بكري حسن صالح رجل مظلات «ماكر» يجيد التخفي

رئيس الوزراء السوداني الجديد بذاكرة فوتوغرافية ومزاج مرح لا يمكن استغفاله

بكري حسن صالح رجل مظلات «ماكر» يجيد التخفي
TT

بكري حسن صالح رجل مظلات «ماكر» يجيد التخفي

بكري حسن صالح رجل مظلات «ماكر» يجيد التخفي

يوم تسميته رئيساً للوزراء، خرج النائب الأول للرئيس الفريق أول بكري حسن صالح من اجتماع «المكتب القيادي» للحزب الحاكم بعد خروج الرئيس عمر البشير مباشرة، وعلى نصف وجهه «ابتسامة غامضة» اشتهر بها، فيما رسم على النصف الآخر من الوجه علامات لا مبالاة بادية، كأنه يقول للكل: «ليس هناك جديد». خروجه بطوله الفارع وجلبابه الناصع و«السديري» وخلفه سلفه علي عثمان محمد طه بقصر قامته، ودون أن ينطق بكلمة، كان علامة، أما تحيته المقتضبة للصحافيين الذين كانوا يحرسون المكان بانتظار الخبر «الصاعق»، فقد أوصلت رسالة مضللة، دفعت مراسل وكالة أنباء عالمية شهيرة للقول: «لا يوجد خبر، سهرنا على الفاضي». لكن الخبر المقتضب الذي تلاه نائب الرئيس لشؤون الحزب إبراهيم محمود على الصحافيين بعد دقائق قليلة على مغادرة الرجل، طارت به عاجلات وكالات الأنباء، ونقلته عناوين صحف ذلك اليوم يقرأ: «أجاز المكتب ترشيح الرئيس لنائبه بكري حسن صالح رئيساً للوزراء مع احتفاظه بموقعه في القصر نائباً أول».
كان الخبر مفاجئاً على الرغم من أن «التسريبات» والتكهنات والترشيحات جعلته متوقعاً، لكن المفاجأة فيه أن الرجل جمع ثاني وثالث أهم وظيفتين في الدولة السودانية: «النائب الأول للرئيس، ورئيس الوزراء».
ربما أراد الرئيس البشير إيصال رسائل عدة في آن واحد باختياره هذا؛ فهو من جهة عزز «الدائرة العسكرية» المقربة منه وجدد ثقة القوات المسلحة؛ لأن الرجل يحظى بتأثير واضح داخلها، وفي ذات الوقت جاء برجل يعرفه جيداً، ويثق فيه كثيراً ذخراً لأيام مقبلة يضمن خلالها التناغم داخل القصر الرئاسي ومجلس الوزراء، وربما رسالة أخرى تقطع عشم «الطامعين» من حزبه، أو أحزاب أخرى في المنصب الذي سال له لعاب كثيرين، حتى أن بعضهم وظف نفسه في المنصب من خلال «بروباغندا» التواصل الاجتماعي عن طريق حملات «منسقة» تهدف إلى وضعه في «عين الرئيس» حين يختار.
خرج الرئيس بنفسه في اليوم التالي ليشرح للميديا لِمَ اختار الرجل لـ«المنصبين»، والمرحلة التي كلفه بالمنصب المستحدث فيها، وقال: إن تعيينه خطوة مهمة باتجاه تحقيق الاستقرار والسلام في البلاد، وإنه «الرجل المناسب؛ لإلمامه بكل ما يدور داخل أجهزة الدولة»، وإن كل الذين شاركوا في الحوار الوطني وافقوا على تعيينه، وإن رئاسته للجنة العليا لإصلاح أجهزة الدولة أتاحت له فرصة التعرف إلى الوحدات الحكومية؛ ما سيساعده كثيراً في أداء مهمته.
