فرهادي هزم ترمب في جولة الأوسكار

تباين بين الصحف الإيرانية المعتدلة والمحافظة حول دبلوماسية السينما والثقافة

فرهادي هزم ترمب في جولة الأوسكار
TT

فرهادي هزم ترمب في جولة الأوسكار

فرهادي هزم ترمب في جولة الأوسكار

انتظر المواطن الإيراني 24 ساعة بعد إعلان فوز المخرج أصغر فرهادي للمرة الثانية بجائرة أفضل فيلم أجنبي لقراءة تفاعل الصحف الإيرانية مع الحدث العالمي، وهو ما ترك أثره بشكل واضح على معظم الصفحات الأولى والداخلية. ويمكن القول إن الثلاثاء الماضي كان يوم فرهادي بامتياز، عبر سيطرة صورته على الصفحات الأولى والصفحات الداخلية لمعظم الصحف الإيرانية، بما فيها صحف المحافظين، وخطف الحدث اهتمام الصحف الإيرانية يومي الأربعاء والخميس، كما كان خطاب المخرج يوم الجمعة وانتقاداته الضمنية لقيود السينما في إيران من العناوين الطاغية، أمس (السبت)، تحت عنوان «السينما اليوم لا تعترف بالحدود».
وبينما انقسمت الصحف في اختيار الصورة على الصفحة الأولى، فإن أغلب تلك الصحف اتفقت على أن الجدل الواسع بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول الهجرة، وقرار المخرج أصغر فرهادي مقاطعة حفل جوائز الأوسكار، منح الأفضلية لفيلم «البائع».
وكان فرهادي أعلن قبل أيام من الجائزة أن عالم «ناسا» الإيراني الأصل فيروز نادري، والمهندسة الإيرانية انوشة أنصاري (التي كانت أول امرأة ذهبت في رحلة سياحية إلى الفضاء عام 2006) هما بحد ذاتهما رسالة مفادها أن على الإدارة الأميركية ألا تضع الشعب الإيراني في خانة واحدة مع النظام أو مع مؤسساته التي تثير المخاوف الدولية، كما أنها في جانبها الأهم تظهر أن أكثر من مليون إيراني منخرط في الحياة في أميركا، وحقق نجاحات علمية وثقافية.
وبدورها، اختارت الصحف المؤيدة لسياسة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وهي بطبيعة الحال ترحب بالانفتاح الإيراني، وتنمية العلاقات مع الغرب، أن تضرب عصفورين بحجر واحد، من خلال اختيارها لصورة أنصاري ونادري؛ فأولاً أعلنت الموقف ذاته الذي حاول فرهادي إيصاله من خلال هذا الاختيار، وثانيًا الاحتفاء بصورة سيدة إيرانية ناجحة على الصفحات الأولى وهي من دون حجاب، وهو الوتر الذي حاول فيلم فرهادي العزف عليه، من خلال التحايل على الحجاب وكسر التابوهات، وهو ما ظهر بشكل واضح في مشاهد مشاركة البطين في مسرحية آرثر ميلر، وهي الملاحظة الأهم التي غابت عن الصحف الإيرانية والعربية التي تفاعلت مع الحدث وعن نقاد السينما.
وكانت صحيفة «آفتاب يزد» أبرز الصحف التي خصصت الصفحة الأولى للحظة تتويج الفيلم، كما لفتت الأنظار في عنوان بارز إلى «الدبلوماسية الثقافية»، في إشارة إلى القيود التي تعاني من صناعة السينما في إيران، وهو ما اتضح في احتفاء أهل السينما بأصغر فرهادي يوم الجمعة، الذي أعرب عن أمله بأن تكون الظروف مواتية لبقائه للعمل في إيران، والابتعاد عن فكرة الهجرة، وهو ما نقلته صحافة، أمس (السبت)، على لسان المخرج الإيراني.
ورأت الصحيفة أهم لحظات تتويج فرهادي قراءة رسالته لإيصال فكرته إلى الرأي العام العالمي وذلك عبر اثنين من النخبة الإيرانية.
