آخر القياصرة كان يهرب لتولستوي من وقائع العالم حوله

مؤرخ بريطاني يكتب عن أيام نيكولاس الثاني الأخيرة

نيكولاس الثاني يتوسط أفراد عائلته التي صُفيت بعد الثورة الروسية  -  غلاف الكتاب
نيكولاس الثاني يتوسط أفراد عائلته التي صُفيت بعد الثورة الروسية - غلاف الكتاب
TT

آخر القياصرة كان يهرب لتولستوي من وقائع العالم حوله

نيكولاس الثاني يتوسط أفراد عائلته التي صُفيت بعد الثورة الروسية  -  غلاف الكتاب
نيكولاس الثاني يتوسط أفراد عائلته التي صُفيت بعد الثورة الروسية - غلاف الكتاب

تلوحُ في الأفق القريب الذكرى المائة للثورة الروسية عام 1917 بنسختها الأولى تلك الثورة التي غيرت الأمة الروسية، وربما العالم، إلى الأبد، هي في صيرورتها، بصفتها أول ثورة كبرى شهدها تاريخ البشرية استهدفت قلبَ أسس المنظومة الرأسمالية، اتخذت مساراً دمويا مؤلماً بداية من خلال الثورة المضادة والحرب الأهلية، ولاحقاً من خلال السياسات الستالينية القاسية، التي وإن نجحت بنقل الاتحاد السوفياتي إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى، فإنها كانت مأساة تامة لعشرات الملايين من الروس ممن فقدوا حياتهم، أو على الأقل نظم حياتهم التي اعتادوا عليها.
تراث هذه الثورة يمثل لروسيا الحديثة اليوم، الأمة والقيادة على حد سواء، موضوعاً صعباً وشائكاً. فالروس يعلمون أن ثورة 1917 حولت روسيا من دولة شرقية متخلفة تعيش عصور إقطاع فاسد إلى دولة عظمى تسيطر على نصف الكوكب تقريباً من خلال نفوذ مباشر أو غير مباشر، وهي وضعت موسكو في مصاف عواصم القرار الكبرى القليلة، بل وكانت لها اليد الطولى في كسر إمبراطورية الرايخ الثالث التي كان من شأنها لو انتصرت بالحرب العالمية الثانية الهيمنة على أوروبا كلها ربما لقرون مقبلة. لكنهم في الوقت ذاته يدركون الآن حجم المعاناة الإنسانية الهائل الذي كلفته هذه التجربة المنتهية بفسادٍ شامل وسيطرة ميليشياوية وجمهوريات متفرقة يحكمها زعماء غريبو الأطوار.
ليس شأن القيادة الروسية الحالية التي توظف النفَس القومي للأمة الروسية جزءا من أدوات هيمنتها على السلطة، أن تأخذ موقفاً معاديا لثورة 1917 بالكامل، لكنها بحكم تكوينها ذاته، الرأسمالي البنية، تريد في الوقت ذاته الخروج من عباءة لينين؛ ولذا هي سمحت عام 2000 بإجراءٍ شكلي لم يحظ حينها بكبير اهتمام حول العالم، لكنه كان شديد الأهمية في الداخل الروسي: تطويب آخر قياصرة روسيا، نيكولاس الثاني، قديساً في الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية. الخطوة برمزيتها لتكريم سليل أسرة رومانوف، مع تجنب التفاصيل الدقيقة لسيرته، كانت بمثابة إعلان رسمي عميق الدلالة لإعادة تموضع القيادة الروسية الجديدة في إطار تاريخي مغاير، يقطع الصلة بتاريخ البلاشفة، ويدشن عهد إمبراطورية روسية جديدة تتجاوز صراع الطبقات إلى لعب دور أكبر في صراع البرجوازيات الذي ملعبه الكون.
قصة الشهور الأخيرة من حياة آخر القياصرة نيكولاس الثاني، الذي أعدمه البلاشفة مع كامل أسرته غداة توليهم السلطة في روسيا قبل مائة عام هو موضوع الكتاب الأحدث لروبرت سيرفيس، المؤرخ البريطاني الأهم فيما يتعلق بشؤون روسيا العصور الحديثة، الذي نشر سابقاً أعمالا عدة غطت تاريخ الثورة الروسية والنظام الشيوعي في روسيا، إضافة إلى سيرٍ تُعد من أهم ما كُتِب عن القادة الروس «لينين» و«تروتسكي» و«ستالين».