ويتفق الجميع على أن الرجل غير محب الظهور، ولا يهتم كثيراً للإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام التي تعده صيداً ثميناً، وهو ما جعل البعض يظنونه «لا يحسن الكلام»، لكنه فاجأهم في مؤتمر صحافي من منصته بصفته رئيساً للجنة العليا لإصلاح الدولة في أغسطس (آب) 2015، بأنه رجل دولة «مرتب»؛ وهو ما دفع أحد الحضور للقول وقتها «لماذا يصمت هذا الرجل طالما يحسن الحديث؟!».
هذا العزوف عن الظهور يفسره دفعته في سلاح المظلات ونائب مدير الطيران المدني الحالي الفريق يوسف إبراهيم أحمد، بقوله إنه «شخصية لا تحب الظهور، بل ويرفض أن ترافق تحركاته سيارة المراسم (سارينة)، وإنه لا يفضل الاقتراب من الإعلام بحكم طبيعته، بل ولا يبدي اهتماماً بذلك».
ويوضح الفريق إبراهيم في إفادته لـ«الشرق الأوسط» بأن الرجل ومن خلال معرفته وزمالته له في قوات المظلات، كان غير ميال للعنف اللفظي، وأن ذلك جعله قريباً من كل المحيطين به. ويضيف إن علاقته بالرئيس البشير يحكمها الاحترام المتبادل، وإنهما كانا قريبين من بعضها بعضا، ولا يتصور حدوث خلاف بينهما.
ووفقاً لابن الدفعة، فإن الرجل يملك ذاكرة قوية «فوتوغرافية» تحتفظ بأدق التفاصيل، ويتمتع بخيال واسع وطموح عريض، ومقدرة على التنسيق والعمل ضمن فريق، وهي صفات تمكنه من كسب ولاء الوزراء الجدد الذين سيترأسهم بسهولة.
أما قوى المعارضة السياسية، فترى في إيلاء المنصب لصالح «أفرغه» من مضمونه، يقول الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني المعارض بكري يوسف، إن استحداث منصب رئيس الوزراء، كان أحد مخرجات «ما يسمى» بالحوار الوطني، لكن تعيين صالح أفرغ المنصب من الفلسفة التي بني عليها من محتواها.
ويوضح يوسف بأنها فلسفة قصد منها عرّابها حسن الترابي «إضعاف» الرئيس البشير بتنصيب رئيس وزراء قوي، لكن الأمر تحول إلى إجراء شكلي في المناصب والأسماء وتعديلات دستورية محدودة، لا توفر مخرجاً لمشكلات البلاد وأزماتها المستمرة في المتفاقمة منذ 27 عاماً.
يقول يوسف: «من أين لبكري حسن صالح بهذه الوصفة السحرية، وهو لم يغادر كابينة القيادة طوال هذه الفترة، ولم يورد السودان غير مورد الهلاك»، ويضيف إن حزبه ومن اللحظة التي أطلق فيها الحوار وصفه بأنه غير موضوعي، ولا يؤسس لحوار جدي ومثمر، ويتابع: «بعد ثلاث سنوات تؤكد نتائج الحوار ما تنبأنا به، وهو الدوران في حلقة مفرغة، وإهدار زمن وأموال البلاد في اللاشيء».
ويعتبر المعارض البارز مجيء صالح لمنصب رئيس الوزراء «تغييراً مزعوماً»، منح المزيد من السلطات والصلاحيات للرئيس، وهو تغيير لا يستطيع مخاطبة قضايا الحريات والفساد، ومعالجة مشكلات الحرب والاقتصاد والإدارة.
ويرى يوسف في تعيين صالح اختطافاً لمسار «خريطة الطريق» الأفريقية، التي- حسب رأيه- رسمت طريقاً مغايراً إلى حوار جدي ومتكافئ، يقطع الطريق أمام مجهودات المجتمع الدولي، الرامية إلى إحداث سلام وتحول في السودان.
