«فقه الضرورة» بين متطرفين ليبيين يعيد صياغة «تحالفات مرحلية»

غالبية المنهزمين في درنة وسرت وبنغازي فرّوا إلى طرابلس›

عناصر من «داعش ليبيا» خارج مدينة سرت («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش ليبيا» خارج مدينة سرت («الشرق الأوسط»)
TT

«فقه الضرورة» بين متطرفين ليبيين يعيد صياغة «تحالفات مرحلية»

عناصر من «داعش ليبيا» خارج مدينة سرت («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش ليبيا» خارج مدينة سرت («الشرق الأوسط»)

بدأت عناصر مصرية متشددة خلال الأسبوع الماضي، تتجمّع من جديد في العاصمة الليبية طرابلس ومحيطها، وخاصة في المناطق القريبة من مطار طرابلس الدولي - يوم الجمعة قبل الماضي - عقب افتتاحه على يد ميليشيات لا تخضع لسلطة «حكومة التوافق» التي يرأسها فايز السراج.
أين كانت هذه العناصر وما الخطوط الفكرية والفقهية التي توافقت حولها، ومَن وراء فتح الطريق لها، ومن يدفع لها أموال الإقامة والتدريب في عاصمة تعمّها الفوضى؟
هل تتذكّرون المتشددين المصريين الذين فرّوا إلى ليبيا عام 2013. عقب الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي؟ كانوا عدة مئات من العناصر الإخوانية وغير الإخوانية الموالية لمرسي، واستقر المقام بهؤلاء في مدينة درنة الليبية التي تقع على بعد نحو 300 كيلومتر من الحدود المصرية.
غير أن الخلافات الفكرية والفقهية سرعان ما عصفت بهذا «الخليط المصري المغترب» الذي كان يضم عناصر من الإخوان ومن تنظيم «أنصار بيت المقدس» الموالي لـ«داعش»، ومن مقاتلين موالين لتنظيم القاعدة. ودبّ الضعف في هذا الخليط القتالي المصري الذي استحوذت أخباره وقتها على وسائل الإعلام، وأخاف المصريين من المستقبل. ولكن في الأسبوع الماضي، بدأت وجوه من هذا الخليط تتجمع من جديد في العاصمة الليبية، وخاصة في المناطق القريبة من مطار طرابلس الدولي عقب افتتاحه يوم الجمعة قبل الماضي على يد ميليشيات لا تخضع لسلطة «حكومة التوافق».
أحد المنظّرين السابقين لتنظيم «القاعدة في ليبيا» يقول شارحاً إن ما يمكن تسميته بـ«فقه الضرورة» بين «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان» في ليبيا، هو السبب في العودة لتجميع المقاتلين المتشددين المصريين ومحاولة الاستفادة، مشيراً إلى أن غالبية البارزين من هؤلاء من «أنصار بيت المقدس» الذين انتهى بهم طريق الفرار من سيناء إلى طرابلس، مرورا بعدة مدن ليبية، ودول بالمنطقة على خصام مع مصر.
ويوضح مصدر في ميليشيات طرابلس إن غالبية العناصر المتشددة التي وصلت إلى العاصمة الليبية طرابلس في مجموعات صغيرة، في الوقت الراهن، هم من جماعة «أنصار بيت المقدس» التي غيرت اسمها منذ إعلانها مبايعة «داعش» إلى «ولاية سيناء». وكانت الجماعة قد أقدمت، عقب عزل الرئيس السابق مرسي من الحكم، وعقب العصف بألوف من قيادات وكوادر الإخوان المسلمين، على شن حملة من العمليات الدامية استهدفت منشآت عسكرية وأمنية في سيناء وعدة مدن مصرية خارج سيناء.
وأدت الحملة الأمنية المصرية الواسعة ضد تنظيم «أنصار بيت المقدس» أو «ولاية سيناء»، إلى فرار المئات منهم عبر عدة طرق: الأول من سيناء إلى قطاع غزة المجاور حيث يوجد هناك خليط آخر من جماعات متشددة. والثاني، إلى الحدود مع ليبيا، ومنها إلى مدينة درنة التي كانت في ذلك الوقت من عام 2014. معقلاً لتنظيم «أنصار الشريعة» الليبي الموالي لتنظيم القاعدة، والذي كان يقوده في تلك المدينة سجين سابق في غونتانامو يدعى «بن قمو».

