وسط مخاوف من انقراضها... خطة عمل لإنقاذ النسور

يطلق عليها «الشرطة الصحية للنظام البيئي»

يشير الخبراء إلى أن 16 من إجمالي 23 نوعًا من النسور معرضة للانقراض على مستوى العالم (أ.ب)
يشير الخبراء إلى أن 16 من إجمالي 23 نوعًا من النسور معرضة للانقراض على مستوى العالم (أ.ب)
TT

وسط مخاوف من انقراضها... خطة عمل لإنقاذ النسور

يشير الخبراء إلى أن 16 من إجمالي 23 نوعًا من النسور معرضة للانقراض على مستوى العالم (أ.ب)
يشير الخبراء إلى أن 16 من إجمالي 23 نوعًا من النسور معرضة للانقراض على مستوى العالم (أ.ب)

سمعة النسور كطيور جارحة قد تمنع التعاطف معها، خصوصًا مع تراجع أعدادها والمخاوف من تعرُّضها للانقراض. أفردت وكالة الأنباء الألمانية تقريرًا مطولاً حول النسور ودورها في الحياة البرية، ومخاوف تسممها جراء العقاقير الطبية التي تعالج الحيوانات الأخرى.
تعاني النسور من سمعة سيئة لدى من يعرف الفرق بينها وبين العقاب، ومن يعلم أن النسور هي ذلك الطائر الجارح الذي لا ينقض على فريسته إلا بعد أن تكون لفظت أنفاسها الأخيرة أو حصل منها الحيوان المفترس على مشتهاه.
فالنسور لا تتمتع على سبيل المثال بما يتمتع به العقاب من اعتزاز وكبرياء، ولا تمتلك بهاء طائر القطرس، أكبر الطيور.
تحوم النسور بنظر حاد فوق الأرض باحثة عن جيف حيوانات للانقضاض عليها في الوقت المناسب والتهامها، والوقت المناسب هنا هو التأكد من موت هذه الحيوانات، والتيقن بأنه ليس هناك حيوان مفترس آخر يتربص بهذه الجثث أو ربما بحيوان آخر يقترب منها.
وهناك لدى الألمان عدة تعبيرات لغوية مشهورة تستخدم فيها النسور بمعنى سلبي منها على سبيل المثال: «فليأكلك النسر!»، كتعبير عن الغضب، أو في إشارة إلى ما يشيع عن النسور من جشع، وكذلك «ينقض على شيء انقضاض النسر».
ولكن ربما أصبحت هذه الاستخدامات اللغوية متقادمة قريبًا، في ظل تراجع أعداد النسور على مستوى العالم بشكل مأسوي، وفي ظل مخاوف من انقراضها.
فعلى سبيل المثال، تراجعت خلال العقود الماضية أعداد النسور في أفريقيا وآسيا حيث تعيش ما يُعرف بالجوارح القديمة، وبلغ هذا التراجع 95 في المائة حسبما أعلن الخبراء قبل بضعة أيام خلال مؤتمر في مدينة طليطلة الإسبانية، وهو المؤتمر الذي انتهى إلى إعداد خطة عمل لإنقاذ النسور.
وأشار الخبراء إلى أن 16 من إجمالي 23 نوعًا من النسور معرض للخطر على مستوى العالم.
ووضع الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة IUCN أربعة أنواع من النسور الآسيوية وأربعة أنواع من النسور الأفريقية ضمن القائمة الحمراء للطيور «المهددة بشكل خطير» من بينها «نسر الأذون» و«النسر أبيض الظهر» والنسر الهندي و«النسر الأبقع».
وشدد إيفان راميريز، رئيس قسم الطيور في أوروبا وآسيا الوسطى لدى الجمعية العالمية لحماية الطبيعة على أن هناك إجراءات ضرورية يجب اتخاذها، وأضاف: «الأمر لا يتعلق فقط بطيور رائعة جدًا يجب الحفاظ عليها بل أيضًا بالشرطة الصحية لنظامنا البيئي».
* لماذا تكتسب النسور هذه الأهمية؟
أجاب نايك ويليامز، خبير النسور بالأمانة العامة لـ«ميثاق بون» الخاص بالحفاظ على أنواع الطيور البرية المتجولة عن هذا السؤال قائلا إن دور النسور في النظام البيئي هو تنظيف الأرض من الجيف «ولولا النسور لقامت أنواع أخرى من الطيور بهذه المهمة أو لظلت الجيف على الأرض وهو ما من شأنه أن يزعزع أنظمة بيئية أخرى كاملة، وأسهم في نشر الأمراض ليس فقط بين الحيوانات ولكن أيضًا بين البشر».
