دراسة تكشف {الدور المدمر} لـ {الحرس الثوري} في 14 دولة

يدير مباشرة سياسة طهران الخارجية في الإقليم... وأنفق نحو 100 مليار دولار على عملياته في سوريا وحدها

الحرس الثوري الإيراني يستعرض قواته في ذكرى الحرب الإيرانية ـ العراقية عام 2015 (أ.ف.ب)
الحرس الثوري الإيراني يستعرض قواته في ذكرى الحرب الإيرانية ـ العراقية عام 2015 (أ.ف.ب)
TT

دراسة تكشف {الدور المدمر} لـ {الحرس الثوري} في 14 دولة

الحرس الثوري الإيراني يستعرض قواته في ذكرى الحرب الإيرانية ـ العراقية عام 2015 (أ.ف.ب)
الحرس الثوري الإيراني يستعرض قواته في ذكرى الحرب الإيرانية ـ العراقية عام 2015 (أ.ف.ب)

كشفت دراسة أجرتها منظمتان حقوقيتان، مقرهما بروكسل، ملامح عن التدخلات «المدمرة» التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني في الشؤون الداخلية لـ14 دولة إسلامية في منطقة الشرق الأوسط، عبر ثلاثة عقود، تعكس هذه الأنشطة مختلف أشكال ودرجات هذا التدخل.
وأشارت الدراسة الصادرة عن الرابطة الأوروبية لحرية العراق (EIFA)، التي يرأسها ستروان ستيفنسون، ممثل اسكوتلندا السابق في البرلمان الأوروبي، واللجنة الدولية للبحث عن العدالة (ISJ)، وهما من المنظمات غير الحكومية التي تتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرا لها، إلى أن التدخل في شؤون الدول الإقليمية في المنطقة تم بصورة منهجية ومؤسساتية، من قبل كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني، واتخذت منهجا مكثفا اعتبارا من عام 2013 ووجدت لها زخما جديدا في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) الدولية.
وشارك في أعداد الدراسة، التي جاءت في 56 صفحة، عدد من النواب الأوروبيين السابقين، بينهم ستروان ستيفنسون، وأليخو فيدال، النائب السابق لرئيس البرلمان الأوروبي. وأثبتت الدراسة أن الحرس الثوري الإيراني متورط بصورة مباشرة في الاحتلال غير المعلن لأربع دول شرق أوسطية تحديدا، هي العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان. وهناك وجود عسكري مباشر ومكثف لقوات الحرس الثوري الإيراني في هذه الدول الأربع. وفي صيف عام 2016 كان هناك ما يقرب من 70 ألف جندي يعملون بالوكالة عن الحرس الثوري الإيراني وموجودين على الأراضي السورية.
ويتدخل الحرس الثوري الإيراني في الشؤون الداخلية لثماني دول بالمنطقة كذلك، أو هو يتآمر ضد حكومات هذه الدول. وهذه الدول تشمل العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، وفلسطين، والبحرين، ومصر، والأردن. وخلصت الدراسة إلى أنه على أساس المعلومات المتوفرة، زرع الحرس الثوري الإيراني أذرعا أو شبكات إرهابية تابعة له فيما لا يقل عن 12 دولة من دول المنطقة. وإحدى أبرز النتائج التي ذكرها التقرير كانت حقيقة مفادها أن الأنشطة الإرهابية المتعلقة بالحرس الثوري الإيراني قد وقعت في 13 من أصل 14 دولة من دول المنطقة.
كما أجرى الحرس الثوري الإيراني عمليات التجسس وجمع الاستخبارات في 12 دولة من دول المنطقة. وأغلب هذه الدول قد تمكنت من إلقاء القبض على أو حاكمت الجواسيس التابعين للنظام الإيراني. كما أرسل الحرس الثوري الإيراني الأسلحة والمتفجرات على نطاق واسع إلى كافة الدول الـ14 في المنطقة.
وكشف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في مؤتمره الصحافي المنعقد بتاريخ 14 فبراير (شباط) في العاصمة واشنطن، عن مقر الحرس الثوري الإيراني والمراكز الـ14 التابعة له، حيث يشرف على تدريب قوات المرتزقة الأجانب. وتم الحصول على تلك المعلومات عبر مصادر منظمة مجاهدين خلق الإيرانية داخل النظام الإيراني، بما في ذلك مصادرها داخل الحرس الثوري الإيراني نفسه. ووفقا لهذه المصادر، تنقسم معسكرات التدريب بناء على جنسيات المرتزقة المتدربين ونوعية التدريبات التي يتلقونها هناك. ويوفر الحرس الثوري الإيراني التدريب الإرهابي والعسكري للميليشيات، والتي تمكنهم من التسلل والاختراق وتعزيز أهداف النظام الإيراني الإقليمية.
وفي كل شهر، تتلقى المئات من القوات من العراق، وسوريا، واليمن، وأفغانستان، ولبنان - وهي الدول التي يشارك النظام الإيراني في حروب خطوط القتال الأمامية فيها - التدريبات العسكرية، ثم يتم إرسالهم بعد ذلك لشن الهجمات الإرهابية والمشاركة في الحروب المشتعلة في المنطقة. كما يتم تدريب المجموعات المصغرة في بلدان أخرى بغرض تنفيذ الهجمات الإرهابية. وفي يناير (كانون الثاني) من عام 2007 كشفت منظمة مجاهدين خلق الإيرانية عن تفاصيل تتعلق بنحو 32 ألف عميل عراقي تابعين للنظام الإيراني ويعملون داخل أراضي العراق، حسبما تذكر الدراسة.