خلافات.. وانقسام
لم يكن «بن قمو» يميل إلى «داعش» حين أعلنت قيادات من تنظيم «أنصار الشريعة» في كل من مدينتي درنة وبنغازي، البيعة لـ«الخليفة» المزعوم المقيم في العراق «أبو بكر البغدادي». ومن هنا بدأت الخلافات تدب لأول مرة بين المجموعات المصرية المتشدّدة التي استقرت في درنة. فهل تبايع «داعش» مع المبايعين؟ وما موقف العناصر الإخوانية والقاعدية المصرية التي فرّت معها من مصر؟ ومن هنا وقع الانقسام. غالبية المصريين، وكان عددهم يقدر بنحو ثلاثمائة مقاتل وعشرات الدعاة المتشددين، وجدوا لهم ملاذاً في مدينة بنغازي تحت رعاية قائد تنظيم «أنصار الشريعة» في المدينة، الملقب بـ«الزهاوي»، الذي قتل فيما بعد في معارك التنظيم مع «الجيش الوطني الليبي» الذي يقوده المشير خليفة حفتر.
ووفقاً لشهادة من قيادي في الميليشيات، لم يكن «الزهاوي» يشغل من معه بالخلافات الفقهية، بل كان مندفعاً في طريق واحد، هو الحرب على الجيش الليبي. ولهذا، كما يقول المصدر نفسه، ظلت هناك حالة من انعدام التوافق بين «بن قمو» في درنة، و«الزهاوي» في بنغازي، حتى مقتل الأخير في معركة مطار بنينا (بنغازي)، رغم أنهما كانا يقودان تنظيم «أنصار الشريعة» نفسه. وفيما بعد اتضح أن عناصر «أنصار الشريعة» في درنة كانوا قد انقسموا في الولاء بين «داعش» و«القاعدة». وأدى مقتل «الزهاوي»، ومحاصرة الجيش الليبي كلاً من درنة وبنغازي، إلى ضياع بوصلة المتشددين المصريين الوافدين، وذوبان معظم هؤلاء في مجاميع ليبية وأجنبية متذبذبة في الولاءات بين هذا التوجه وذاك.
استمر هذا الأمر إلى أن بدأ تنظيم داعش يعلن عن تأسيس أكبر مركز له في شمال أفريقيا، في مدينة سرت بالشمال الأوسط من ليبيا في أواخر 2014. وارتكب التنظيم في سرت أول عملية فظيعة صدمت العالم، وذلك حين أقدم على اختطاف وذبح 21 مصرياً مسيحياً. وعلى الأثر تعرض لضربات من الطيران المصري، في مطلع 2015. طالت مواقع كان ما زال يحتفظ بها في جبال محيطة بمدينة درنة. وهنا، كما يكشف مصدر من جهاز المخابرات في طرابلس، دخل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين على الخط، وقام قيادي ليبي في التنظيم الدولي، وبمساعدة من زعيم في «الجماعة الليبية المقاتلة» التابعة لتنظيم القاعدة، بنقل المصريين، ومعظمهم من «أنصار بيت المقدس» من درنة إلى طرابلس. وكان ذلك في أواخر عام 2015.
غير أن عشرات من هؤلاء المصريين، بمجرد وصولهم إلى العاصمة الليبية حينذاك، تواصلوا مع زعيم «داعش» في طرابلس الملقب بـ«المدهوني». وخصّص لهم «المدهوني» هذا، وهو ليبي يحمل جواز سفر عراقيا، معسكراً للإقامة فيه في منطق عين زارة في العاصمة، وخصّص لهم رواتب شهرية تتراوح بين 700 دولار و1500 دولار أميركي. ومن ثم منح عدة عشرات منهم لجماعة موالية لـ«داعش» تعمل غربي طرابلس وفي منطقة الرابطة القريبة، تُعرف باسم «جند الحق» يقودها رجل يدعى «رشيد». وازداد عدد الوافدين المصريين، فجرى تشكيل عدة سرايا منهم، من أجل الدفاع عن معقل التنظيم في سرت. وبعدها انقطعت صلة العناصر التي انضوت في هذه السرايا، بكل من التنظيم الدولي لـ«الإخوان» وتنظيم القاعدة. وتعامل معهم إخوان ليبيا والجماعة المقاتلة باعتبارهم «منشقّين».

