«الفيدرالية الكردية» تترنح بعد سيطرة أنقرة على الباب

«سوريا الديمقراطية» تلتزم «الصبر الاستراتيجي» ومطمئنة لحلفها مع واشنطن

«الفيدرالية الكردية» تترنح بعد سيطرة أنقرة على الباب
TT

«الفيدرالية الكردية» تترنح بعد سيطرة أنقرة على الباب

«الفيدرالية الكردية» تترنح بعد سيطرة أنقرة على الباب

يُدرك أكراد سوريا أنّه ومع سيطرة قوات «درع الفرات» المدعومة تركيًا على مدينة الباب الواقعة في الشمال السوري، قد بدأ فعليًا حلمهم بـ«الفيدرالية» يترنح من دون أن يسقط، فهم وإن كانوا يقرون بأن المستجدات الميدانية الأخيرة تمنع في المدى المنظور وصل ما يُعرف بـ«مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية»، أي ضم مقاطعتي الجزيرة وكوباني إلى مقاطعة عفرين، فإنهم يؤكدون التزامهم «الصبر الاستراتيجي» ويعولون على متغيرات في المشهد السوري العام تصب لمصلحتهم في مراحل لاحقة.
ويعتبر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أنّه ومع توسيع القوات التركية التي تقود عملية «درع الفرات»، نطاق سيطرتها لنحو 2400 كلم من ريف حلب الشمالي الشرقي، تكون قد تمكنت عمليًا من الوصول إلى هدفها الرئيسي من العملية، بإنهاء حلم تشكيل «الفيدرالية» في الشمال السوري عبر قطع المنطقة التي كانت تنوي «قوات سوريا الديمقراطية» عبرها، وصل مناطق «الإدارة الذاتية الديمقراطية» في مقاطعتي الجزيرة وكوباني مع مقاطعة عفرين. إلا أن خبراء معنيين بالملف ومقربين من واشنطن يرفضون الحسم في هذا المجال. وهو ما عبّر عنه رياض طبارة سفير لبنان السابق في الولايات المتحدة الأميركية الذي اعتبر أن «ما لم يحققه الأكراد حتى الساعة بالقوة قد يتحقق بالحل الشامل الذي سيتم اعتماده لحل الأزمة السورية، وإن كان هذا الحل لا يزال حتى الساعة مجهول الملامح تمامًا نتيجة التردد الأميركي المستمر في التعامل مع الملف السوري». وأكد طبارة لـ«الشرق الأوسط» أن المجموعة المحيطة بالرئيس الأميركي دونالد ترمب لم تضع بعد استراتيجية كاملة لسوريا، خصوصًا في ظل تفاقم الخلافات داخل الإدارة الجديدة في واشنطن حول المقاربة الواجب اعتمادها، لافتًا إلى أن «التفاهم الوحيد هو على المضي بمحاربة (داعش) أيًا كان الفريق الذي سيتولى ذلك، من هنا كان الدعم الأميركي للحملة التركية على الباب». وأضاف: «عندما دعمت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الأكراد دعمتهم لأنّهم المجموعة الأقوى لمحاربة التنظيم المتطرف، إلا أنها لم تطلق أي وعود متعلقة بالفيدرالية الكردية أو غيرها من الوعود التي قد يبني عليها الكرد لضمان إحياء حلمهم القديم - الجديد».
من جهته، يبدو رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - إنيجما» رياض قهوجي، حاسمًا أكثر بموضوع «الفيدرالية الكردية»، إذ رجّح وجود «تفاهمات تركية - أميركية وروسية - تركية على التصدي لقيام دولة كردية في الشمال السوري وعلى منع قيام كيان متواصل للأكراد، حتى ولو انتهت الأمور إلى التقسيم في سوريا». واستبعد قهوجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «يحاول الأكراد التصدي لهذه التفاهمات بالقوة، خصوصًا أنّهم يعيشون في جيب داخلي يجعلهم يعتمدون على الجهات المحيطة بهم ليستمروا، وبالتالي لن يجدوا أي مصلحة على الإطلاق بمعاداة الجميع».
بالمقابل، يتحدث نواف خليل، رئيس المركز الكردي للدراسات عن سياسة «الصبر الاستراتيجي» التي تتبعها وحدات الحماية الكردية و«قوات سوريا الديمقراطية»، لافتًا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أكراد سوريا يعون تمامًا أن أنقرة تسعى لتوجيه ضربة لكل تجربة الإدارة الذاتية بمسعى لإنهائها تمامًا، إلا أنهم يدركون أيضًا غياب القدرات التركية في هذا المجال، وتساءل: «إذا كان دخول مدينة كالباب استلزم 184 يومًا، فكيف يفكرون بالتمدد أكثر؟»، ويبدو خليل مطمئنًا لعدم وجود أي نية أميركية لإشراك تركيا بتحرير الرقة، لافتًا إلى أن ما يتم تداوله في هذا المجال لا يتعدى «الدعاية» التي يتمسك بها إردوغان (الرئيس التركي) عشية الاستفتاء المنتظر على الدستور. وأضاف: «لدينا معلومات موثوقة من مصادر أميركية في أن أي إشراك لأنقرة في معركة الرقة لن يتعدى الدعم اللوجيستي، خصوصًا أن الأتراك حتى الساعة لم يقدموا للأميركيين أي خطة لتحرير المدينة». وينقل خليل تأكيدات أميركية بالاستمرار بدعم «قوات سوريا الديمقراطية» على أن يترافق ذلك مع زيادة المكون العربي في صفوفها، لافتًا إلى أن الزيارة الأخيرة للسيناتور الأميركي الجمهوري، جون ماكين إلى الشمال السوري وعقده لقاءات مع مسؤولين أكراد وغيرها من المؤشرات، كلها تؤكد أن التحالف مع واشنطن في تطور، «وإن كنا نضع كل الاحتمالات على الطاولة أمامنا».
وتترقب المجموعات الناشطة في الشمال السوري وبعد إطباق «درع الفرات» سيطرتها على الباب، الخطوة المقبلة لأنقرة. وفي هذا الإطار، نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مصادر عدة، قال إنها «موثوقة»، أن القوات التركية عمدت إلى الانتشار في غالبية المناطق التي تخضع لسيطرة قوات «درع الفرات» في ريف حلب الشمالي الشرقي، وتمركزت في معظم المناطق هذه، لافتًا إلى سعي تركيا لإتمام اتفاق مع أميركا حول إشراك موالين لأنقرة في إدارة مدينة منبج، لمنع استفراد «مجلس منبج العسكري» بالسيطرة على المدينة الواقعة في ريف حلب الشمالي الشرقي. كذلك تحدث المرصد عن عملية عسكرية مزمعة ضد «قوات سوريا الديمقراطية» في ريف حلب الشمالي، حيث سيتولى العملية مجلس تل رفعت العسكري مع مقاتلين محليين من أبناء ريف حلب الشمالي، على أن يجري تنفيذ هجمات تهدف إلى استعادة الفصائل السيطرة على المناطق التي خسرتها في عام 2016. وأشارت المصادر إلى أن تركيا تستغل وجود «قوات سوريا الديمقراطية» في ريفي حلب الشمالي والشمالي الغربي دون وجود خطوط إمداد تصلهم مع بقية مناطق سيطرتها في عين العرب (كوباني) والجزيرة، لدفع الفصائل إلى بدء المعارك معها بغية توسيع نطاق سيطرتها وتقليص مساحة سيطرة المجموعات الكردية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.