تسريبات واتهامات وتباين أولويات وراء التوتر المصري ـ الفلسطيني

تسريبات واتهامات وتباين أولويات وراء التوتر المصري ـ الفلسطيني
TT

تسريبات واتهامات وتباين أولويات وراء التوتر المصري ـ الفلسطيني

تسريبات واتهامات وتباين أولويات وراء التوتر المصري ـ الفلسطيني

كشفت مصادر فلسطينية مطلعة على ملف العلاقات مع مصر أسباب التوتر الذي ظهر الأسبوع الماضي، حين منعت القاهرة دخول القيادي في حركة فتح جبريل الرجوب، مشيرة إلى أنها متنوعة، وتخص أكثر من ملف.
وأوضحت المصادر أن الخلاف الرئيسي بدأ مبكراً مع رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس محاولات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمصالحته مع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، وزاد مع رفض الفلسطينيين المشاركة في مسار السلام الإقليمي الذي عرضت مصر استضافة قمة في شأنه، ثم تعمق بعد تسريب تسجيلات لمسؤولين فلسطينيين هاجموا دور القاهرة، وبدأ يتحول إلى أزمة مع صد السلطة مساعي الرباعية العربية في الشأن الفلسطيني، وتحديداً موضوع إعادة دحلان، وإطلاقها حملة تحت عنوان «القرار الفلسطيني المستقل» في مواجهة هذه التحركات، قبل أن تتراجع مصر عن تقديم مشروع لمجلس الأمن في شأن الاستيطان من دون استشارة السلطة، وهو ما زاد الأمور سوءاً.
ورغم محاولة الطرفين الفلسطيني والمصري إبقاء هذا التوتر مكتوماً، فإن منع السلطات المصرية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، الأسبوع الماضي، من دخول القاهرة، وترحيله فوراً إلى الأردن، أخرج هذا التوتر إلى العلن. وقد كان الرجوب مدعواً للمشاركة في المؤتمر الوزاري العربي حول الإرهاب. وتعتقد المصادر الفلسطينية التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط» أن منعه «مرتبط بمواجهته محاولات عربية لإعادة دحلان إلى صفوف الحركة». وكان دحلان قد اتهم الرجوب بـ«تخريب جهود المصالحة» التي رفضها الرئيس عباس لاحقاً. وأوضحت المصادر أن مسؤولين مصريين «برروا المنع بهجوم شنه الرجوب على الرباعية والرئيس السيسي». وكان منع الرجوب الذي تزامن مع السماح لدحلان بإقامة مؤتمرات لمعارضي السلطة، إشارة مهمة إلى تدهور العلاقات، تبعها هجوم فلسطيني على «عواصم متآمرة على الشرعية»، بينها القاهرة. وهاجم مسؤول فلسطيني بشكل غير مسبوق، الأحد الماضي، الاجتماعات التي عقدت خلال الأسابيع الماضية في عواصم عربية وإقليمية، بينها القاهرة، معتبراً أنها «مؤامرة». وتساءل المفوض السياسي العام الناطق باسم المؤسسة الأمنية، اللواء عدنان الضميري: «ماذا يسمى عقد 4 اجتماعات في طهران وإسطنبول ومصر، بمشاركة كثير من الفلسطينيين الذين لا يحملون أي صفات تمثيلية، والذين تمت دعوتهم إلى هناك بشكل سري؟!»، قبل أن يجيب: «هذه بالتأكيد ليست صدفة؛ هي محاولة يائسة للبحث عن بدائل لمنظمة التحرير، والنيل من مكانتها، وبالتالي تمرير مخططات سياسية لا تخدم غير الاحتلال».
وأضاف في اجتماع أمني أن «القضية الوطنية تتعرض إلى مؤامرة تستهدف النيل من الشرعيات الفلسطينية، خصوصاً منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في أماكن وجوده كافة». وهذا أول تصريح من نوعه لمسؤول فلسطيني ضد مصر، في اعتراف واضح بالخلافات، بعدما ظلت مكتومة لوقت طويل. والعلاقة بين السلطة وتركيا وإيران متوترة منذ سنوات طويلة بسبب اتهاماتها لهاتين الدولتين بدعم حركة حماس، وتعزيز الانقسام، لكنها في الوقت نفسه كانت ممتازة مع مصر، حتى ساءت أخيراً، لكن من دون اتهامات علنية. ونشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية تقريراً عن الخلاف بين السلطة والقاهرة، قالت فيه إن رفض عباس حضور قمة إقليمية في مصر أدى إلى توتر في العلاقة مع السيسي. ونقلت عن مسؤول فلسطيني قوله: «كان واضحاً للقيادة الفلسطينية أنه لا نيات حقيقية للدفع بهذه العملية. والاعتقاد أنه من خلال مصر يمكن التحرك في هذا الاتجاه الهام، هو اعتقاد خاطئ من أساسه، سواء من الجانب المصري أو من جانب (وزير الخارجية الأميركي السابق جون) كيري نفسه».
وأضاف المسؤول: «ندرك أن لمصر مصلحة، لكننا لن نوافق على أن تكون هذه المصلحة على حساب المصالح القومية الفلسطينية».
وكانت السلطة قد رفضت صراحة أي مسارات إقليمية لحل القضية الفلسطينية. ويقول المسؤولون في رام الله إن أي تدخل عربي يجب أن يكون على أساس مبادرة السلام العربية، ويعتقدون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاول كسب الوقت في آخر أيام الإدارة الأميركية السابقة، من خلال الموافقة على مبادرة إقليمية «للقضاء على مبادرة السلام العربية». وبسبب هذا التوتر بين مصر ورام الله، تحسنت علاقة القاهرة مع دحلان، وكذلك مع حماس. ونجح دحلان في إقامة 3 مؤتمرات في القاهرة التي بدأت باستقبال وفود الحركة، وخففت الإجراءات على معبر رفح البري مع غزة. ويقر مسؤولون في السلطة بأن هذا التحول في السياسة المصرية «نابع من عدم التفاهم القائم بين عباس والسيسي».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.