المُخا والخوخة... ومعركة ساحل اليمن الغربي

معظم مناطقه لا تمثل حاضناً اجتماعياً للميليشيات الحوثية

المُخا والخوخة... ومعركة ساحل اليمن الغربي
TT

المُخا والخوخة... ومعركة ساحل اليمن الغربي

المُخا والخوخة... ومعركة ساحل اليمن الغربي

عندما انطلقت عملية «الرمح الذهبي» لتحرير الساحل الغربي لليمن، مثلت صدمة لكثير من المتابعين، ذلك أنه جرى التخطيط للعملية بسرية تامة من قبل قوات الجيش اليمني وقوات التحالف لدعم الشرعية، وبإشراف مباشر من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي. والرئيس هادي إلى جانب كونه رجل سياسة، فإنه عسكري بامتياز ودرس الفنون العسكرية والتكتيكات في بريطانيا مطلع شبابه ومن ثم في الاتحاد السوفياتي السابق. وكانت العملية مباغتة، أدت إلى تحرير واستعادة السيطرة على المُخا، المدينة التاريخية والميناء الاستراتيجي، وباتت العملية والقوات تسير باتجاه محافظة الحُدَيدة في غرب البلاد.
وبحسب من خططوا ونفذوا عملية «الرمح الذهبي»، فإن الهدف الرئيسي كان تحرير المناطق التي تقع تحت سيطرة الانقلابيين، باب المندب وذو باب والمُخا والتوجه شمالا نحو محافظة الحُدَيدة. أما البداية فمن الخوخة، المدينة الجميلة التي حولتها الميليشيات إلى ساحة حرب، وتنوي تحويل المناطق الأخرى التي تتبع محافظة الحديدة أيضًا إلى مناطق حرب، مع الإشارة إلى أن هذه مناطق لا تمثل حاضنا اجتماعيا للميليشيات.
وفق المصادر، التي التقت بها «الشرق الأوسط» وتحدثت معها، فإن الأبعاد أبعاد استراتيجية لعملية «الرمح الذهبي» وذلك في مختلف مراحلها المعدة سلفًا. إذ تهدف العملية، بدرجة رئيسية، إلى قطع دابر سيطرة الميليشيات على المياه الدولية لليمن، وتحديدا باب المندب. ومن ثم، إبعادها، قدر الإمكان، عن أماكن التهديد للملاحة الدولية، قبل أن تتدخل قوى دولية كبرى للسيطرة على الممر المائي الاستراتيجي المهم الذي تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة الدولية، وخاصة ناقلات النفط من بحر العرب (الجزء الشمالي الغربي من المحيط الهندي) والبحر الأحمر، ومنه عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط وموانئ أوروبا.
السيطرة على باب المندب وذو باب والمُخا والخوخة... والطريق إلى مدينة الحُدَيدة، ومن ثم إلى ميناء ميدي - في أقصى شمال غربي اليمن على ساحل البحر الأحمر - هي أساس العملية، وعنوانها «الرمح الذهبي»... لكن الأمر الأهم بالنسبة لهذه العملية هو أنها سوف تؤدي إلى عزل العاصمة صنعاء والانقلابيين داخل العاصمة. وبالمناسبة، هنا، لا بد من الإشارة، إلى أن محافظة الحُدَيدة محافظة كبيرة تشمل قطاعًا واسعًا من الساحل الغربي وفيها مدن كثيرة على الساحل تبدأ بالخوخة جنوبًا، ولا تنتهي عند اللحية شمالاً.