سيرفيس لا يميط اللثام في كتابه عن حقائق جديدة تخص سيرة حياة القيصر أو أسرته؛ إذ إن المصادر الغربية كانت قد استوفت مثل ذلك البحث خلال الحرب الباردة. لكنه، وبفضل اطلاعه على وثائق شبه مهملة حُفِظت داخل أرشيفات جامعة ستانفورد - كاليفورنيا بالولايات المتحدة عن تحقيق جنائي متكامل بشأن مقتل القيصر، انطلق في رحلة بحث واسعة عبر مناخات وأجواء الحدث، وانتهى بنا إلى تقديم ما يمكن اعتباره أفضل سردٍ متكامل لأحداث الستة عشر شهراً الأخيرة من عمر الرجل على خلفية المناخ السياسي والاجتماعي خلال مرحلة قصيرة من الزمن الروسي شهدت تحولات نوعية مكثفة لا تزال بصماتها موجودة في النفسية الجمعية الروسية حتى الراهن، وذلك بروحية روائية درامية فائقة اعتدنا عليها في معالجات سيرفيس، وتستمر متألقة في هذا النص الجديد.
صورة نيكولاس الثاني كما يرسمها سيرفيس تقدم رجلاً شديد الحساسية عصبياً، ذا مزاج يميل إلى البساطة، مع إحساس عالٍ بالواجب بوصفه قيصر الأمة الروسية. لكنه أيضاً يُظهر الجانب الآخر منه بوصفه شخصية عنيدة، لا تتمتع بأي مرونة فكرية كانت قد تسمح له بالتعامل مع الأزمة الثورية العاصفة التي هبت على روسيا، ناهيك عن إدارة المجهود الحربي الروسي أثناء الحرب العالمية الأولى، الذي بدا حينها أشبه بإخفاق متدحرج. هذا العناد جعل من نيكولاس الثاني غير قادر على تقدير حجم الغليان في بلاده لدرجة أنه حتى عندما كان يُوَقع أوراق تنازله عن السلطة، لا يفتك يرى أنه سيتخلى عن الواجبات الرسمية للحكم للانتقال إلى ما يشابه إجازة طويلة مع عائلته وحاشيته.
يقول سيرفيس، إن البريطانيين وضعوا خطة لإنقاذ القيصر من أيدي البلاشفة خلال الأسابيع الأولى للثورة كلف بها السفير البريطاني وقتها جورج بوكنان، لكن الملك جورج الخامس، ملك بريطانيا، ما لبث أن سحب دعوته للقيصر بعد ثلاثة أشهر لأسباب شخصية ودبلوماسية، وهو ما عده المؤرخون دائماً بأنه كان المحفز الأهم للبلاشفة للمضي في خطتهم بالتخلص من أسرة رومانوف مرة واحدة وإلى الأبد. لكن وجهة نظر سيرفيس، أن تلك الخطة كانت محكومة بالفشل حتى لو ظلت الدعوة قائمة؛ لأن المزاج الثوري الفائر للقوات والعمال الروس على حد سواء ما كان ليسمح بخروج القيصر من الإقامة الجبرية التي وضع فيها، أو حتى في استقلال قطار عبر الأراضي الروسية الشاسعة.
وفق سرد سيرفيس، فإن لينين زعيم البلاشفة كان يعتزم جلب القيصر وأسرته إلى العاصمة الجديدة موسكو من أجل المثول أمام محكمة ثورية علنية، لكن البلاشفة الشديدي الحماسة الذين كانوا يحتفظون بالقيصر وأسرته في اكترينبيرغ بالأورال أساءهم التأخير في عقد هذي المحكمة، ولا سيما بعد تسرب إشاعات عن عزم السياسي الداهية لينين استخدام أسرة رومانوف في التفاوض مع الألمان، وبعدها أيضاً انطلاق الثورة المضادة، فقرروا التخلص من القيصر وأسرته كرمز لاستحالة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة. سيرفيس يؤكد معتمداً على أبحاث ووثائق ظهرت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، أن عملية الإعدام ولو نفذتها قوة مختارة من بلاشفة اكترينبيرغ، فلا شك حظيت بمباركة الكرملين، وربما لينين ذاته.
يصور لنا سيرفيس كيف قضى القيصر أيامه الأخيرة. لقد كان أباً حانياً شديد اللطف مع أولاده وحاشيته، لكنه كان لا يزال مستغرقاً في عالمه الخاص غير قادر على تفهم تحولات الأحداث من حوله لدرجة إصابته باستياء شديد عند رفضِ الحرس مصافحة يده الممدودة. لقد كان يقرأ حينها رواية «الحرب والسلام» لتولستوي، هاربا فيما يبدو من حقائق العالم حوله إلى زمن أفضل عاشه القياصرة الروس.
نيكولاس الثاني، هذا الرجل البسيط الذي وجد نفسه قيصراً بحكم الوراثة، عاش رمزاً، ومات رمزاً وطوب قديساً كرمز دون أن يكون طرفاً حقيقياً في كل ما يجري. ما أقسى عالم السياسة!