وخلصت الدراسة كذلك إلى أن تدخل الحرس الثوري الإيراني في شؤون بلدان المنطقة غير مقتصر على المجال العسكري وأنه له دور أساسي في السياسة الخارجية للنظام الإيراني. وفي هيكل السلطة الحاكمة، يحدد المرشد الأعلى ملامح السياسة الخارجية، آية الله علي خامنئي. وعلى هذا النحو، فإن وضع وتنفيذ السياسات إزاء بعض البلدان يتم إحالته إلى الحرس الثوري الإيراني. وفي هذا الصدد، يتولى الحرس الثوري الإيراني السيطرة الفاعلة على السياسة الخارجية للنظام الإيراني عبر الكثير من السفارات الإيرانية في الخارج. ويمكن ضم سفارات النظام الإيراني في كل من العراق، وسوريا، ولبنان، وأفغانستان، واليمن، والبحرين، وأذربيجان، إلى هذه الشريحة.
وبالإضافة إلى الدول سالفة الذكر، يهيمن الحرس الثوري الإيراني على السياسة الإيرانية الخارجية فيما يتعلق بأرمينيا، وروسيا، وتركيا، والسعودية، والبحرين، والكويت، والإمارات، وقطر، وسلطنة عمان. وفي دول مثل العراق، وسوريا، وأفغانستان، فإن سفير النظام الإيراني يأتي ولا بد من بين صفوف الحرس الثوري الإيراني، أو يتم اختياره من بين الأفراد المقربين للغاية من قيادات الحرس الثوري الإيراني. ويتم ذلك على هذا النحو من أجل تمكين الحرس الثوري الإيراني من تنفيذ الأنشطة وتعزيز الأهداف عن طريق استغلال الفرص السانحة التي توفرها الحصانة الدبلوماسية للسفارات وموظفيها ولشخصية السفير نفسه.
على سبيل المثال، تم تعيين العميد إيراج مسجدي، رئيس مكتب شؤون العراق في الحرس الثوري الإيراني سفيرا للنظام الإيراني في العراق اعتبارا من يناير من عام 2017، وهو مستشار للجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، الذي كان مكلفا بقيادة القوات شبه العسكرية العراقية والتابعة للنظام الإيراني، والذي أشرف بنفسه على العمليات المنفذة ضد قوات التحالف الدولي في العراق، التي أسفرت عن مصرع المئات من جنود هذه القوات.
وأثبت التقرير أيضا أنه في حين أن الحرس الثوري الإيراني يعتبر القوة الاقتصادية الأكثر أهمية في إيران وكرس ثرواته المالية والاقتصادية للتدخل في شؤون الدول الأخرى في المنطقة، فإن النطاق الأوسع من التدخل تحول إلى أعباء مالية واقتصادية هائلة على عاتق الاقتصاد الإيراني المنهك للغاية.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، أنفق النظام في طهران ما يزيد على 100 مليار دولار على عمليات الحرس الثوري الإيراني في سوريا وحدها، وجانب كبير من هذه الأموال تم إرساله عبر مخصصات الميزانية السرية لمكتب المرشد الأعلى علي خامنئي. وأنفقت هذه الأموال على توفير الأسلحة وسداد نفقات الجيش الحكومي السوري. ويسدد النظام الإيراني مليار دولار سنويا في صورة رواتب للقوات التابعة للحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك القوات المسلحة، والميليشيات، والمواطنون الشيعة الذين يحميهم النظام السوري الحاكم. ويشرف العميد رستم قاسمي من الحرس الثوري الإيراني على مركز الإمدادات اللوجيستية للحرب في سوريا، كما أنه يشغل منصب الممثل الرسمي لتكتل خاتم الأنبياء المملوك بالكامل للحرس الثوري الإيراني. وفيما سبق، كان يشغل منصب قائد تكتل خاتم الأنبياء إلى جانب منصب وزير النفط في حكومة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد.
وهناك وحدة استخبارات تابعة للحرس الثوري الإيراني تعمل بالتوازي مع وزارة الاستخبارات الإيرانية. والأهم من ذلك، أن الحرس الثوري الإيراني قد عمل على توسيع أنشطته الاستخبارية في جميع أنحاء المنطقة، كما أنه أنشأ الكثير من المراكز الاستخبارية في عدد من بلدان المنطقة في الأشهر الأخيرة.
ووفقا للدراسة، فإن العملاء التابعين للحرس الثوري الإيراني غير مقتصرين على الجماعات الشيعية، حتى على الرغم من تركيز طهران على المواطنين الشيعة في مختلف بلدان المنطقة، لتصعيد التوترات الطائفية مع تجنيد القوات الموالية وإنشاء الجماعات المؤيدة والميليشيات المرتبطة ارتباطا وثيقا بالحرس الثوري الإيراني.
والقاسم المشترك بين الميليشيات التي شكلها الحرس الثوري الإيراني هو أنهم يعتبرون أنفسهم في محل السمع والطاعة العمياء لشخص المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي. وفي الوقت نفسه، عادت أعمال العنف والجرائم التي يرتكبها النظام الإيراني في المنطقة باسم حماية الشيعة، بردود فعل عنيفة، حيث أدت إلى صعود جماعات شديدة التطرف مثل تنظيم داعش الإرهابي الذي يصب غضبه ووحشيته في مختلف أرجاء العالم.



