بين حديقة الفيلا والقبو... مدنيون يعانون في غرب الموصل

جنود يحتمون بالمنازل في القتال ضد «داعش»

بين حديقة الفيلا والقبو... مدنيون يعانون في غرب الموصل
TT

بين حديقة الفيلا والقبو... مدنيون يعانون في غرب الموصل

بين حديقة الفيلا والقبو... مدنيون يعانون في غرب الموصل

في حديقة فيلا جميلة في غرب الموصل وغير بعيد من جبهة القتال، يقبع ثلاثة جنود عراقيين على سلم من الحجارة. في الأثناء يتناول أبو مريم وأسرته وجبتهم في القبو الذي يعيشون فيه منذ ثلاثة أشهر.
يقع منزل هذا الموظف (46 عاما) عند أسفل الجسر الرابع الذي انقسم نصفين في نهر دجلة، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. واستعادت القوات العراقية مؤخراً هذا الجسر وتحاول التقدم في غرب الموصل لطرد المتطرفين وذلك بعدما استعادت نهاية يناير (كانون الثاني) كامل أحياء شرق الموصل. وبدت في المنازل الأنيقة للحي المقفر نوافذ مدمرة وأبواب مقتلعة. ونادراً ما تظهر وجوه أطفال من خلف النوافذ. وفي بهو مرآب بدت سيارة متفحمة، وفي آخر ثلاث جثث لمسلحين متطرفين منبطحين.
قال أبو مريم الذي كان يرتدي سروالاً فاتحاً وسترة سوداء «أخشى أن تسقط علينا قذيفة». وأثناء حديثه دوى انفجاران اهتزت لهما جدران المنزل الذي فقد كل زجاجه. تخلى أبو مريم وزوجته وأطفالهما الثلاثة (أصغرهم عمرها أربعة أشهر) وجارة في الثمانين من العمر يؤوونها منذ 15 يوماً، عن مطبخ الفيلا الفسيح وصالونها الأنيق وشاشة التلفاز المسطحة المعلقة على الجدار والغرف الفسيحة في الطابق الأرضي، ليحتموا بالقبو.
في الحديقة يرتاح الجنود ويرتشفون شايا أعده أبو مريم. واتخذ جندي موقعاً له على أرجوحة من الحديد الأبيض. واجتاحت عشب الحديقة قوارير مياه فارغة من البلاستيك وعلب البوليستيرين التي جلبوا فيها وجباتهم. ويؤكد أبو مريم: «لقد فتشوا المنزل عند وصولهم، إنهم مهذبون». وفي ركن من القبو رصفت أربعة أسرة جنباً إلى جنب قبالة تلفاز صغير يبث أخباراً.
وفي الجانب الآخر من الغرفة وضعت عشرات من قوارير ماء الشرب على طاولة مطبخ وضعت عليها أيضاً أكياس أرز وبرغل. ووضع موقد غاز على الأرض للطبخ. يقول أبو مريم: «لا نصعد إلا عند الذهاب للحمام منذ ثلاثة أشهر مع بدء سقوط القذائف على المنطقة». وسقطت قذيفتان على السطح وثالثة في الحديقة.
وتقول الجارة سهير (82 عاماً) مستلقية على سريرها واضعة شالا على كتفيها أنها لم ترغب في مغادرة البيت الذي تقيم فيه منذ أربعين عاماً. وقالت ناظرة المدرسة المتقاعدة إن أقاربها «رجوني مراراً (أن أغادر) لكنني لا أشعر بالراحة إلا في بيتي ولا أريد أن أكون عبئاً» على أحد. لكنها رضخت مع اقتراب القصف وقبلت الانضمام إلى أسرة أبو مريم، «قلت لنفسي (سأموت وحيدة)».
مثل كثيرين من سكان الموصل يقول أبو مريم إنه شعر بالراحة للتخلص من المتطرفين الذين احتلوا الموصل في يونيو (حزيران) 2014. وأوضح الرجل الذي رفض تصويره خشية الانتقام «مع داعش كان الوضع رهيباً. هم يحاسبونك على كل شيء: لحيتك وملابسك وطريقة سيرك». وأضاف: «مرة سألوني لماذا ترتدي ابنتي سروالا مع أنها ترتدي فوقه عباءة طويلة وغطاء رأس. إنها في العاشرة من العمر!!»، مشيراً إلى مريم. وأكد: «نريد أن تتحرر الموصل بأسرها وأن نستعيد الأمن».
خارج المنزل تحتدم المعارك. وعلى بعد أمتار أطلقت قوات الأمن النار على سيارة مفخخة لتنفجر مخلفة ألسنة لهب هائلة. وبعد دقائق من ذلك أطلق جنديان جاثيان على عشب حديقة أبو مريم النار بكثافة في السماء على طائرة بلا طيار أرسلها المسلحون «الجهاديون» لإلقاء متفجرات.
ثم ساد هدوء نسبي ليظهر أبو مريم في عند منعطف طريق قائلاً: «الأطفال يشعرون بالخوف، سنذهب لقضاء ليلة أو اثنتين عند جيراننا في شارع خلفنا».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.