«أطفال داعش»... قنبلة إرهابية موقوتة

بينما تتسارع وتيرة تجنيدهم وغسل أدمغتهم

أطفال «داعش» خلال التدريبات («الشرق الأوسط»)
أطفال «داعش» خلال التدريبات («الشرق الأوسط»)
TT

«أطفال داعش»... قنبلة إرهابية موقوتة

أطفال «داعش» خلال التدريبات («الشرق الأوسط»)
أطفال «داعش» خلال التدريبات («الشرق الأوسط»)

نشر تنظيم داعش شريط فيديو مصوَّرا خلال شهر فبراير (شباط) الحالي ظهر فيه طفلان إيزيديان قامت المجموعة بتجنيدهما قبل أن ينفذا عملية انتحارية. ويسلط الفيديو الضوء على سياسة تجنيد الأطفال الفاعلة التي يتبعها التنظيم، التي شهدت تصاعدا ملحوظا مع الهجوم الجاري لتحرير الموصل، ثاني كبرى مدن العراق. وشرح الطفلان الإيزيديان المجندان كيف «اعتنقا» الإسلام، كما تحدّثا عن التوجيه والتدريب الذي قدمته المجموعة المتطرفة لهما. وادعى أحد الطفلين، الذي عرّف عنه باسم أمجد «أبو يوسف السنجاري»، أن «الإيمان الإيزيدي هو بمثابة عبادة الشيطان، ويمثّل الجهل والوثنية»، وفقا لموقع أخبار إلكتروني عراقي. هذا، ولقد ألحِق الطفلان بما يسمى «المعهد الديني» التابع لـ«داعش»، حيث جرى تلقينهما «عقيدته» قبل نقلهما إلى معسكر تدريب داخل سوريا، حيث تعهدا بالولاء والطاعة للقادة المحليين وجرى تسجيلهما ضمن مجموعة المهاجمين الانتحاريين. وبعد ذلك يظهر الطفلان وهما يبتسمان على متن مركبة مدرّعة تحتوي على كمية ضخمة من العبوات الناسفة قبل تفجيرها.
يُقدّر أنه منذ بدء هجوم الموصل، بشمال العراق، في أواخر العام الماضي، قتل نحو 300 طفلٍ من الأطفال السوريين المجنّدين الذين عمل تنظيم داعش الإرهابي المتطرف على إدخالهم إلى العراق، وذلك وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ولقد ارتفعت وتيرة تجنيد الأطفال بسرعة خلال العامين 2015 و2016، وفقا لتقرير صادر عن مجلة «سي تي سي سنتينيل» الصادرة عن «مركز مكافحة الإرهاب» التابعة للأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت بولاية نيويورك.
وحسب إحصائيات المجلة المذكورة، نعى «داعش» بين 1 يناير (كانون الثاني) 2015 و31 يناير 2016 في إطار حملاته الدعائية 89 طفلاً ويافعا. وزُعم أن 51 في المائة منهم قد لقوا حتفهم في العراق، في حين قتل 36 في المائة منهم في سوريا. أما الأطفال واليافعون الباقون، فقتلوا خلال عمليات في اليمن وليبيا ونيجيريا.
ولقد جرى تصنيف 60 في المائة من العينة على أنهم «مراهقون» بناءً على الصور التي نشرها التنظيم المتطرف، و34 في المائة صنّفوا بأنهم من «المراهقين الأكبر سنا»، و6 في المائة كانوا في مرحلة «ما قبل المراهقة. وعلى صعيد الجنسيات، كان 31 في المائة من الجنسية السورية، و25 في المائة من السوريين - العراقيين، و11 في المائة من العراق. أما الـ33 في المائة الآخرون فكانوا من اليمن والمملكة العربية السعودية وتونس وليبيا والمملكة المتحدة (بريطانيا) وفرنسا وأستراليا ونيجيريا.
وبحسب دراسة «مركز مكافحة الإرهاب»، كان من أصل الحالات الـ89 الموثقة 39 في المائة لقوا حتفهم عندما قاموا بتفجير سيارة مفخخة ناسفة ضد هدف، و33 في المائة قتلوا في معارك غير محددة كانوا يشاركون فيها بصفتهم جنودا مشاة، وتوفي 6 في المائة أثناء عملهم دعاة ضمن الوحدات، ونفّذ 4 في المائة منهم عمليات انتحارية في إطار هجمات استهدفت مدنيين. وأما النسبة الأخيرة التي تشكل 18 في المائة فقتلوا في «عمليات انغماسية»، حيث تقوم مجموعة مؤلفة بمعظمها من المقاتلين البالغين بالتسلل والهجوم على موقع العدو، مستخدمين أسلحة أوتوماتيكية خفيفة قبل قتل أنفسهم عبر تفجير أحزمتهم الناسفة.