بعد خسارة سرت
بعد هزيمة «داعش» في سرت، كما يذكر أحد القيادات الأمنية في طرابلس، فرّت العناصر المصرية المتشددة إلى الصحراء وإلى دول في المنطقة، وبدأت تبحث من جديد عن ملاذ آمن. لكن «المدهوني» كان قد غادر إلى العراق، والقيادات الجديدة لـ«داعش ليبيا» ما زالت في طور إعادة التشكيل. ويضيف المصدر نفسه: هنا دخل التنظيم الدولي لـ«الإخوان» ومعه قيادات من «الجماعة الليبية المقاتلة» على الخط، للاستفادة من المقاتلين المصريين على محورين: بالنسبة للمحور الأول، الذي يخص التنظيم الدولي لـ«الإخوان»، فإنه كان يهدف إلى استخدام العناصر المصرية لصالح خصوم مصر للضغط على القاهرة، والتهديد بهم كذراع يمكن أن تنفذ أعمال عنف، ليس في سيناء فقط، ولكن في المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية. أما المحوَر الثاني، فيتعلّق بـ«الجماعة الليبية المقاتلة» التي كانت تعاني من نقص في عدد المقاتلين، خاصة بعدما انقسم قادتها بين موالين لـ«حكومة التوافق» برئاسة فايز السراج، وموالين لـ«حكومة الإنقاذ» بقيادة خليفة الغويل.
لكن المصدر يضيف موضحاً: بشكل عام، بعد فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وتوقع ظهور سياسة أميركية صارمة تجاه الجماعات المسلحة في طرابلس، أصبحت هذه الجماعات تبحث عن طرق لزيادة أعدادها، بغية استعراض القوة. وفي المقابل، يسعى المقاتلون الأجانب، ومنهم «أنصار بيت المقدس» وغيرهم، إلى إيجاد مصادر للتمويل من أجل الاستمرار في العمل. بالطبع كل له أهداف بعيدة عن الآخر، لكن الظروف تجعل كل هذه المجاميع تستفيد من بعضها بعضا بقدر الإمكان. ويكشف مصدر أمني آخر أن قياديا ليبياً في التنظيم الدولي لـ«الإخوان»، وآخر في «الجماعة الليبية المقاتلة»، قاما خلال الشهر الماضي بالإشراف على تجميع المصريين الفارين من سرت وبنغازي، في مقار بمدينة صبراتة، غرب طرابلس وعلى مقربة من الحدود الليبية مع تونس، مشيراً إلى أن هذه المنطقة أصبح ينشط فيها أيضا القادة الجدد لتنظيم «داعش ليبيا»، وهم أربعة جاءوا لإصلاح أوضاع «داعش» بعد فشل «المدهوني» في الحفاظ على سرت. وتابع مفصلاً: وجود أربع قيادات لـ«داعش» في صبراتة والزاوية وغرب طرابلس، أعاد مخاوف الإخوان والمقاتلة من انضمام المصريين إلى «داعش» من جديد، خاصة أن أحد القيادات الداعشية الأربعة الجديدة، مصري الجنسية. ولهذا بدأت خطة سريعة لإبعادهم عن صبراتة وإيجاد مناطق آمنة لهم في طرابلس. ووفقاً للمصدر نفسه، جرت عملية تجميع المصريين في غرب طرابلس منذ نحو عشرة أيام، داخل معسكر في منطقة الحرشة بمدينة الزاوية (قرب طرابلس)، وتم جلب عشرات المقاتلين المصريين الآخرين الذين كانوا قد فروا من درنة وسرت وبنغازي، إلى خارج ليبيا. و«يوم الأربعاء الماضي دخل بالفعل 30 عنصراً مصرياً من (أنصار بيت المقدس) متسللين عبر الحدود من تونس. وهؤلاء كانوا قد فروا من ليبيا إلى العراق وسوريا عقب هزيمة «داعش» في سرت». ويضيف أن «أنصار بيت المقدس»، رغم رعاية قيادات من الإخوان و«الجماعة الليبية المقاتلة» لهم في ليبيا، من جديد، فإنهم ما زالوا على تواصل مع تنظيم داعش.
ويتابع المصدر: «مثلاً،.. حين كان العناصر الثلاثون في طريقهم من الحدود التونسية إلى طرابلس، فإنهم عرّجوا على صبراتة، والتقوا هناك بأحد القيادات الأربع للدواعش، وهو تونسي ملقّب بـ(أبو حيدرة)، قبل أن يواصلوا طريقهم إلى طرابلس. وتسبب هذا بمخاوف من أن تعود جماعة أنصار بيت المقدس إلى العمل مع (داعش ليبيا) مجدداً، في حال تمكنها من إيجاد مواضع لأقدامها في العاصمة».