موسكو وطهران... أكبر من شراكة وأصغر من تحالف

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان يحضران حفل توقيع اتفاقية في موسكو يوم 17 يناير 2025 (رويترز)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان يحضران حفل توقيع اتفاقية في موسكو يوم 17 يناير 2025 (رويترز)
TT

موسكو وطهران... أكبر من شراكة وأصغر من تحالف

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان يحضران حفل توقيع اتفاقية في موسكو يوم 17 يناير 2025 (رويترز)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان يحضران حفل توقيع اتفاقية في موسكو يوم 17 يناير 2025 (رويترز)

بتوقيع اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» بين موسكو وطهران، تكون العلاقات بين البلدين دخلت مرحلة جديدة تتقارب فيها مصالح الطرفين إلى درجة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، لكن في موسكو ثمة شكوك حول «لهفة» طهران للانفتاح على الغرب.

وتضع الاتفاقية أساساً قانونياً لفتح مجالات واسعة للتعاون، تتخطى بدرجة كبيرة المساحة التي وفَّرتها اتفاقية التعاون المبرمة بين الطرفين في عام 2001، التي جاءت الوثيقة الجديدة لتحل مكانها.

خلال رُبع قرن تطوَّرت العلاقات كثيراً بين موسكو وطهران، وشهدت الأوضاع حول البلدين تحولات كبرى دفعت، وفقاً للطرفين، إلى إعادة النظر بمجمل أسس التعاون، بما يفتح على آفاق جديدة لسنوات طويلة مقبلة. لكن الطريق نحو إبرام الاتفاقية الجديدة لم يكن سالكاً دوماً، ومرت الاتفاقية بعراقيل كثيرة، وشهدت تطورات وضعت علامات استفهام كبرى حول قدرة البلدين على إطلاق تحالف كامل.

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان يصلان لحضور حفل توقيع بعد محادثاتهما بموسكو في 17 يناير 2025 (أ.ب)

على سبيل المثال، فإن الموقف الروسي من التطورات التي رافقت حرب كاراباخ الثانية التي أضرت كثيراً بمكاسب إيران الإقليمية، أثار شكوكاً واسعة لدى أوساط إيرانية بمكانة موسكو بوصفها شريكاً استراتيجياً يمكن الوثوق به. والأمر نفسه انسحب بعد تطورات الوضع في سوريا التي عمل فيها الطرفان بوصفهما شريكين أساسيين.

في المقابل، نظرت أوساط روسية بعين الشك دائماً إلى تلهف دوائر إيرانية لفتح قنوات اتصال مع الغرب، ومحاولات التوصُّل إلى توافقات تطبيع قد تنعكس سلباً على المصالح الروسية.

