متحف للفن المصري في ميونيخ يجذب المكفوفين بدليل صوتي مميز

لمس القطع الأثرية يسرد تفاصيل للمجسمات لا يلتفت إليها المبصرون

قطع أثرية في المتحف
قطع أثرية في المتحف
TT

متحف للفن المصري في ميونيخ يجذب المكفوفين بدليل صوتي مميز

قطع أثرية في المتحف
قطع أثرية في المتحف

عندما كانت في الرابعة من عمرها بدأت زابينه فريدريش فقد قدرتها على الإبصار، ومنذ بلوغها الخامسة والأربعين لم تعد قادرة على رؤية أي شيء. وكانت نسبة الإبصار لديها لا تتجاوز اثنين في المائة في معظم أوقات حياتها، لكن هذه النسبة البسيطة مكنتها من تمييز الألوان على الأقل.
وفي متحف الدولة للفن المصري بمدينة ميونيخ الألمانية تشارك فريدريش في مشروع تراه امتيازاً كبيراً لها، فالمشروع يسمح لها بتحسس الكثير من القطع الأثرية بيديها.
هذا الامتياز يروق لهذه السيدة الفضولية بشدة. «دعني أنظر هنا لبرهة قصيرة»، هكذا تقول فريدريش على الفور بمجرد اقتيادها أمام القطعة الأثرية التالية. تضحك فريدريش وتدع المساعدين يضعون يديها على مجسم فرعوني في وضع الركوع. ركبة مربعة وعضلات بارزة - عقب ثوان معدودة من لمسها القطع الأثرية تسرد فريدريش تفاصيل للمجسمات لا يلتفت إليها المبصرون المحيطون بها. وبعد تفحص المجسم باليدين تبدأ فريدريش في سماع الشرح التقني للمجسم.
وتسجل فريدريش مع خمسة مكفوفين آخرين حالياً كل الانطباعات والتفاصيل التي يستشعرونها عند ملامسة القطع الأثرية في المتحف في إطار المشروع الذي يهدف إلى توفير دليل صوتي يمكّن المكفوفين الآخرين من القيام بزيارة مميزة للمتحف دون الحاجة إلى مرافق، حيث سيقدم لهم الدليل وصفاً تفصيلياً للقطع المعروضة قد لا يكتشفها الكثير من زوار المتحف المبصرين مطلقاً.
تقول مديرة المشروع منى هورنكاستله: «لم ألحظ مطلقاً أن تماثيل حورس تبدو كما لو كانت ترتدي سروالاً قصيراً... يوفر هذا المشروع معلومات وانطباعات مميزة للزائرين المكفوفين لم يكن من الممكن الحصول عليها إلا بملامسة القطع المعروضة. لكن ليس بإمكاننا الآن أن نسمح للجميع بملامسة كل المعروضات».
ويمثل مشروع المكفوفين لمتحف الدولة للفن المصري في ميونيخ خطوة جديدة في إطار نشاطه في مجال الإدماج المجتمعي. ويتلقى المتحف بالفعل حالياً الكثير من الإشادات على اهتمامه بالأمور المتعلقة بمجال الإتاحة.
يقول رئيس جمعية «السياحة للجميع» ومفوض الشؤون السياحية للاتحاد الألماني للمكفوفين روديجر لايدنر: «متحف الدولة للفن المصري نموذج رائع، لأن هناك أمورا تم تنظيمها لصالح عدة فئات من الزائرين». وحصل المتحف على تصنيف مميز في الاعتماد الخاص بمشروع «الرحلات للجميع»، حيث أوضح لايدنر أن متحفين فقط من بين 53 متحفا شملها الفحص يقدمان معلومات مكتوبة بطريقة المكفوفين، أحدهما متحف الفن المصري في ميونيخ.
وقالت روكسانه بيكر الخبيرة في التربية المتحفية لدى متحف الفن المصري: «نريد أن نعرف المزيد عما يحتاجه المكفوفون في مجال الإتاحة. إننا مهتمون بتوسيع عروضنا». وترافق بيكر المكفوفين في أرجاء المتحف وتزودهم بمعلومات متخصصة عن القطع المعروضة.
وتقوم مديرة المشروع منى هورنكاستله بالجمع بين المعلومات المتخصصة والانطباعات والوصف التفصيلي للمكفوفين الستة من أجل كتابة أول البرامج النصية للدليل الصوتي للمكفوفين، والذي من المنتظر إتاحته في المتحف نهاية هذا العام.
ورغم أن هذه الخدمة تستهدف المكفوفين، فإنها من الممكن أن تمثل إثراء للمبصرين أيضاً. فعلى سبيل المثال تنظر مديرة المشروع هورنكاستله، التي عملت في المتحف من قبل مع مجموعات تعاني من الصمم، إلى القطع الفنية المعروضة في المتحف بصورة مختلفة الآن.
تقول هورنكاستله: «أعتقد أنني أصبحت أكثر حساسية ودقة. هذا المشروع سيكون له أثر ملموس على عملنا هنا في المتحف». وتنصح ليفيا بوني - هوفمان، إحدى المكفوفات المشاركات في المشروع، أيضاً بمشاهدة المعروضات من كل جوانبها.
تقول بوني - هوفمان: «اكتشفت فجأة خلال تحسسي لأحد تماثيل (أبو الهول) وجود شيء مستدير خلف فخذيه. هذا الشيء ربما لا ينتمي للمخلوقات الأنثوية». ومنذ ذلك الحين استطاعت بوني - هوفمان ملاحظة أن تماثيل «أبو الهول» المصرية - التي تكون في الغالب على هيئة أسد برأس فرعون - ذكورية دائماً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».