تسريبات الساسة للصحافيين سلاح ذو حدين

في الأسبوع الماضي، نقلت وكالة «رويترز» تصريحات سرية أدلى بها ستيفن مونشين، وزير الخزانة الجديد، في أول اجتماع له مع مساعديه ومستشاريه. قال لهم إنه لن يقبل تسريب أي معلومات من الوزارة إلى الصحافيين. وهدد بأنه سيأمر بتفتيش تليفونات وكومبيوترات كل من يشك في أنه يسرب هذه المعلومات، عندما سألت الوكالة المتحدث باسم الوزارة، قال، في بيان مكتوب: «ناقش الوزير منع مشاركة صحافيين، أو غيرهم، معلومات الوزارة من دون إذن». ونفى المتحدث أن الوزير تحدث عن مراقبة التليفونات والكومبيوترات. ولم يسأل المتحدث الوكالة كيف تسرب إليها خبر ما حدث في الاجتماع.
ونقلت الوكالة تصريحات مسؤولين في وزارة الأمن لها بأن الوزارة تجري تحقيقا لمعرفة طريقة تسريب تقرير كان الوزير كتبه عن منع دخول مواطني سبع دول إسلامية. ونقلت تصريحات مسؤولين في وزارات ومصالح أخرى طلبوا عدم نشر أسمائهم أو وظائفهم، وتحدثوا عن «أجواء توتر وقلق» بسبب تركيز إدارة الرئيس ترمب على موضوع تسرب المعلومات الرسمية.
منذ العام الماضي، عندما كثف دونالد ترمب، المرشح الرئاسي في ذلك الوقت، حملته ضد الصحافيين، استعمل كلمات مثل: «كذب» و«تزوير» و«فساد». وكرر في تغريداته في موقع «تويتر» عبارة «فيك نيوز» (أخبار مزورة).
بعد أن صار رئيسا، صعد الحملة:
أولا: صار يستعمل عبارة «أعداء الشعب الأميركي».
ثانيا: صار يهاجم تسريبات معلومات حكومية إلى صحافيين.
قبل أسبوعين، في مؤتمر صحافي طويل وعاصف في البيت الأبيض (أول مؤتمر صحافي له رئيسا)، قال: «الأخبار مزورة، لكن التسريبات صحيحة». وهدد الصحافيين بأن وزارة العدل ستبدأ تحقيقات حول «معلومات سرية سربت بطرق غير قانونية».
قبل أسبوعين، صعد شون سبايسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، أيضا، حملته، في اتجاهين:
أولا: اتهم الصحافيين الذين يسربون معلومات حكومية بأنهم «يخونون الوطن، ويهددون أمنه».
ثانيا: حقق مع موظفي مكتبه عن تسريب هذه المعلومات.
عن هذه النقطة الأخيرة، قالت صحيفة «بوليتيكو» إن سبايسر صادر تليفونات بعض موظفيه، وأرسلها إلى خبراء فنيين في البيت الأبيض للبحث عن اتصالات أجروها مع صحافيين.
وتحدث عن الموضوع جيمس رايزن، صحافي في صحيفة «نيويورك تايمز»، كاد أن يدخل السجن في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بعد أن نشر معلومات مسربة عن اشتراك الاستخبارات الأميركية مع الاستخبارات الإيرانية لتخريب برنامج إيران النووي. قال رايزن إن أوباما، عكس ما قد يتوقع كثير من الناس، كان متشددا جدا في هذا الموضوع. وإنه أمر بالتحقيق مع تسعة صحافيين بتهمة تسريب ونشر معلومات حكومية (بالمقارنة مع ثلاثة تحقيقات مع صحافيين خلال عهود كل الرؤساء السابقين).
وقال ليونارد داوني، رئيس التحرير التنفيذي السابق لصحيفة «واشنطن بوست»، إن الوقت مبكر لمعرفة ما سيفعل الرئيس ترمب نحو الصحافيين والمسؤولين الذين يسربون معلومات حكومية سرية.
حسب تقرير عن الموضوع في دورية «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، التي تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا (في نيويورك)، هذا الموضوع سلاح ذو حدين. وذلك لأن المسؤولين، أحيانا، يتعمدون تسريب معلومات إلى صحافيين بهدف نشرها، وخدمة أجندة المسؤول، أو أجندة الوزارة أو المصلحة التي يعمل فيها. في نفس الوقت، يقدر صحافيون على الحصول على معلومات تؤذي هذه الأجندة.
