«أسبوع لندن» لخريف وشتاء 2017... ينظر إلى المستقبل بعيون جديدة

مرونة تعامل مع الأحداث المتسارعة واستباق للتغيرات الآتية

من عرض «روكساندا» - من عرض {ديفيد كوما} - المصمم بول كوستيلو في نهاية عرضه - من عرض {إيميليا ويكستيد} - من عرض «فيرسيس فيرساتشي» - من عرض «فيرسيس فيرساتشي» - من عرض {جاسبر كونران}
من عرض «روكساندا» - من عرض {ديفيد كوما} - المصمم بول كوستيلو في نهاية عرضه - من عرض {إيميليا ويكستيد} - من عرض «فيرسيس فيرساتشي» - من عرض «فيرسيس فيرساتشي» - من عرض {جاسبر كونران}
TT

«أسبوع لندن» لخريف وشتاء 2017... ينظر إلى المستقبل بعيون جديدة

من عرض «روكساندا» - من عرض {ديفيد كوما} - المصمم بول كوستيلو في نهاية عرضه - من عرض {إيميليا ويكستيد} - من عرض «فيرسيس فيرساتشي» - من عرض «فيرسيس فيرساتشي» - من عرض {جاسبر كونران}
من عرض «روكساندا» - من عرض {ديفيد كوما} - المصمم بول كوستيلو في نهاية عرضه - من عرض {إيميليا ويكستيد} - من عرض «فيرسيس فيرساتشي» - من عرض «فيرسيس فيرساتشي» - من عرض {جاسبر كونران}

