الرواية بين الرؤية والآيديولوجيا

3 أعمال كنماذج لانحياز في هذا الاتجاه أو ذاك

الرواية بين الرؤية والآيديولوجيا
TT

الرواية بين الرؤية والآيديولوجيا

الرواية بين الرؤية والآيديولوجيا

العمل الروائي، شأنه شأن أي عمل أدبي، هو تدخل في الواقع كما يراه كاتب العمل. العمل محاولة لرسم صورة لذلك الواقع تعيد صياغة العلاقات بين عناصره وصولاً إلى فهم أفضل أو تذوق أجمل أو تغيير أكمل، إلى غير ذلك من دوافع الكتابة أو الإنشاء. وقد تتخذ تلك الصياغة إحدى صورتين اختزلتهما في العنوان المتسائل لهذه المقالة: رؤية أو آيديولوجيا. الرؤية والآيديولوجيا هما الطرفان اللذان لا بد للعمل الروائي أن يجنح باتجاه أحدهما، وهما أيضاً الطرفان اللذان يصعب تصور تحققهما التام في العمل الروائي، لأن الأول وضع مثالي من الحيادية المتوازنة بين مختلف وجهات النظر بحيث يصعب تبين وجهة ما، والثاني غرق في الخطاب السياسي أو الفلسفي أو الأخلاقي أو غيره من الخطابات. الأول وضع غير إنساني، لأن من طبيعة التعبير الإنساني في الأدب والفنون عامة أن يتضمن وجهة نظر، ووجهة النظر لا بد أن تميل بالعمل باتجاه ما، يميناً أو يساراً، أو ما شئت من التسميات، في حين أن الوضع الثاني مزلق يخرج بالنص عن أدبيته ويجنح به إلى شيء آخر غير الفن سواء أكان قصصياً أم غير ذلك.
في تدخله للتعبير عن وجهة نظر تجاه الواقع قد يسعى العمل إلى ما أسميه الرؤية، وأقصد بذلك التوازن بين وجهات النظر بحيث يصعب، وإن لم يستحل بالضرورة، تبين وجهة نظر محددة. وهذا في ظني من سمات التميز في الأعمال الأدبية والفنية عموماً. فكلما تمكن العمل من تحقيق ذلك التوازن، أي اقترب مما أسميه الرؤية، أو لنقل الرؤية المتوازنة، كان عملاً مركباً يسمح بزوايا متعددة في النظر إلى الحقيقة أو الواقع فيتيح للمتلقي مساحة أكبر للتفاعل والقراءة التي تغني العمل. هذا في حين أن العكس هو الاقتراب من التصور أو الطرح الأحادي، التصور أو الطرح الذي يعني، بتعبير عبد الله العروي في تعريفه للآيديولوجيا، أن صاحبه «يتخير الأشياء ويؤول الواقع بكيفية تظهرها دائماً مطابقة لما يعتقد أنه الحق». والرواية بوصفها جنساً من الكتابة السردية التي تسعى إلى استيعاب قدر واسع من الشأن الإنساني بمتغيراته وتعدد شخوصه وأحداثه وما يستتبع ذلك عادة من تعقيد وتشابك حرية بأن تنحاز باتجاه أي من ذينك الاتجاهين فتكون أقرب إما إلى الرؤية أو الرؤيوية، من ناحية، أو إلى الأدلجة، من ناحية أخرى، وذلك على عكس القصيدة التي تنحاز بطبيعتها إلى الرؤية الفردية للعالم، وإن لم يعن ذلك تأدلجها بالضرورة. الرواية، كما هي المسرحية، جنس يتوقع منه التعدد في النظر إلى العالم، إلى الظواهر أو الأحداث أو الأشياء، ولكنه معرض بسهولة إلى الانحياز الحاد نحو أحادية النظر ومن ثم إلى تخير الأشياء وتأويل الواقع على النحو الذي يظهر ما يرى الكاتب أنه الحق.
في سياق هذه الأطروحة، التي أحاول بدوري ألا تكون مؤدلجة، سأتناول ثلاث روايات يمثل كل منها أنموذجاً لانحيازات العمل في هذا الاتجاه أو ذاك من القطبين اللذين اقترحتهما، الرؤية والآيديولوجيا. الروايات الثلاث تحتاج إلى مساحة كبيرة للتفصيل في كيفية اتصالها بما أشير إليه، لذا سيكون تناولي مختصراً وأخشى أن يكون مخلاً نتيجة للحيز الضيق الذي تتيحه لي هذه الندوة.
في ملاحظة مهمة وجديرة بأن تكون مدخلاً لما سأتحدث عنه، يقول الروائي التركي أورهان باموق مخاطبا مستمعيه في جامعة هارفرد إن الروائيين في العالم غير الغربي - ولربما رأى نفسه بينهم - وجدوا أنفسهم مضطرين للتحايل على قائمة طويلة من الممنوعات في بلدانهم ولذا «اتكأوا على فكرة القص المتخيل المستعارة ليتحدثوا عن (حقائق) لم يكن بمقدورهم التعبير عنها صراحة - تماماً كما كان حال الرواية في الغرب». ذلك الحديث عن (حقائق) - من وجهة نظر الكاتب أو الروائي أياً كان - يؤدي في تقديري ليس إلى التحايل فحسب وإنما إلى الضغط على النص السردي لكي يستجيب لحاجة التعبير عن القضية أو (الحقيقة) التي يراها الكاتب، والضغط هنا هو التخلي عن بعض متطلبات الفن الروائي وصولاً إلى خطابية مباشرة توصل الرسالة أو تعبر عن القضية التي انتدب الكاتب نفسه للدفاع عنها. يقول عبد الرحمن منيف «إن الروائي يحاول أن يعكس حقيقة أفكار الناس وأقوالهم وتصرفاتهم، ولا يريد أن يروج لفكرة أو تصرف». لكن الكاتب نفسه، أي منيف، يعود في مكان آخر ليعترف بأنه في إحدى رواياته إنما سعى إلى ذلك الترويج: «إن إدانة السلطة وتعريتها هدف أساسي لرواية شرق المتوسط..».