أضاف ويليامز: «النسور جزء رائع من مكونات تنوع الأنواع في البيئة التي تعيش بها».
وتسهم كثير من العوامل في انقراض النسور أكثرها خطورة هو تسميم الطيور، وهو ما يحدث غالبًا عن غير قصد، حيث تلتهم جيف الضباع وحيوان ابن آوى الذي يقوم بدور يشبه دور الذئب البري، ويتعرض للملاحقة في أفريقيا بشكل خاص، بسبب الخطورة الذي يمثلها على الحيوانات المنزلية. وكثيرًا ما تقع عشرات الطيور الجارحة من مختلف الأنواع على أحد الحيوانات النافقة، ثم تموت هي الأخرى ميتة مؤلمة.
ولكن صائدي الحيوانات البرية الذين يلاحقون في الأصل الفيلة ووحيد القرن يضيِّقون الخناق على النسور، حيث يسعى هؤلاء الصيادون للحيلولة دون اكتشافهم من قبل حماة الحياة البرية الذين يمكن أن تشي النسور بهم من خلال تحليقها في الهواء فوق جثة فيل على سبيل المثال، وهو ما يجعل الصيادين في بعض الأحيان يتعمدون تسميم جيف الحيوان لقتل أكبر عدد من النسور مرة واحدة.
كما يُسهِم «الطب التقليدي» في أجزاء واسعة من أفريقيا وآسيا في نفوق النسور بشكل واسع، مما حدا باتحاد «نابو» الألماني لحماية الطبيعة على موقعه الإلكتروني إلى وصفه بـ«الصادم»، ناقلاً عن مارك أندرسون، مدير قسم حماية الحياة البرية في جنوب أفريقيا، قوله: «يأكل المهووسون بالرهانات مخ النسور منذ بطولة العالم لكرة القدم عام 2010، للتمكن من التنبؤ بنتيجة إحدى المباريات، والتحكم في أموال الرهانات».
تتضمن خطة العمل التي ينتظر إقرارها في العاصمة الفلبينية مانيلا في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل 100 إجراء خلال الـ12 سنة المقبلة يسعى الباحثون من خلالها لإنقاذ النسور، أبرزها اعتماد قوانين صارمة لحماية النسور وتحسين إجراءات الحفاظ عليها.
لم تسلم النسور من شر الإنسان حتى في أوروبا نفسها، حيث أصبحت إسبانيا وإيطاليا (حيث يعيش 80 في المائة من جميع النسور في أوروبا) تسمحان منذ فترة باستخدام المادة الفعالة ديكلوفيناك في علاج الحيوانات الرعوية مثل الأبقار والخنازير، وهي المادة التي تسببت في التسعينات في نفوق واسع للنسور في الهند أفنى نحو 99 في المائة من إجمالي أعدادها هناك.
ويخشى الخبراء حدوث الشيء نفسه الآن في أوروبا «إذ إن هذا العقار غير خطير على البشر ولكنه قاتل للنسور»، حسبما حذر خوان كارلوس أتيانزا من جمعية الطيور العالمية في طليطلة.
أضاف أتيانزا: «إسبانيا هي آخر دولة في أوروبا تمتلك النسور بكثافة عالية، ولم تعد أيضًا مكانًا آمنًا لهذه الطيور».
وطالب أتيانزا الحكومة الإسبانية بحظر استخدام مادة «ديكلوفيناك» بشكل فوري، خاصة في ظل وجود بدائل مناسبة وغير خطيرة لهذه المادة التي تستخدم في الطب البيطري. وحظرت ألمانيا التي يعيش النسر الملتحي في مناطقها الجنوبية هذه المادة، مما جعل تسمم النسور جراءها غير وارد، حسبما أكدت خبيرة بميثاق «بون».
ومع ذلك، فإن النسور السمراء التي تحلِّق من وقت لآخر في منطقة جبال الألب الألمانية تعاني من قلة الجيف التي تعيش عليها، لأن المعنيين بجمال هذه المناطق يسارعون لنقل هذه الجثث التي تعتمد عليها النسور في طعامها من الجبال إلى الوادي ثم يتخلصون منها، تاركين بذلك نسورًا جائعة تحوم فوق الألب باحثة عن جيف.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».