ويعتقد أن الجمع بين منصبي النائب الأول للرئيس ورئيس مجلس الوزراء، كشف حيرة النظام وورطته باستحداث المنصب الذي استخدمه لـ«إغراء» القوى السياسية للمشاركة للحوار، لكنها اكتشفت أنها اصطادت فأراً بعد أن كانت تظنه فيلاً.
ووفقاً ليوسف، فإن البشير لجأ إلى أسهل الحلول غير المزعجة لينفرد بالسلطة، فجاء بصديقه «المطيع» ليضرب عصفورين بحجر، يبعد الإسلاميين من جهة، ويرضي تحالفاته الجديدة بشخص من غير الإسلاميين.
أما العقيد المتقاعد محمد الأمين خليفة، وعضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني، فهو على الرغم من خروجه من المجلس ومن السلطة مغاضباً ومسانداً لزعيم الإسلاميين الراحل حسن الترابي في الانقسام الشهير، فيقول عن الرجل «اجتماعي، يواصل الناس في الفرح والكره»، ويصف شخصيته بأنها مرحة وميالة للمداعبة وصناعة الطرف والنكات، وإنه مع ميله للمزاح فهو منضبط وحازم وشجاع في اتخاذ القرار، لدرجة إلغاء قرارات رئاسية يقول خليفة ضاحكاً: «لا أدرى إن كان هذا يتم بالاتفاق أم لتبادل الأدوار»، لكن الرئيس كان يوافق على القرارات التي يتخذها، وإن أوقفت تنفيذ بعض قراراته.
يقول خليفة إن رئيس الوزراء تأثر بعمله ضابطاً في المظلات كثيراً، وإنه كان «عسكري مظلات ماكرا» يجيد التخفي وإيهام العدو بغير ما ينوي فعله، هذا فضلاً عن حبه ووفائه لوحدته العسكرية؛ وهو الأمر الذي يفسر سر علاقته بالرئيس البشير، يقول خليفة: «منذ أن كان برتبة النقيب كان يعمل مديراً لمكتب الرئيس، ويطلق عليها أركان حرب القائد».
وحول دوره في صناعة الانقلاب في 30 يونيو (حزيران) 1989 يقول خليفة، إنه كان من المؤثرين في الحدث، ولعب دوراً فاعلاً في تأمين القيادة العامة ونجح فيه بشكل لافت؛ ما جعله عنصراً فاعلاً في مجلس قيادة الثورة، وفي الدولة منذ ذلك الوقت.
وحول علاقته بالحركة الإسلامية السودانية، قال أحد قيادات الإسلاميين النافذين للصحيفة، إن القيادي الإسلامي الراحل ياسين عمر الإمام هو من جنده لصفوفها، لكنه وبحكم طبيعته المرنة غير المتعصبة، لم يكن يحب الالتزام العقائدي المتطرف، مثل غيره من قادة وعسكريي الإسلاميين.
لكن للمحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة «إيلاف» الاقتصادية د. خالد التجاني رأي آخر، ينطلق من أن صالح لم يشترك في الأفعال التي خلقت مرارات بين السودانيين، سواء كان ذلك عن طريق الأفعال أو الخطاب، وأن هذا يجعل منه شخصاً مقبولاً، لم تعرف عنه خصومات سياسية.
ويوضح التجاني أن مجيء الرجل لمنصب رئيس الوزراء يحمل إرهاصات يمكن أن تقرأ بأكثر من زاوية، فهو من جهة يعني أن معادلة الحكم المستمرة منذ 1989 القائمة على أنه حكم إسلاميين مدنيين وعسكريين قد تغيرت، وجرت مياه كثيرة تحت الجسر.
