسفة «عبء الرجل الأبيض»، ذلك المفهوم الذي صاغه «كيبلينغ» واعتبر فيه أن للرجل الأبيض مهمة فرض التحضر والرقي على الشعوب من أصحاب البشرة السمراء أو السكان الأصليين، تلك المسؤولية التي حملها الرجل الأبيض على عاتقه بلا دعوة وضد رغبة سكان الأرض الأصليين؛ ليرزحوا تحت حكم فكر غير إنساني عقيم جرمته اليوم الشرائع الدولية، ولكنه سيظل محفوراً على رفات أجيال من ذوي البشرة السمراء في قبورهم وفي ضميرنا اليوم، فقد قاوموا فكراً بغيضاً لمرضى التفوق العرقي والفكري والحضاري تحت نظام من الفصل العنصري تشمئز منه الأبدان وتقشعر له القلوب حزناً على من اعتبروا أنفسهم أسياداً بلا وجه حق، فعسى أن ينتهي هذا الفكر الذي يبدو في بعض المناسبات أنه لا يزال قابعاً في أذهان وضمائر بعض الساسة، ويتم التعبير عنه بسلوكيات مختلفة تحت حجة تحضير الأمم والشعوب مرة أخرى!



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».