لذلك، كان اختيار توقيت إبرام الاتفاقية الجديدة لافتاً للأنظار. وقد تمَّ تحديد الموعد بعد تأجيل لأكثر من مرة، وكان محدداً في وقت سابق أن يتم التوقيع خلال أعمال قمة «بريكس» في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قبل الإعلان عن زيارة خاصة سيقوم بها الرئيس مسعود بزشكيان إلى موسكو أواخر العام لهذا الغرض.

لكن الزيارة لم تتم، وسربت أوساط روسية معطيات حول أن الرئيس فلاديمير بوتين قد يكون تعمد إرجاء الموعد لأنه لم يرغب في توقيع اتفاقية بهذا الحجم مع إيران قبل تسلم الرئيس دونالد ترمب مهامه في البيت الأبيض، ورغم ذلك تم لاحقاً اختيار التوقيت في موعد لافت قبل 3 أيام فقط من هذا الاستحقاق.

يقول خبراء إن موسكو وطهران سرّعتا خطواتهما بعد التطورات التي غيَّرت الوضع في سوريا، بما انعكس على مكانة ونفوذ كل من روسيا وإيران في المنطقة. كما أن موسكو، التي انتظرت أن تعلن الإدارة الجديدة في واشنطن خطوات محددة تجاه الملف الأوكراني، لا تبدو واثقة بقدرة الرئيس الذي وعد بإنهاء الحرب سريعاً، على وضع التسوية الأوكرانية بشكل يلبي المصالح الروسية بين أولوياته الأبرز، وبهذا المعنى فقد اختار الطرفان ترتيب أوراقهما بشكل يعزز مواقفهما التفاوضية لاحقاً.

لكن، هناك متغيرات وقعت في نص الوثيقة التي نشر موقع الرئاسة الروسية نسخةً منها، دلَّت على عدم رغبة موسكو في الذهاب بعيداً نحو تحدي الإدارة الأميركية الجديدة.

ومثلاً، كانت موسكو قد أعلنت، قبل أسابيع قليلة، أن الاتفاقية سوف تشتمل بنداً ينص على «الدفاع المشترك» أسوة باتفاقية مماثلة وقَّعتها موسكو مع بيونغ يانغ منتصف العام الماضي. لكن هذا البند غاب عن نص الاتفاقية وحلَّ مكانه بند يؤكد أنه «في حال تعرُّض أحد الطرفين لاعتداء خارجي يلتزم الطرفان بعدم تقديم أي نوع من المساعدة للمعتدي». وبدا واضحاً أن موسكو سعت إلى عدم منح الاتفاقية بعداً يمكن تفسيره بأن الاتفاقية تُشكِّل مقدمةً لتطوير تحالف عسكري كامل.

الرئيسان الروسي والإيراني بوتين وبزشكيان يتصافحان بمناسبة زيارة الثاني الرسمية إلى موسكو (أ.ب)

نص الاتفاقية

تغطي الاتفاقية في 47 بنداً نطاق التفاعلات بين البلدين؛ من التجارة والطاقة إلى التعليم والسياحة. وتولي اهتماماً خاصاً للطاقة النووية السلمية، وهو القطاع الذي تستعد طهران لخوض معارك دبلوماسية خطيرة بشأنه قريباً.

وبالإضافة إلى ذلك، وضعت كل من موسكو وطهران خططاً محددة لتحسين طريق التجارة بين الشمال والجنوب. وتبين أيضاً أنه على الرغم من تقارير بعض المصادر بأن القطاع الأمني لن يتأثر بالاتفاق، فإن التعاون في هذا المجال منصوص عليه على نطاق واسع إلى حد ما في نقاط عدة، لكن في الوقت نفسه، لا تحوّل الوثيقة الشراكة بين البلدين إلى تحالف عسكري.

بعد الديباجة الواسعة التي تحدَّثت عن البُعد التاريخي للعلاقات بين البلدين، واستندت إلى اتفاقيتين سابقتين: واحدة أبرمت في العهد السوفياتي، والثانية في عام 2001، أكدت بنود الوثيقة الجديدة التزام الطرفين باتباع سياسات قائمة على الاحترام المتبادل للمصالح الوطنية والأمنية، ومبادئ التعددية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، ورفض الأحادية القطبية والهيمنة. وأشارت في البند الثاني إلى تعزيز العلاقات على أساس مبادئ المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والاستقلال، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل منهما، واحترام السيادة، والتعاون، والثقة المتبادلة.