مجتمع الشعراء في مهرجان الشارقة للشعر العربي

مجتمع الشعراء في مهرجان الشارقة للشعر العربي
TT

مجتمع الشعراء في مهرجان الشارقة للشعر العربي

مجتمع الشعراء في مهرجان الشارقة للشعر العربي

لا نكاد نجد على طول الخريطة العربية اليوم مهرجاناً للشعر العربي الفصيح يجمع هذا العدد الهائل سنوياً من الشعراء إلا في الشارقة. إنه مهرجان يتجاوز بالتأكيد صفة الحدث الثقافي التقليدي الذي يستضيف شعراء بارزين من العالم العربي ويقيم لهم أمسيات أنيقة مؤثثةً بجمهور تفاعلي يضمن التواصل الضروري بين المبدع والمتلقي. وهكذا، نجد في هذا المهرجان سمات عديدة تميزه عن طابع الموسمية الذي يهيمن عادةً على الفعل الثقافي في كثير من فعالياتنا العربية، ونخص بالذكر تلك التي تُعنى بالثقافة والفن، لا سيما الشعر. جملة ما يمكن أن يخلص إليه من تابع أو حضر فعاليات هذا المهرجان هو أنه سعى ونجح إلى حد كبير في صنع مجتمع شعري متكامل الأركان يتعايش فيه المبدعون - وإن بصفة مؤقتة - لفترات غير قصيرة يتصل فيها النهار بالليل، فمن ندوات صباحية إلى أمسيات باذخة للشعر إلى سمر ليلي موسيقي في نُزل الشعراء يستمر حتى ساعات متأخرة من الليل على أنغام الطرب العربي الأصيل من أقطار ومدارس غنائية شتى. ثم يتواصل اللقاء بعدها في بهو الفندق في جلسات متفرقة هنا وهناك حتى ليُخيل للمتابع أن المكان تحول إلى حي سكني يقطنه شعب من الشعراء لا يتحدثون سوى في الشعر وعنه. وبالتوازي مع ذلك، يتناوب الشعراء الضيوف طيلة أيام المهرجان على مكاتب القنوات الفضائية والصحف والإذاعات لتسجيل عدد من اللقاءات الإعلامية التي تصب كلها في أنهار الجدل الشعري والحوار الإبداعي الذي يناقش القصيدة، والقصيدة فقط.

