موسكو تبدي استعدادها للتعاون مع واشنطن في المناطق الآمنة

رحبت بحذر بمفاوضات جنيف وتنازلت في مشاركة «الديمقراطي الكردي»

مقاتل من {جيش الإسلام} يطلق سلاحه (الروسي) الثقيل على قوات النظام والميليشيات التابعة لها في حرستا قرب دمشق (أ.ف.ب)
مقاتل من {جيش الإسلام} يطلق سلاحه (الروسي) الثقيل على قوات النظام والميليشيات التابعة لها في حرستا قرب دمشق (أ.ف.ب)
TT

موسكو تبدي استعدادها للتعاون مع واشنطن في المناطق الآمنة

مقاتل من {جيش الإسلام} يطلق سلاحه (الروسي) الثقيل على قوات النظام والميليشيات التابعة لها في حرستا قرب دمشق (أ.ف.ب)
مقاتل من {جيش الإسلام} يطلق سلاحه (الروسي) الثقيل على قوات النظام والميليشيات التابعة لها في حرستا قرب دمشق (أ.ف.ب)

وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استئناف المفاوضات السورية في جنيف اليوم، بأنه «خطوة على الدرب الصحيح»، محذرًا من «عوامل كبح» على درب المفاوضات، أكثر جدية من مسألة عدم مشاركة الأكراد. وفي تصريحات له عقب محادثاته أمس مع نظيره الأرميني إدوارد نالبانديان، أظهر لافروف ليونة في مسألة «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي، الذي كانت تصر موسكو على مشاركته في مفاوضات جنيف، واعتبر أن مسألة طبيعة الوفود المشاركة في المفاوضات «لن تشكل عائقا على دربها».
ودعا لافروف إلى ضم الأكراد خلال المراحل اللاحقة من العملية السياسية، وذلك حين شدد على ضرورة «مشاركة جميع أطياف المعارضة السورية، في المراحل اللاحقة» من عملية التسوية السورية، مبديا ارتياحه لطبيعة المشاركة الحالية والوفود التي تمثل مختلف الأطراف، معربا عن قناعته بأنه «تم ضمان أسلوب تعاطي بناء ومقبول في مسألة بنية الوفود»، لافتًا إلى مشاركة ممثلين عن منصات موسكو والقاهرة والرياض في المفاوضات، فضلا عن «ممثلين عن فصائل المعارضة المسلحة التي شاركت في اللقاء في آستانة، ووقعت اتفاقية وقف إطلاق النار مع الحكومة السورية».
من جهتها، أعربت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، عن أملها بأن تساهم مفاوضات جنيف بوضع نهاية لفترة الانقطاع الطويلة في العملية السياسية السورية. ورأت، في تصريحات خلال مؤتمرها الصحافي الأسبوعي، يوم أمس، أن «الشرط الرئيسي لنجاح المفاوضات وتحقيق نتائج خلالها، هو ضمان التمثيل المناسب للمعارضة السورية، بدقة وفق ما ينص قرار مجلس الأمن (2254)»، محذرة من «محاولات للتلاعب والاحتيال (خلال المفاوضات)، بحال انطلق طرف من مصالح تلك القوى التي لا تريد السلام ووحدة أراضي سوريا»، معربة عن قناعتها بأن «مثل تلك المحاولات ستنعكس بصورة سلبية على استقرار ونتائج العملية السياسية».
وبعد إشادتها بنتائج «مفاوضات آستانة»، والقول إنها ساهمت في تعزيز تدابير الثقة بين الأطراف، أقرت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية أن الوضع الميداني في سوريا لم يشهد أي تغيير ملموس «والوضع العسكري - السياسي معقد في محافظات حمص وحلب»، لافتة إلى أن الوضع في درعا جنوب سوريا أكثر تعقيدًا، محملة المسؤولية عن التعقيد هناك للمجموعات التي تقاتل تحت راية «هيئة تحرير الشام»، وعلى رأسها «جبهة النصرة»، التي «لا تكف عن محاولاتها الرامية إلى طرد القوات الحكومية من أحياء المدينة». وحذرت زاخاروفا كذلك مما قالت إنها خطة لدى المجموعات الإسلامية في محافظة إدلب وشمال محافظة حماه، لإعلان «دولة إسلامية» هناك.
إلى ذلك، لا تزال موسكو تأمل بإطلاق تعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة في الشأن السوري. وكان وزير الخارجية الروسي قد أكد أمس استعداد بلاده للنظر في مبادرة الولايات المتحدة حول إقامة مناطق آمنة في سوريا، لكنه اشترط أن يجري هذا الأمر بموافقة النظام السوري، محذرا منه أنه «لن يكون من السهل تنفيذ تلك المبادرات دون تنسيق مع السلطات السورية». وقال لافروف في سياق عرضه للمسائل التي بحثها مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون خلال لقائهما الأول في بون منتصف الشهر الجاري، وخلال محادثاتهما الهاتفية مساء أول من أمس، إن الجانب الروسي «حدد فهمه لما تعنيه مناطق آمنة، وينتظر إيضاحات (حول هذا الأمر) من الولايات المتحدة»، لافتًا إلى أن وزير الخارجية الأميركي أبلغه أن مبادرة المناطق الآمنة قيد الإعداد، مؤكدًا «نحن مستعدون للنظر بالاقتراحات (الأميركية) حول تعاوننا في سوريا»، معربا عن أمله بأن «الولايات المتحدة مهتمة، كما قال الرئيس دونالد ترمب، وكما قال المتحدث باسم البيت الأبيض، «بالتعاون معنا في تسوية الأزمة السورية».
دعوة مماثلة حول التعاون في سوريا أطلقها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، منطلقا من «التصدي للإرهاب». في مداخلة له أول من أمس أمام طلاب جامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية، أشار شويغو إلى «توفر كل ما هو مطلوب للتعاون الفعال بين البلدين»، معربا عن قناعته بأنه «لا يوجد ما يعيق العمل المشترك. واليوم لو تحدثنا بدقة، كان من الممكن بدء عملية مشتركة في الرقة»، مؤكدًا أن «كل شيء هناك واضح، ولا يوجد خلاف بشأن من الموجود داخل الرقة». وقصد شويغو بكلامه، أن إطلاق معركة مشتركة في الرقة لا يتعارض مع شرط الإدارة الأميركية ببدء التعاون مع روسيا في سوريا، بعد أن تكف موسكو عن وصف مجموعات المعارضة المسلحة بأنها جماعات إرهابية. إلا أن واشنطن رفضت العرض الروسي، وقال جيف ديفيس، المتحدث الرسمي باسم البنتاغون، في تصريحات لوكالة «ريا نوفوستي»: «نتعاون مع روسيا بشكل جيد في مجال تفادي الحوادث، ولا نسعى بعد لتعاون أوسع» في سوريا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.