روسيا تتطلع لإشارات إيجابية من الإدارة الأميركية

نائب وزير خارجيتها حمّل أوباما مسؤولية تدهور العلاقات بين البلدين

روسيا تتطلع لإشارات إيجابية من الإدارة الأميركية
TT

روسيا تتطلع لإشارات إيجابية من الإدارة الأميركية

روسيا تتطلع لإشارات إيجابية من الإدارة الأميركية

قال نائب وزير الخارجية الروسي، أمس، إن العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة باتت «عند أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب البادرة». وحمّل سيرغي ريابكوف مسؤولية ذلك لإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لكنه عبر عن أمله في تحسنها خلال إدارة الرئيس دونالد ترمب، التي قال إن موسكو تحلل في الخطاب الرئاسي الأميركي بحثاً عن أي إشارات على تغير الموقف الأميركي.
وخلال مشاركته، أمس، في طاولة مستديرة في مجلس الدوما، حول آفاق العلاقات الأميركية - الروسية، توقف ريابكوف بإسهاب عند هذا الموضوع، في وقت ما زالت فيه موسكو تنتظر، بتفاؤل حذر، تنفيذ ترمب لوعوده الانتخابية بشأن تحسين العلاقات بين البلدين، والتعاون مع موسكو «عندما يصب ذلك في خدمة المصالح الأميركية».
وكان ريابكوف قد أكد أمام البرلمانيين أن التحضيرات قد بدأت للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأميركي ترمب. ويعلق كثيرون في روسيا آمالهم على ذلك اللقاء، باعتباره نقطة عملية رئيسية من شأنها تحريك المياه الراكدة في العلاقات الأميركية - الروسية، أو أنه سيساعد على أقل تقدير في توضيح الغموض المهيمن حالياً على التوقعات بشأن إمكانية تحسن جزئي، أو تطبيع واسع للعلاقات بين البلدين. وقال ريابكوف بهذا الصدد إن التحضيرات جارية، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى «عدم وجود فهم حتى الآن حول مكان وتاريخ اللقاء» بين بوتين وترمب.
وبعد تأكيده أن روسيا تنظر بإيجابية إلى تصريحات واشنطن بشأن إطلاق الحوار مع موسكو، قال نائب وزير الخارجية الروسي إن العلاقات بين البلدين بلغت أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، معرباً عن قناعته بأن «وتيرة السقوط التدميري للعلاقات الثنائية تسارعت بشكل ملموس بعد الانقلاب في كييف منذ 3 سنوات»، في إشارة إلى الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها ساحة «ميدان» في العاصمة الأوكرانية، والتي انتهت بالإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش. واتهم ريابكوف البيت الأبيض بأنه «ذهب حينها إلى مواجهة مفتوحة، وبتبني نهج احتواء روسيا، والحد من الحوار مع روسيا في كثير من المجالات».
ومقابل اتهاماته لإدارة أوباما، أظهر ريابكوف في كلمته أمام البرلمانيين الروس حرصاً على تفادي أي عبارات تصعيدية نحو إدارة ترمب، أملاً في الحفاظ على أجواء إيجابية تساهم في تنفيذ ترمب لوعوده الانتخابية نحو موسكو. وفي هذا السياق، استهل ريابكوف حديثه عن العلاقات بين البلدين باتهامات وجهها لمشرعين في الكونغرس الأميركي، قال إنهم يحاولون تنظيم «حصار اقتصادي على روسيا»، عبر مشاريع قوانين لا تسمح للرئيس ترمب بإلغاء العقوبات الأميركية ضد روسيا، «وبكل قواهم يسحقون أي بوادر إيجابية» في العلاقات بين البلدين، ولهذا طرحوا في يناير (كانون الثاني) 2017 مشروع قانون حول تدوين العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما، يحد من قدرة ترمب على إلغاء تلك العقوبات. وإذ أشار ريابكوف إلى أن مشروع القانون ما زال قيد البحث في اللجان الفرعية بالكونغرس، فإنه لم يظهر أي تفاؤل بهذا الصدد، وقال إنه «لا يجوز أن نستبعد تبني مشروع قانون تدوين العقوبات من جانب الكونغرس».
وحمل ريابكوف إدارة الرئيس أوباما مسؤولية خلق مزاج مناهض لروسيا في الكونغرس، إذ مضت تلك الإدارة، برأيه، نحو تصعيد هستيريا العداء لروسيا إلى أعلى مستوياتها، واصفاً ما جرى قبل وبعد الانتخابات الرئاسية بأنها ممارسات «عصية على الفهم»، ويقصد بذلك العقوبات الأخيرة التي فرضتها إدارة أوباما، نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2016، حين طردت أكثر من 30 دبلوماسياً روسياً، والاتهامات التي وجهتها لموسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وقرصنة مواقع إلكترونية أميركية رسمية.
لكن رغم كل ذلك، يؤكد ريابكوف أن روسيا لا تجعل من هذا الوضع مشهداً تراجيدياً، وهي تدرك أن «ترمب وفريقه بحاجة إلى الوقت» لإطلاق عمل فريق السياسة الخارجية، وتحديد الأولويات، لافتاً إلى أن الخارجية الروسية في هذه الأثناء «تحلل وتوثق وتأخذ بالحسبان كل الإشارات الصادرة عن واشنطن»، مشدداً على أن موسكو ستحكم على الأعمال لا الأقوال. وفيما يبدو أنها محاولة لتبرير الوضع الراهن الذي آلت إليه العلاقات الأميركية - الروسية، وتحديداً عجز ترمب حتى الآن عن اتخاذ أي خطوة إيجابية عملية نحو موسكو، قال ريابكوف إن «الرئيس الأميركي واجه فور دخوله البيت الأبيض النخب الأميركية التي تحمل مزاجية معادية لروسيا»، متهماً تلك النخب بأنها ما زالت تصعد من هستيريا العداء لروسيا التي جعلوا منها عنصراً رئيسياً في الحملات الواسعة الرامية إلى تقويض القيادة الأميركية الحالية». وأردف مبدياً قلقه من أن «تطبيع العلاقات الأميركية - الروسية قد يصبح إلى حد ما ضحية تلك الجهود الخبيثة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