لا أعرف مهرجانات عربية كثيرة للشعر يرفع منظموها في مدنهم لافتات إعلانية كبيرة تروج للحدث الشعري وتعلق صوره في الشوارع والممرات. هناك في الشارقة نجد في كل الشوارع المحاذية لقصر الثقافة الذي يتوسط بفخامته المدينة صوراً للمهرجان تروج لأماسيه الرئيسية. وعند كل مساء نرقب توافد عائلات بأكملها على القصر باحثين عن موائد الشعر ومنصتين لما يقوله الشعراء، مصطحبين مسنّيهم وأطفالهم في مشهد عائلي يحتضن الثقافة كما لم نعتد أن نراه اليوم وسط عالم تسوده آلة النيو ليبرالية الاقتصادية التي همّشت الفنون الجميلة لمصلحة قيم الاستهلاك. وبالانسجام مع النشاط المسائي في قصر الثقافة، وفي الشارقة نفسها خلال أيام المهرجان الشعري، ما إن تمر على ساحل «شاطئ المجاز» الساحر، والذي يعبر اسمه عن توجه المدينة الثقافي، حتى ترى بالعين المجردة شعراء يمشون على الأقدام محتفين بنسائم الشتاء العليل في الشارقة، ومنهمكين في خوض حواراتهم الثقافية حول هذا الكائن الفني الهلامي الذي لا يمنحك بعضه حتى تمنحه كلك وأكثر.

إن مجتمعاً عربياً من الشعراء يمكن القول إنه قد تحقق بالفعل على أرض الشارقة، ولو لأسبوع واحد. جغرافياً حضوره كانت الشارقة وبالضبط بين النُّزل الفندقي والمسرح والمقاهي، حيث يتجمع الشعراء من مختلف الأقطار العربية، ويتحدثون ويتسامرون وقد يتشاجرون أيضاً حول هذا الموقف الشعري أو ذاك. يتحدثون بصوت مرتفع ويصرخ بعضهم، وبعضهم الآخر يكتفي بالصمت متابعاً ما يقوله الأكثر سناً وتجربة. إنهم يسائلون الحداثة الشعرية عن منجزها، فهناك منهم من ينتصر لضرورة الموقف الحداثي أيّاً كان شكل النص، وهناك من لا يزال راديكالياً في موقفه من حيث ضرورة التركيز على قدسية الشكل الذي يُعبر من وجه نظره عن صلابة عمود الشعر وأصالة بنيته. أحاديث تطول وتتوسع إلى تقييم حالة المشهد الثقافي العربي من حيث مساحة حضور الشعر ومصداقية الجوائز والتواصل المفقود أو الموجود على مضض بين الأجيال الشعرية في عالم عربي أثمن ما يغيب عنه هو التواصل. ولعل هذا التواصل يعد من سمات مهرجان الشارقة أيضاً وفضائله، فإذا كان اليوم الأول الافتتاحي للمهرجان يعمد دائماً إلى تكريم تجربة شعرية فردية أو أكثر تنتمي غالباً إلى جيل رائد، فإن الافتتاح أيضاً يتضمن التنويه بعدد من المواهب الشابة التي توَّجَتها قصائدها المنشورة في «مجلة القوافي». هذه الأخيرة تقدم نفسها مجلةً خالصةً للشعر العربي الفصيح، فهي لا تنشر غيره ولا تكتب عن شيء آخر سواه، تتواتر أعدادها شهرياً حتى تتوج ختامها السنوي باختيار بضعة قصائد منشورة على طول السنة كي يُحتفى بها في المهرجان الرئيسي في مستهل السنة الموالية. تتطور حالة التواصل داخل مجتمع الشعراء حتى تصبح أمتن من الصلة العائلية، فتجدهم يتفقدون بعضهم في البهو والغرف مع كل موعد انطلاق للمسرح، يتفقدون بعضهم في مقاعد الباصات ثم يبدأون بالغناء طول مسافة السير، ويشربون قهوة الوصول أمام المسرح منتظرين بدء الأمسية. هكذا إذن تتواصل الحساسيات والحركات والأجيال الشعرية المختلفة بيُسر وسلاسة دون قطائع نظرية أو أخرى نفسية واجتماعية، وهكذا يتوحد الشعر بقرائه ومبدعيه.