وتيرة متسارعة
والحال، أن هذه البيانات، أعلاه، توضح من دون أدنى شك أن «وتيرة تجنيد للأطفال واليافعين والشباب الصغار لأغراض عسكرية تشهد تسارعا؛ إذ ارتفع معدل قتلى الشباب الذين يقتلون في عمليات انتحارية من ستة أفراد في يناير 2015 إلى 11 في يناير 2016، كذلك هناك تزايد ملحوظ في عدد معدل العمليات التي تنطوي على طفل واحد أو أكثر أو شاب أو أكثر. ثم ثمة تزايد كذلك في عدد العمليات الانتحارية التي شارك فيها الأطفال والشباب الصغار؛ إذ ارتفعت أعداد العمليات الانتحارية التي شارك فيها أطفال - شباب بمعدل ثلاثة أضعاف في يناير 2016، مقارنة بالفترة نفسها في عام 2015»، كما ذُكر في التقرير.
وبالتالي يبدو أنه، مع ازدياد الضغط العسكري الذي كانت تتعرّض معاقل «داعش» في غضون الأشهر الأخيرة، أصبحت هذه العمليات أكثر جاذبية من الناحية التكتيكية، ولا سيما، تلك التي تشمل العمليات «الانغماسية» المتنوعة. ذلك الهجمات الانتحارية باتت أداة فاعلة بيد التنظيم المتطرف في الحرب النفسية المنظمة التي يشنها ضد خصومه.

دراسة أوليدورت
على صعيد آخر، نظري هذه المرة، تشير دراسة أعدها الدكتور جايكوب أوليدورت من «معهد واشنطن (لسياسة الشرق الأدنى)» إلى أن إقدام «داعش» على تلقين الأطفال عقيدته يسمح أيضا بترسيخ الولاء لدى الجيل التالي من هؤلاء الصغار. وحسب دراسة أوليدورت، يمكن تقسيم منهج «داعش» في الكتب المدرسية إلى شقين: الشق الأول يتناول كيف يتطرق التنظيم إلى الموضوعات التقليدية المرتبطة بدراسة العلوم الدينية، كالقرآن والحديث والعقيدة والقانون - الفقه، حيث تقوم جميعها بتحديد مزايا الإيمان والممارسة في الإسلام. أما الشق الآخر، فله علاقة بموضوعات أخرى كالاستعداد الجسدي، والتاريخ، والجغرافيا، والرياضيات، التي تشكل موضوعات ثانوية بالنسبة للهوية الإسلامية للتنظيم، بيد أنها أساسية لتدريب «مواطني» مشروع «دولته».
تدين الكتب المدرسية في عالم «داعش» الديمقراطيات الغربية وتشرح الفارق بين «غير المؤمنين»، أو «غير المسلمين»، و«المنافقين»، أو المسلمين الذين يتعاونون مع الغرب أو الذين لا يدعمون «داعش»، وفقا لأوليدورت. وفيها يبرر التنظيم المنهج العنفي، ويزعم أن «القتل ضروري لأغراض دينية». ويستخدم «داعش» هذه الكتب، وفق معد الدراسة، بهدف «تشويه نظرة الأطفال إلى العالم بشكل كلي». كذلك تؤكد الكتب على «واجب فرض السلطة الدينية، ومحاربة المسلمين الذين يعصون الشريعة الإسلامية»، كما تحظر أي شكل من أشكال الحكم القائمة على «المنطق البشري ويختلف عن شريعة الله».
بالإضافة إلى ما سبق، أيضا حسب دراسة أوليدورت، إلى أن أحد الكتب «يفصّل مختلف الألقاب والوظائف الإدارية في الدولة الإسلامية (المزعومة)» كما يأمر بطاعة «الخليفة»، معلنا أن «أي شخص يعصي أوامر الحاكم يُعتبر كافرا». ويصار إلى تدريب الطلاب الأصغر سنا في البداية ليصبحوا جواسيس، ومن ثم يجري تشجيعهم على الإبلاغ عن أفراد أسرتهم أو الجيران الذين ينتهكون قوانين «داعش»، أو الذين ينتقدون «دولته» المزعومة. كذلك يجري تدريب أطفال «داعش» على ألا يتأثروا أبدا بالموت، وذلك عبر مشاهدتهم بشكل روتيني أعمال الصلب والرجم وقطع الرؤوس. وفي المرحلة الأخيرة من التدريب، يؤمر الأطفال بقتل السجناء.