ورافق الصدى الواسع لفوز فيلم سينمائي جدل واسع عبر مواقع التواصل استناداً إلى ما قالته الصحف الإيرانية، وذلك في إطلاق مقارنة بين ما فعله فرهادي عبر فيلمه في مهرجانات عالمية وما يفعله جنرالات الحرس الثوري عبر تجريب الصواريخ وترويع العالم.
من جانبها، حشدت صحيفة الإصلاحيين الأولى في إيران «شرق» أكثر من 25 شخصية فنية وثقافية وسياسية بارزة، للاحتفاء بفوز فرهادي، وكانت الصحيفة كالعادة الأكثر جودة على المستوى الإيراني في التعامل مع الأحداث الثقافية الكبيرة، مثلما هي على الصعيد السياسي والفكري في إيران، فهي تكاد تكون صحيفة النخبة، إن صح التعبير.
وخصصت «شرق» النصف الأول من صفحتها الأولى لصورة فرهادي، وهو يسند يده على صندوق بني اللون، وكتبت فوقه «جائزة ضد اليمين المتطرف».
بدورها صحيفة «آرمان» الإصلاحية، اعتبرت في عنوانها الرئيسي فوز الفيلم رسالة عالمية موحدة ضد قرار ترمب المثير للجدل حول الهجرة، وهي رسالة (حسب الصحيفة) ذات أبعاد مختلفة يمكن تحليل كل جزء منها بمعزل عن الآخر.
لكن الصحيفة المختصة بالأخبار الثقافية والاجتماعية أطلقت على فرهادي في عنوان الصفحة الأولى لقب «الاستراتيجي». باعتقاد الصحيفة أن المخرج تابَعَ أسلوباً ذكياً ودقيقاً للتقدم خطوة خطوة، حتى الفوز بجائزة أوسكار للمرة الثانية.
على الصعيد ذاته، وجهت صحيفة «جهان صنعت» كلمة شكر إلى ترمب، لأنه (بحسب الصحيفة) منذ دخوله إلى البيت الأبيض ضاعف حظوظ فرهادي مقابل منافسيه للفوز بالجائزة. ووفق الصحيفة، فإن استطلاعات الرأي كانت تظهر فوز توني اردمان قبل ترمب.
أما الصحف الإصلاحية والمعتدلة الأخرى اختارت رسوم البورتريه من فرهادي، وهو يمسك بيده جائزة الأوسكار، وذلك بسبب غيابه عن الحفل، واللافت في صحيفة «نوآوران»، نشرها رسماً لفرهادي وهو يمسك بيده تمثال الأوسكار.
وكما اتضح في الصورة، فإن ريشة الرسام أبدعت برسم صورة التمثال على هيئة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
في الوقت ذاته، كتبت صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة أن فرهادي بحصوله على جائزتَي «أوسكار» حجز مكاناً له بين أشهر مخرجي العالم، وهو حدث نادر لا سيما في ظل الأوضاع المتوترة بين البيت الأبيض وطهران. ورأت الصحيفة أن فوز فرهادي رجح كفة إيران في وسائل الإعلام العالمية، وهو ما حسّن صورة إيران الثقافية والاجتماعية.
من جهة ثانية، اتفقت الصحف المحافظة بشكل كبير مع الصحف الإصلاحية على أن الجائزة سياسية بامتياز، لكنها اختلفت معها عندما قالت إن حكومة ترمب هي مَن خطط لذلك، كما أن الصحف المقربة، مثل «جوان» التابعة للحرس الثوري، حاولت التقليل من أهمية الجائزة، لأن شركة قطرية كانت من بين الممولين الأساسيين للفيلم، وبسبب توتر العلاقة بين الدوحة وطهران، أشارت إلى أن لجنة التحكيم تأثرت بالمستثمرين، وخلصت «كيهان» الرسمية إلى أن الفيلم فاز بتوصية قطرية أوروبية، لأنه يتناول المجتمع الإيراني.
صحيفة «جوان» الناطقة باسم الحرس الثوري اعتبرت الأجواء الأمنية المشحونة ضد ترمب كانت سبباً في فوز فرهادي بجائزة أوسكار، وقالت إن المخرج الإيراني فاز للمرة الثانية في أكثر ليالي السياسة في الأوسكار.



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».