ويرجع التجاني جذور التحول إلى ما أسماه «الإطاحة بالحرس القديم»، بخروج علي عثمان محمد طه، ونافع علي نافع وآخرين، والمجيء بصالح نائباً أولاً، يقول: «الحركة الإسلامية كانت تظن أنها أوجدت نظاماً وظفت فيه عضويتها من العسكريين، لكنها اكتشفت أن المؤسسة العسكرية أكثر عراقة وتماسكاً، فبدلاً من أسلمة المؤسسة العسكرية، فإن المؤسسة هي التي ابتلعت الحركة الإسلامية».
ويشير التجاني إلى مؤتمر الحركة الإسلامية الماضي الذي جاء بالرئيس البشير رئيساً لها، ويقول إنه كان تمهيداً لتهميشها الذي اكتمل بتعيين صالح رئيساً للوزراء، ويقول: «مجيء صالح للمنصب يقطع الطريق أمام أي خلافة مدنية إسلامية للبشير، وإنه سيكون خليفة البشير الذي سيقطع الطريق أمام الإسلاميين ويشرعن المؤسسة العسكرية».
ويرى التجاني في اختيار الرجل أن النظام يريد التخفف من محموله الإسلاموي باتجاه نظام أكثر قومية، على حساب دور الحركة الإسلامية، وتحويلها إلى «متفرج»، ويضيف: «حين بدأ الحوار الوطني، كان الناس يظنونه سيكون بابا يتوحد عبره الإسلاميون من جديد، لكنه تحول لمدخل لتجاوز هيمنتهم». ويقطع التجاني بأن تسمية صالح رئيساً للوزراء «نهاية حقبة، وبداية حقبة جديدة في تاريخ الإنقاذ».
ويصفه موظف عمل معه طويلاً بأنه مثال لشخصية الجندي المنضبط، وبأنه يتمتع بدرجة عالية من الدقة في التعامل مع الأشياء، يقول: «هو لا يقدِم على عمل فيه مفاجآت، ولا يتيح مجالاً للمصادفات، ويوظف ذاكرته (الكربونية) الحادة في متابعة تنفيذ المهام التي يكلف بها مرؤوسيه، بما لا يتيح لأحد استغفاله». ويضيف: «يتمتع الرجل بصرامة بغير قسوة، وحسم من دون طغيان، ويملك حس طرافة يستطيع به امتصاص القلق والتوتر».
ينحدر صالح المولود في عام 1949 من منطقة «حفير مشو» شمالي دنقلة بشمال السودان، وتلقى تعليمه بمدارس المنطقة، وفي عام 1971 دخل الكلية الحربية السودانية، وتخرج فيها ضابطاً في الدفعة الـ24، وبعد تخرجه عمل في سلاح المظلات، وهناك التقى الرئيس البشير ووقتها كان برتبة «النقيب»، وعملا معاً لأكثر من عشر سنوات اتسم خلال بانضباط شديد، وكان مسؤولاً عن إدارة تسليح القوة.
وبحكم قربه من الرئيس البشير، شارك في الانقلاب الذي أتى بالجبهة الإسلامية للحكم 1989، وأوكلت له إدارة التأمين، فعمل خلال الفترة 1990 – 1995 مديراً لجهاز الأمن، ثم وزيراً للداخلية 1995 – 1998، ومستشاراً أمنياً لرئيس الجمهورية في الوقت ذاته. تقلب في المناصب السيادية في الدولة إلى أن شغل منصب وزير شؤون الرئاسة 1998 – 2000، ثم وزيراً للدفاع 2000 – 2005، ثم وزيراً لشؤون الرئاسة 2005 – 2013.
ثم نائباً أول للرئيس منذ 6 ديسمبر (كانون الأول) 2013، خلفاً لرجل الإسلاميين الشهير علي عثمان محمد طه، بعد إعفائه وعدد من قادة الإسلاميين من وظائفهم، وأشهرهم رجل الحكم المثير للجدل ومساعد الرئيس نافع علي نافع، إلى أن صدر قرار تعيينه رئيساً للوزراء إلى جانب منصبه نائباً أولاً للرئيس في الثاني من مارس (آذار) الحالي.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.