غسل الأدمغة
جدير بالذكر، أنه خلال يوليو (تموز) 2015، ذكرت صحيفة «الدايلي مايل» البريطانية أن «داعش» نشر مقطعا من شريط فيديو يظهر مجموعة من الأطفال بالزي العسكري ويطلقون الرصاص، منفذين الإعدام بـ25 جنديا تابعين للنظام السوري أمام حشد كبير في المدرج القديم بمدينة تدمر الأثرية في ريف محافظة حمص السورية. وتلى هذا المقطع ثلاثة مقاطع أخرى جرى نشرها في الشهر السابق، ظهر فيها أطفال يتدربون على اتخاذ الأسرى، والقنص، ونصب الكمائن للمركبات.
وفي إطار جذب هؤلاء الأطفال، الجاري تجنيدهم من خلال النظام المدرسي التقليدي، الذي يخضع لسيطرة «داعش»، يقدم «داعش» الألعاب والحلوى للأطفال لمجرد حضورهم، إضافة إلى توفير الاختلاط الاجتماعي بشكل تدريجي خلال الفعاليات العامة. وكان أحد الآباء من مدينة الرقّة قد قال لـ«الشرق الأوسط» عبر تطبيق «واتساب» في مقابلة سابقة معه «قررنا عدم إرسال أطفالنا إلى المدرسة؛ لأننا لا نريد أن يقوم (داعش) بغسل أدمغتهم». ويمكن بالفعل ملاحظة التأثير المستقبلي للدعاية التي يقوم بها «داعش»؛ إذ في مقابلة أجرتها أخيرا وكالة «رويترز» للأنباء مع عمار حسين، أحد متشددي تنظيم داعش، اعترف الشاب بأنه انضم إلى تنظيم القاعدة للمرة الأولى في سن الرابعة عشرة. والآن بعد سبع سنوات، يقول حسين إنه اغتصب أكثر من 200 امرأة من الأقليات العراقية، وتسبب بمقتل نحو 500 شخص.
وبالتالي، تؤكد حالة حسين الحاجة الملحة إلى لوضع برامج لإعادة إدماج الأطفال الذين نشأوا في ظل «داعش»؛ ذلك أن مراكز معالجة التطرف المخصصة للأطفال ضرورية في البلدان التي مزقتها الحروب كسوريا والعراق، إذا كانت هناك جدية في تجنب الموجة المقبلة من المتطرفين الإرهابيين الشباب.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