المُخا... جسر الثقافات
تعد مدينة المُخا من الموانئ اليمنية القديمة التي اشتهرت عالميا، بحكم تصدير البن اليمني الشهير الذي يطلق عليه في الغرب اسم «موكا» Mocha. وهو اسم مدينة المُخا نفسه، التي كانت فيها التجارة مزدهرة لزمن طويل وحقب مختلفة، سواءً من خلال تصدير البن أو غيره من المنتجات اليمنية، إلى جانب استقبال الميناء نسبة كبيرة من المواشي التي تصدّر إلى اليمن من دول القرن الأفريقي.
وبعد معارك شرسة، في إطار عملية «الرمح الذهبي» التي أطلقتها قوات الجيش الوطني اليمني ودول التحالف لتحرير الساحل الغربي من ميليشيات الحوثي وعلي عبد الله صالح الانقلابية، باتت مدينة المُخا مؤمّنة بشكل كامل، بعدما انتقلت العمليات العسكرية إلى المناطق المجاورة، التي جرى تحرير بعضها.
تتبع المُخا إداريًا محافظة تعز، وتقع على بعد نحو 90 كيلومترا غرب مدينة تعز - إحدى أبرز الحواضر الاقتصادية والسياسية للبلاد - وتطل على سواحل البحر الأحمر. وتمتاز هذه المدينة الساحلية، إلى جانب الحركة التجارية، بالمزارات الدينية المتعددة، وقد ذكر اسم المُخا في كثير من النقوش القديمة، وتحديدًا النقوش الحميَرية (دولة حميَر). وكان اسمها في تلك النقوش «مخن». ومن ناحية أخرى، يتكلّم أهل المدينة اللهجة التهامية، وهي لهجة عربية سامية فصيحة، سائدة في إقليم تهامة، وتحديدًا في محافظة الحديدة المجاورة، وتختلف بصورة بيّنة عن لهجات باقي مناطق محافظة تعز.
وعلى الرغم من استخدام نظام المخلوع صالح ميناء المُخا لعقود في عمليات التهريب، فإن المدينة - وبخاصة الميناء - لم تشهد أي تحديث أو تطوير على مستوى البنية التحتية، بالصورة التي تتناسب مع تاريخها وعراقتها. ثم إنه، بحكم كون المُخا تتبع إداريا محافظة تعز، فإن أبناء هذه المحافظة يعتقدون بأن ما حدث لها لا ينفصل عما تعرّضت له تعز. وهنا يشرح الدكتور عبد الباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، قائلا: «ميناء المُخا التاريخي العالمي عُطّل، وهو الذي يتردد اسمه يوميا ملايين المرّات (موكا)، لسببين: الأول، يعود إلى جعله ميناء تهريب للمخلوع صالح ومنظومة الفساد، حيث كانت تهرب الكحوليات والمخدّرات إلى الداخل اليمني، والأسلحة كذلك من الخارج، ومن الداخل اليمني للقرن الأفريقي وبعض الدول الأفريقية، أما السبب الثاني فيتمثل في استراتيجية النظام السابق تجاه تعز المتمثلة في تقويض إمكانيات الاستثمار والإنعاش الاقتصادي الجاذب».

العلاقة مع تعز
ويضيف شمسان لـ«الشرق الأوسط» موضحًا: «إننا لنلاحظ أن هناك أزمات في قطاعات المياه والكهرباء والبنية التحتية على امتداد ثلاثة عقود، إضافة إلى ربط القرار مركزيًا. وكل ذلك جعل المدينة المهمة سياسيا واقتصاديا وديموغرافيًا وتنمويًّا مدينة طاردة ليس للاستثمار فحسب... بل أيضا لأبنائها من أصحاب رؤوس الأموال والكوادر الذين غادروا نحو العاصمة وبقية المدن بحثا عن فرص العمل والاستثمار، الأمر الذي أفقد المدينة أهميتها تدريجيًا». ويستطرد: «لقد كانت تعز وكان أبناؤها دائما تحت الرقابة الدائمة والمنهجية. وحتى دخول أبناء تعز إلى الكليات العسكرية والأمنية والاستخباراتية كان محدودا إلى حد الغياب، بقرار مباشر من المخلوع صالح، الذي حوّل الجيش إلى مؤسسة عائلية ومناطقية. وأستطيع القول بتأكيد أن تقويض مكانة كل من تعز وميناء المُخا كان إجراءً منهجيًا متعمدًا، ولكن رغم كل ذلك احتفظت تعز بمكانتها ولعبت دورا في ثورة التغيير، وما زالت المدينة التي حاصرها المخلوع بخمسة ألوية عسكرية في إطار تلك الاستراتيجية تقاوم الحصار المفروض. وإذا ما تحقق ذلك فإن معدّلات استعادة الشرعية والدولة سوف تتغير لأن المدينة تحمل المشروع الوطني ومنفتحة عليه وجل مطالبها تتجاوز المحلي نحو الوطني».
على صعيد ثانٍ، لا تعد المُخا مجرد مدينة تاريخية وميناء فحسب، فهي، أيضا، مدينة سياحية بامتياز، إذ لديها عدد من الشواطئ في المناطق المحيطة بها، وتتميز هذه الشواطئ بالأماكن ذات القيمة الدينية والأودية الزراعية، وبأشجار النخل التي يكثر انتشارها في تلك السواحل، كما هو الحال مع ساحل تهامة الغربي. ويتحدث الناشط السياسي والإعلامي، نيزان توفيق عن المُخا فيقول: «على مساحة 10 كلم مربعة تتربع مدينة المُخا تحيط بها كثبان من الرمال شرقًا ومن الغرب يحدها البحر، وتقطن المدينة نحو 2500 أسرة، ويشتغل السكان في صيد السمك وبيع المواشي في الحَجْر البيطري وحمّالين في الميناء الذي يقع في جنوب المدينة. وفيها مسجد الشاذلي الذي يضم قبر الشاذلي الشهير وبجانبه قبر السيد حاتم، وتعرض القبران للتدمير»