إن ما يميز هذا المهرجان ليس صنعه مجتمعاً شعرياً مفترضاً فقط، بل هو أنه بات يحفز كل الشعراء الذين باعدتهم المسافات الجغرافية وفرقتهم سبل العيش على تقديم أنفسهم مع أوراق اعتمادهم الشعري لهذ المهرجان من بوابة القصيدة، والقصيدة فقط، دون وسطاء ودون محسوبيات. ذلك أن من حق أي شاعر أن يحضر مشاركاً في هذا المهرجان، ما دام قادراً على تقديم قصيدته للنشر، وهي وحدها من ستؤهله للمشاركة ضيفاً مُقدّراً، ومن ثم الانضمام إلى أسرة الشعر التي تتعاظم بأفرادها وبأجوائها لتكون مجتمعاً فسيحاً يمد أطرافه من الخليج إلى المحيط.

مجتمع الشعراء الذي تحدثنا عنه ملياً في هذه المقالة يشكل جزءاً من مشروع بدأ بالفعل منذ سنوات ويتعلق بمبادرة «بيوت الشعر» التي أصبحت تتنامى أعدادها في أكثر من قُطر عربي غير الشارقة. حدث ذلك لأول مرة منذ حوالي عشر سنوات حين أطلق حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي مبادرة تهدف إلى إحداث ألف بيت للشعر في العالم العربي يكون نشيطاً طول السنة ويرعى المواهب الشعرية على غرار تجربة «بيت الشعر» في الشارقة. تطور الأمر وتم افتتاح عدد كبير من بيوت الشعر في الأردن ومصر والسودان والمغرب وموريتانيا وتونس. هذا المشروع أسس حالة جديدة في المشهد الثقافي يمكن أن نسميها «اللجوء الشعري» للشعراء داخل بلدانهم إلى مؤسسة «بيت الشعر» التي تعزل نفسها عن ضجيج الحياة الاعتيادية، وتقيم وطناً شعرياً موازياً يحتفي فيه الشعراء بقصائدهم، ويعانقون بعضهم بعد الإنصات والإنشاد والكتابة. إنه وطن الشعراء الذي يتشكل ومجتمع يضم كل أفراد عائلاته الشعرية التي تكبر كل يوم. وفي الحقيقة، لقد أسهم نشاط هذه البيوت داخل كل بلد في خلق حالة الانتماء لوطن القصيدة التي لا يعترف بالحدود الفاصلة ولا ينغلق فيه الفرد الشاعر على انتمائه القطري أو الثقافي أو حتى العرقي والطائفي. كيف يمكن لأي منا أن يتجاوز فرحته بجمالية هذا الإنجاز الذي جعل الشعر مفتاحاً للوحدة العربية في أبهى تجلياتها الفنية والإنسانية!

إن زبدة ما نود قوله عن مهرجان الشارقة للشعر العربي، هو أننا اليوم وفي بلدان عربية كثيرة باتت محجاً للمبدعين بحاجة لدعم فكرة المجتمع الشعري والإبداعي، وليس فقط لفعاليات ثقافية تنشط وتخمد بصفة روتينية بين موسم وآخر. وإذا كانت بشائر هذا التصور الجديد للقاء الشعري قد أصبحت تنضج بوضوح في مراكز ثقافية عربية كبرى كالسعودية والإمارات، فإن الحاجة اليوم باتت ملحة لتعميم وتكريس النموذج على امتداد الخريطة العربية كلها. فمجتمع الشعراء كما هو معلوم يخدم مسيرة السلام وينحاز بالضرورة لقيم الحضارة في مفهومها الكوني، إنه مجتمع مسالم ينتصر للجمال ويناهض الكراهية والتطرف والانغلاق. وعلى هذا الأساس ينبغي أن يتجسد حضوره عربياً، كما تجسد بالفعل في مهرجان الشارقة.

* شاعر من المغرب