«كتيبة الفاروق»
من ناحية أخرى، خصّصت يوم الجمعة الماضي خمس حافلات لاستقبال دفعة جديدة من «أنصار بيت المقدس» الآتين من خارج ليبيا عبر طائرة حطت في مطار طرابلس بعد أيام من افتتاحه. ونقلت الحافلات هؤلاء من المطار إلى مقر يقع على طريق السواني في العاصمة، منحه زعيم في «كتيبة الفاروق» الداعشية، لجماعة الإخوان. ومن المقرر أن ينضم هؤلاء إلى ميليشيات موالية للقاعدة ومناوئة لحكومة السراج.
ويعود تقارب الخطوط بين التنظيمات المتطرفة، خاصة «داعش» والقاعدة، إلى رسالة قديمة تعود لعام 2015 لزعيم في مقر «داعش» في العراق وسوريا، هو «أبو محمد المقدسي»، كان يريد فيها إبعاد الخلافات «النظرية والشرعية» بين التنظيمين المتشددين، خاصة بعد تفاقم الصراع بينهما في سوريا. وخلال الأيام الماضية، في خضم الفوضى في أوساط الجماعات المسلحة في ليبيا، عاد الحديث عن نظرية «المقدسي»، إلا أن أنصاراً في تنظيم القاعدة في ليبيا ما زالوا يتعاملون مع هذه المحاولة باعتبارها «تكتيكاً «داعشياً» جديد للاستقطاب والتوسع، وأنها «في الحقيقة لا أساس لها في الواقع».
وهنا يقول أحد المنظّرين السابقين لتنظيم «القاعدة في ليبيا» إن «ما يحدث هو أن بعض القيادات التي ما زالت موالية للظواهري (زعيم القاعدة) تشعر بأنها أصبحت تفتقر للقوة في ليبيا... ولهذا ليس لديها مانع من التحالف مع (داعش). أما (داعش) وأنصار بيت المقدس (الغرباء عن ليبيا) فيرون أنهم في حاجة لمثل هذه القيادات المحلية سواء من القاعدة أو من الإخوان، من أجل التغلغل داخل البلاد التي يجهلون تركيبتها وتعقيداتها. والخلاصة، أن كل فريق يعين الآخر، لكن لكل طريقه الخاص في نهاية المطاف».
ووفقاً لمصدر في جهاز مخابرات طرابلس، الضعيف الإمكانيات، حرصت جماعة الإخوان الليبية على وضع المقاتلين المصريين من «أنصار بيت المقدس»، وذوي الخبرة القتالية في مقرات جديدة بالعاصمة طرابلس، على أن يصار إلى توظيف غير المدرّبين منهم في أعمال الخدمة العادية كالبناء والطبخ والغسيل، مع إخضاعهم لدورات التدريب لاحقاً. ومن المرجح أن يكون قد وصل عدد هؤلاء الآن إلى نحو 500 مصري.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».