التنمية... بعد التحرير
وبعد تحرير المُخا - المدينة والميناء - برزت دعوات كثيرة لإعطاء المدينة حقها الذي حرمت منه لعقود إبان حكم المخلوع، مرة أخرى. وهنا يتحدث لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عبد الباقي شمسان ليطالب بإعادة الاعتبار لميناء المُخا العريق بتأكيده أن «استعادة الساحل الغربي ومدينة تعز تستوجب إعادة الاعتبار لميناء المُخا واستثمار مكانته التاريخية، والتسويقية عالميًا، وهذا ما يعني ضرورة تجهيزه كميناء رئيسي في اليمن. وهذا يتطلب أيضًا تخطيطًا عمرانيًا لمديرية المخا كفيلاً بجعلها جاذبة للعيش والاستثمار».
ويشدد شمسان في حديثه: «ضروري جدًا وضع مخطط تنموي وحضري شرطا مُلحّا ليس لاستعادة المكانة التاريخية للميناء، فحسب، بل أيضًا للعمليات التنموية والاستثمارية المستقبلية، لا سيما، أن خلق الأقطاب الاقتصادية الجاذبة يُعد عنصرًا مهمًا جدًا للنمو وامتصاص الهجرات نحو العاصمة، إضافة إلى انسجام ذلك مع مشروع اليمن الاتحادي (الفيدرالي) المتعدد الأقاليم».
بدوره، لا يغفل الدكتور عبده سعيد المغلس، وكيل وزارة الإعلام اليمنية، الإشارة خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى الدور الاقتصادي للمُخا، إذ يقول إنه «لعب ميناء المُخا دورًا مهمًا جدًا في التجارة اليمنية عبر التاريخ. وهو يُعد من أقدم الموانئ على مستوى شبه الجزيرة العربية، وللعلم، نُقش اسم المخا في نقوش يمنية قديمة بخط المسند (الحميَري)». وأشار إلى أن هذا الميناء مثّل السوق الرئيسية لتصدير البن بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلاديين. وبالتالي، أخذت قهوة (الموكا) و(الموكاتشينو) اسميهما من اسمه».
وتابع الدكتور المغلس أنه بسبب موقع ميناء المُخا الاستراتيجي «تعرّضت اليمن إلى حملات كثيرة عبر التاريخ القديم والحديث. وأخذ يفقد أهميته أواخر القرن التاسع عشر الميلادي مع ازدهار ميناء عدن الذي اهتم به البريطانيون، وميناء الحُدَيدة الذي أنشأه العثمانيون آنذاك. وبعد ذلك تعرّضت مدينة المُخا، بما فيها الميناء، للتدمير مرتين أثناء الحرب العثمانية - الإيطالية عام 1911، ثم عام 1915 أثناء حرب العثمانيين مع البريطانيين (الحرب العالمية الأولى)، وتراجعت أهمية الميناء بعد ذلك، وبالأخص مع تناقص زراعة البن اليمني ودخول منتجين جدد كبار كالبرازيل إلى السوق العالمية للبن».
ويذهب المسؤول اليمني أعمق في تسليطه الضوء على أهمية المُخا، قائلا: «مثّل هذا الميناء أهمية بالغة في الجغرافيا السياسية بعد فتح قناة السويس لتحكمه بمضيق باب المندب. وعلى أثر الانقلاب الأخير الذي نفذه الحوثيون مع علي عبد الله صالح وقع لبعض الوقت تحت السيطرة الإيرانية التي أعلنت أن صنعاء باتت (العاصمة الرابعة) - بعد بغداد ودمشق وبيروت - التي سقطت بيد إيران. ولعب التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات مع الجيش الوطني والمقاومة دورًا رئيسيًا في استعادته من الانقلابيين في اليمن».
وبالنسبة للرؤية المستقبلية للمدينة والميناء من جانب الحكومة اليمنية، يعتقد المغلس أن الميناء مؤهل لكي يمثل جسرًا بين اليمن والقرن الأفريقي، بفضل تموضعه في «منطقة ذات أهمية بالغة لجهة التحكم بجزء كبير من التجارة العالمية والنفط، التي تمر عبر مضيق باب المندب، وستزداد أهميتها الاستراتيجية إذا ما أنجز مشروع (جسر القرن الأفريقي)... وكان قد كثر مؤخرا الحديث عنه، وهو - وفق ما هو مخطط له - سيعمل على ربط جيبوتي باليمن عبر مضيق باب المندب. وسيشمل المشروع المقترح بناء جسر يصل سواحل جيبوتي واليمن عبر باب المندب ويبلغ الطول الكلي للجسر نحو 28.5 كلم. وسيبدأ (جسر القرن الأفريقي) من الساحل اليمني مارا بجزيرة بريم (ميون)، وينتهي عند جيبوتي، وتُقدّر تكلفته بعشرين مليار دولار أميركي. وفِي حال أنجز هذا المشروع فإنه سيشكّل نقلة نوعية جبارة للمنطقة من حيث الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية، وهذا يفسّر أحد أسباب الصراع على المنطقة».
من جهة ثانية، عقب تحرير المدينة والميناء والمدينة السكنية ومحطة الكهرباء الكهرو - حرارية، يشير مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط» إلى أن سكان المدينة ما زالوا يعانون «نظرا لأن ممارسة كل من الصيد والإبحار ما زالت محظورة وما زال الميناء مغلقًا، والأمر ذاته يصدق على مرفق الحَجْر البيطري»، ويوضح أن سكان المُخا يعتمدون، حاليا، اعتمادا كليا على «المواد الإغاثية التي يقدمها مركز سلمان والهلال الأحمر الإماراتي».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.