رواية «جاهلية» للكاتبة السعودية ليلى الجهني أنموذج لما أشير إليه، فهي تعلن منذ العنوان عن توجه واضح لإيصال رسالة هي أن العصر الذي تدور أحداث الرواية فيه جاهلية أخرى. فالرواية تدين مجموعة من الممارسات السياسية والاجتماعية التي تعتمد على العنف، وذلك من خلال حكاية الفتاة التي أراد شاب أسود أن يتزوجها فثارت الحمية القبلية وتحرك الرفض العنصري فكانت النتيجة مقتل ذلك الشاب على يد أخي الفتاة. والرسالة هنا واضحة ليس من عنوان العمل فحسب وإنما أيضاً من الاقتباسات التي تتصدر فصول الرواية على شكل عتبات تكاد تهيمن على ما يفترض في القارئ العثور عليه. إنها فئوية وعنصرية في مجتمع لا يرى الحب مبرراً لتجاوز قوانينه. سأستعيد هنا كلاماً سبق أن كتبته عن هذه الرواية لأنه متصل اتصالاً وثيقاً بموضوعنا.
الاقتباسات التي تحمل الدلالات بل وتضغط باتجاهها هي التي تميل بالعمل الروائي إلى الآيديولوجيا، أي إلى التصور الذي ترى الكاتبة أنه هو الحق والحق وحده. فعلى الرغم من براعة القص لدى الجهني وأهمية ما تحكيه الرواية فإن الكاتبة لم ترد على ما يبدو أن يضيع شيء على القارئ، فهي توضح الصورة من خلال العنوان أولاً ثم من خلال الاقتباسات، لكي تحدد موقفاً تراه الصحيح، وقد يكون هو الصحيح فعلاً، لكن ليس المطلوب من الرواية أن تقول ذلك أو تصرخ به لكي ننتبه وإنما أن تتيح لنا الفرصة لكي نتبينه بأنفسنا بترك مسافة للاختلاف وتباين وجهات النظر تتيحها طرائق السرد المعروفة.
هذا التوجه يشيع في أعمال روائية كثيرة، فليست «جاهلية» بدعاً في ذلك. إحدى تلك الروايات الكثيرة رواية سبقت رواية الجهني في الصدور وتختلف عنها كثيراً في أسلوب السرد وفي القضايا المطروحة. أقصد رواية للكاتب المصري صنع الله إبراهيم عنوانها «أمريكانلي». سنكتشف منذ ذلك العنوان أن صنع الله إبراهيم، مثل الجهني، لم يرد هو أيضاً أن تفلت الدلالة من القارئ. فهو لم يرد للعنوان الرئيسي أن يبقى ضمن توريته التي لن يصعب على القارئ اكتشافها لو بقي العنوان كما هو: إنه يفكك العنوان ليصبح بين قوسين (أمري كان لي). إن أمر القارئ ليس له أيضاً، فهو مجبر على فهم المقصود دون لبس، المقصود السياسي في المقام الأول كما سيتضح في رواية تكاد شخصيتها الرئيسية، الشخصية الساردة، أو الراوي العليم، أن يتماهى مع الكاتب نفسه، فلا مسافة تذكر بين صنع الله إبراهيم المثقف وأستاذ التاريخ المصري الذي يذهب إلى سان فرانسيسكو للتدريس. الأستاذ المصري الذي يكتشف أن الهاجس الأمني موجود في أميركا مثلما هو في مصر (ص102)، لا يكاد يختلف عن الروائي المصري الذي يضيف هوامش طويلة وكثيرة تدفع بالعمل الروائي إلى التوثيق التاريخي الذي يثقف القارئ بقدر ما يجعل الخطاب السياسي في الرواية أوضح من أن يخطئه قارئ ساذج.
الرواية الثالثة والأخيرة في هذه الملاحظات هي «الطلياني» للكاتب التونسي شكري المبخوت. وليست دلالات العنوان هي المفترق الوحيد بين هذه الرواية وروايتي الجهني وصنع الله إبراهيم من الزاوية موضوع التأمل هنا. رواية المبخوت تتفادى شرك الأدلجة السريعة بتبني تقنية الشخصية الساردة والمفارقة في سماتها لشخصية الكاتب نفسه. الطلياني شاب وسيم أطلق عليه هذا الاسم من شبهه بالإيطاليين. إنه شاهد على الأحداث ومشارك فيها، لكنه ليس الشخصية الرئيسية، بدلاً منه تحتل المشهد شخصيتا الفتاة زينة والشاب عبد الناصر، وكلاهما طالب جامعي، كما هو الطلياني، ولكنهما مسيسان إلى حد النضال الآيديولوجي. فجزء من الأحداث يدور في الحرم الجامعي حيث المناظرات السياسية في فترة تاريخية سبقت أحداث الربيع العربي بقليل. الضغط الخطابي المؤدلج يزحف على السرد من هذه الزاوية، زاوية التقاء التاريخ بالسياسة، لكن المبخوت ينجح في تحييد ذلك الخطاب أو على الأقل التقليل من أثره وذلك بشخصنته، بمعنى أنه يكل الأطروحات إلى الشخصيتين النضاليتين، زينة في المقام الأول وعبد الناصر، الذي يكفي اسمه للإلقاء بشحنة تاريخية وسياسية في معمعمة السرد.
* ورقة ألقيت في ندوة
ضمن مهرجان الجنادرية.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.