وفي تركيز متعمد على التعاون العسكري، حملت الوثيقة توضيحاً محدداً لأشكال التعاون، من البند الثالث إلى البند السابع، نصَّ على تأكيد أنه في حالة تعرُّض أحد الطرفين لعدوان، لا يقدم الطرف الآخر أي مساعدة عسكرية أو غيرها للمعتدي من شأنها أن تسهِّل استمرار العدوان، ولا يسمح الطرفان باستخدام أراضيهما لغرض دعم الحركات الانفصالية وغيرها من الأعمال التي تهدد استقرار وسلامة البلد الآخر.

وتم التأكيد على تعزيز الأمن الوطني ومواجهة التهديدات المشتركة، وتنظيم تبادل أجهزة الاستخبارات وأمن المعلومات والخبرات.

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان يحضران حفل توقيع في الكرملين بموسكو يوم 17 يناير 2025 (أ.ب)

تعاون عسكري

كان لافتاً أن الاتفاقية نصَّت على إمكان إبرام اتفاقات منفصلة ملحقة بالاتفاقية الاستراتيجية، تحدد أوجه التعاون الأمني. وهذا النص تكرر في أكثر من موقع وتحدَّث عن أوجه التعاون العسكري والأمني.

ووفقاً للاتفاقية، يشمل التعاون العسكري مجموعةً واسعةً من القضايا، بما في ذلك تبادل الوفود العسكرية والخبراء، وزيارات السفن والبواخر العسكرية إلى مواني الطرفين، وتدريب الأفراد العسكريين، وتبادل الطلاب والمعلمين، والمشارَكة في المؤتمرات والندوات الدولية، والمشاركة في المعارض الدفاعية الدولية.

كما يتعاون الطرفان، بشكل وثيق، في إجراء تدريبات عسكرية مشتركة دورية على أراضي الطرفَين المتعاقدَين وخارج حدودهما، مع مراعاة معايير القانون الدولي.

وأكدت على تعزيز التشاور والتعاون في مجال مواجهة التهديدات العسكرية المشتركة، والتهديدات الأمنية ذات الطبيعة الثنائية والإقليمية.

ورأت الوثيقة أن التعاون العسكري يُنظر إليه من جانب موسكو وطهران بوصفه «عنصراً مهماً في الحفاظ على الأمن الإقليمي والعالمي».

ونصَّت بنود أخرى على التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب، وتعزيز التنسيق على مستوى وزارتَي الداخلية، ونشاط أجهزة الأمن العام في البلدين.

وأكدت على تطوير التعاون في جميع المجالات القانونية، خصوصاً في تقديم المساعدة القانونية بالقضايا المدنية والجنائية.

كما شدَّدت على التعاون بشكل وثيق بشأن قضايا ضبط الأسلحة ونزع السلاح، وعدم الانتشار، وضمان الأمن الدولي في إطار المعاهدات الدولية ذات الصلة.

وشملت بنود أخرى آليات لتنظيم تعاون في مجال المعلومات والاتصالات ووسائل الإعلام والتقنيات الحديثة والإنترنت والرقمنة.

في ملفات السياسة الإقليمية، أفردت الاتفاقية مساحةً خاصةً لتأكيد التعاون في منطقة حوض قزوين، على أساس مبدأ عدم وجود قوات مسلحة غير تابعة للدول الساحلية في بحر قزوين، فضلاً عن ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.

وتم تأكيد التعاون على مواجهة أي إملاءات خارجية، وتنظيم العمل المشترك لمواجهة التحديات الناشئة. وأُفردت بنود أخرى لتعزيز التعاون في مجال الطاقة النووية والاستخدامات السلمية لها.

وتوقفت بنود عدة عند آليات تطوير التعاون التجاري والاقتصادي، وتأمين شبكات النقل والإمداد، وتعزيز التبادلات التجارية، والتعاون في مجال تطوير الاعتماد على العملات الوطنية، وغيرها من المسائل التي تضع أسساً قانونية للتبادل التجاري والاقتصادي، وتكافح العقوبات الأحادية من جانب الغرب وترسم ملامح أوسع لأطر التعاون الممكنة.

عموماً، شملت الاتفاقية كل مناحي التعاون السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري والثقافي، لكن كان لافتاً أن الوثيقة التي تحدَّثت عن الاعتماد الكامل على موارد البلدين، والانتقال الكامل إلى استخدام العملات الوطنية فقط في التبادلات، وتطوير تعليم اللغتين الروسية والفارسية في البلدين، وضعت في بندها الأخير إشارةً إلى أن الطرفين «إذا برزت بينهما خلافات أو تباينات في تفسير أي من بنود الاتفاقية، فسوف يعتمدان على التفسير الوارد في النسخة الإنجليزية للوثيقة».