وقالت الدورية إن التسريبات «يمكن أن تكون مقصودة، أو غير مقصودة». وإن المسرب قد يريد التأثير على الصحافي (ويريد كسب ثقته في المستقبل)، في نفس الوقت الذي قد يريد فيه الصحافي أن يؤثر على المسؤول (بأن يخدم أجندته).
وتوجد ما تسمى «تريال بالون» (بالونة الاختبار)، عندما يريد المسؤولون معرفة ردود فعل الناس على برامج أو قرارات معينة قبل إصدارها. يسربون معلومات أولية، أو مختصرة، ثم يقررون، على ضوء ردود الفعل، إذا سيصدرونها، أو لا.
يحدث هذا في الوقت الحاضر في موضوع إلغاء قانون الضمان الصحي الذي كان أصدره الرئيس السابق أوباما. يريد الجمهوريون استبداله بقانون جديد. لكن، لأن الموضوع معقد، ولأن الجمهوريين لم يعدوا قانونا جديدا حتى الآن، ينشرون أخبارا، من وقت لآخر، عن مشروع قانون حول هذا البند أو ذاك، ويحاولون الاستفادة من ردود الفعل وهم يعدون القانون الجديد. في كل الحالات، يمكن أن يحدث الآتي: يتصل مسؤول بصحافي ويقول له: «عندي لك خبر سيجعل رئيسك يزيد راتبك». وعندما ينشر الصحافي الخبر، يتصل بالمسؤول، ويقول له: «اطلب من رئيسك أن يزيد راتبك».
في نفس الوقت، يمكن تسريب معلومات تحرج معارضين، أو خصوما سياسيين، أو حكومات معادية. في هذه الحالات، يتحمس المسرب لنشر الخبر، ويقبل الصحافي لأن نشر الخبر سيرفع أسهمه، أو اسم صحيفته. لكن، عند تسريب معلومات عن الأمن الوطني، أو عن خطط عسكرية، يوجد نوع من التردد من الجانبين: المسرب (الذي يمكن أن يفقد وظيفته، أو يقال، أو يحاكم)، والصحافي (الذي يمكن أن يحاكم).
في العام الماضي، سرب صحافيون، بالتعاون مع موظفين في بنما، وثائق سرية عن الملاذات الضريبية في الخارج. أحرجت المعلومات كثيرا من الناس في كثير من الدول. واستقال بعضهم، وحوكم بعضهم. لكن، لمع نجم الصحافيين الذين جمعوا ونشروا المعلومات.
في عام 1971. نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» ما صارت تسمى «أوراق البنتاغون»، إشارة إلى تقرير عملاق وضعه الجنرالات عن مستقبل التدخل الأميركي في حرب فيتنام. وكان التقرير متشائما، وأحرج الجنرالات، وأحرج الرئيس رتشارد نيكسون. وصل محامو نيكسون إلى المحكمة العليا بهدف وقف النشر، وخسروا.
وفي عام 1972، بدأت صحيفة «واشنطن بوست» نشر أخبار عن «فضيحة ووترغيت» (تسلل عملاء تابعين للحزب الجمهوري إلى رئاسة الحزب الديمقراطي في مبنى ووترغيت، في واشنطن، بهدف سرقة معلومات عن الحملة الانتخابية في ذلك العام). اعتمدت الصحيفة على مصدر سري. وورطت، ليس فقط مسؤولين في قيادة الحزب الجمهوري، ولكن، أيضا، مسؤولين في البيت الأبيض، ثم الرئيس نيكسون نفسه. واضطر نيكسون لأن يستقيل، وصار أول رئيس أميركي يستقيل.
في عام 2012، بعد 40 عاما، كشف أن نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في ذلك الوقت، مارك فيلت، كان يسرب معلومات إلى الصحيفة.
في عام 2003. نشر كاتب الرأي روبرت نوفاك معلومات سلبية سربت له عن فاليري بليم، التي كانت جاسوسة في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، وزوجة السفير جوزيف ويلسون، من معارضي غزو العراق. وكان القصد من التسريب هو إحراج ويلسون.
وفي عام 2010. سربت الجاسوسة جيلسي مانينغ أكثر من ربع مليون وثيقة تابعة للبنتاغون ووزارة الخارجية عن السياسات الأميركية في أفغانستان والعراق. وكانت من بينها وثائق عن قتل مدنيين في العراق كانوا يتظاهرون في بغداد ضد الاحتلال الأميركي.
وفي نفس العام، سربت منظمة «ويكيليكس» مئات الآلاف من خطابات بين رئاسة الخارجية والسفراء الأميركيين، خلال العشر سنوات الماضية. وسبب النشر إحراجات كثيرة لسفراء ولحكومات.