من دوناتيلا فيرساتشي وخطها «فيرسيس»، وأول مشاركة لرولان موريه بعد غياب 20 عاما، إلى عرض ومعرض «بيربري» واحتفاله بالنحات هنري مور في خطوة جديدة للتعبير عن الفن والحرفية، مرورا بعشرات المصممين الشباب، أكد «أسبوع لندن» لخريف وشتاء 2017، أنه يستحق مكانته بين الكبار، فهم يؤكدون كل موسم على مرونة في التعامل مع التغيرات، والأهم من هذا؛ «لا يبكون على اللبن المسكوب».
مقارنة بـ«أسبوع نيويورك» الذي تراجع عدد المشاركين فيه، لا تشعر فيه بأن التغيرات أثرت عليه؛ لا من ناحية الكم ولا الكيف، بل العكس تماما؛ فأنت تشعر طوال الأسبوع أن هناك تحركات كثيرة تجري وراء الكواليس تحسبا لمستقبل لم تتحدد معالمه بعد، بسبب الخروج المرتقب من الاتحاد الأوروبي تحديدا، فالمسألة أكثر تأثيرا عليهم من سياسات ترمب، على الأقل من ناحية الأولويات، فتأثيرات «بريكست» تمس كثيرا من المصممين والعاملين معهم بشكل مباشر... فبالإضافة إلى احتمالية أن يفقد «الأسبوع» الدعم المالي الذي كان يحصل عليه من الاتحاد، هناك مخاوف من فرض التأشيرات والرسوم وغيرها من الأمور التي من شأنها أن تؤثر على عدد كبير من المهاجرين العاملين في صناعة الموضة عموما، وعلى لندن خصوصا، لأنها حاضنة لكل الثقافات والجنسيات. وما علينا إلا النظر إلى عدد المصممين المشاركين في «أسبوعها»، فروكساندا إلينشيك، مثلا، صربية، وماريا كاترانزو يونانية، والثنائي وراء دار «بيتر بيلوتو» بلجيكيان نمساويان، وبورا أكسو تركي، وإميليا ويكستيد نيوزيلندية... وهلم جرا.
ومع ذلك، ما إن انطلق «الأسبوع» صباح يوم الجمعة الماضي، حتى ذوبت الشمس الساطعة بدفء ربيعي غير معهود في هذا الوقت من السنة، كل المخاوف. فالشمس في بريطانيا لها تأثير خاص على النفوس، وبالتالي كان من الطبيعي أن تزيح غشاوة التشاؤم لتفسح المجال لنظرة متفائلة حتى وإن كانت هروبا من الواقع، كما كانت الحال بالنسبة لمجموعة من المصممين أخذونا إلى وجهات بعيدة وإلى ماض غني. مجموعة أخرى من المصممين قدموا تشكيلات تضمنت تحديا صارخا لما يجري في الساحة السياسية حاليا، كما لو أنهم مقبلون على حرب. ديفيد كوما، مثلا، قدم تشكيلة لعب فيها على الازدواجية بين الأنوثة والقوة من خلال الأقمشة الشفافة والسميكة، لكنه أيضا زين بعضها بما يشبه رصاصات متراصة على جانب الصدر تارة، أو على الخصر تارة أخرى، وكأن «امرأته» داخلة على حرب لتحمي استقلاليتها وكينونتها.
من جهة أخرى، قد يكون الجنون السريالي قد خف في السنوات الأخيرة لصالح التسويق التجاري ومخاطبة الأسواق العالمية، إلا أنه لم يختف تماما. فالمصمم غاريث بيو حمل راية «الفنون جنون» رغم أنه يعرف تماما أن تصاميمه السريالية لا تخاطب الكل. لكنه مثل الجندي المثابر، لخص الحالة السياسية والثقافية بعرض أراده أن يثير الرعب في النفوس بسوداويته وبرودة أجوائه. بعد العرض، شرح وجهة نظره قائلا إنه تعمد أن يعطي «صورة عالم جديد مقبل على الفوضى» بسبب تنامي التطرف والعنصرية. وهذا ما فسر بعض التصاميم التي استوحاها من ملابس شرطة مكافحة الشغب.
على العكس من غاريث بيو، قدم المصمم هنري هولاند مؤسس «هاوس أوف هولاند» تشكيلة سهلة من ناحية أنها تجارية تخاطب كل الأذواق والأسواق. لم يغير أسلوبه المتعارف عليه، الذي يُركز فيه على لندن، لكن طعم لندن في هذه التشكيلة طبعته لمسة «كاوبوي» أميركية. أطلق على عرضه عنوان: «دادي أين سيارتي؟» وتوجه به لفتاة شقية ومغامرة تريد أزياء لكل مناسباتها اليومية. كان هناك كثير من الأقمشة المطبوعة بنقشات طيور وأخرى كاريكاتورية، فضلا عن جاكيتات منفوخة وكنزات مغزولة من صوف الأنغورا وما شابهها من قطع منفصلة، بعضها بشراشب متدلية، أو بنطلونات واسعة، نسق أغلبها بأحذية «كاوبوي» مطرزة بالنجوم أو بلهيب النار.
مثله قدم جاسبر كونران في فندق «الريتز» تشكيلة تجارية، شملت فساتين من الجلد وتنورات بكل الأشكال وكنزات قال إنه صممها لكل المناسبات والأيام بألوانها التي تباينت بين البنفسجي والمستردي والبني والأخضر. كانت هناك أيضا جاكيتات جلدية «سبور» مع بنطلونات جريئة وضيقة للغاية. وفيما كان الأخضر هو اللون الغالب، ظهرت بين الحين والآخر ألوان مثل البيج والبني، تنافسه بتسللها إلى معاطف مفصلة وأخرى واسعة وقصيرة. الفساتين المرصعة بالترتر والخرز، رغم عددها المحدود، تميزت بشجاعة تميل إلى الجرأة، مقارنة بما عودنا عليه المصمم في السابق، لا سيما أن التطريز شمل الـ«تي - شيرتات» وفساتين قصيرة بأقمشة تباينت بين القطن والأورغنزا وصوف الموهير. بيد أن كونران البالغ من العمر 57 عاما يُدرك تماما أن التفصيل الرجالي أحد مكامن قوته، لهذا، لم يتجاهله، فقد ظهر في كثير من القطع، باعتراف المصمم الذي صرح أنه تعمده «لأنه عنصر مألوف بالنسبة لي... ما قمت به هذه المرة أني استعملته كأساس، فيما أعدت صياغة الأشكال والأحجام حتى يصبح المألوف غير مألوف وجديدا».
في عرض «فيرسيس» الخط الأصغر لـ«فيرساتشي» كانت الأجواء مختلفة تماما عما هو مألوف في لندن؛ ففي كل عرض تقدمه الدار، سواء في ميلانو أو باريس أو لندن، نتوقع كثيرا من البريق، ليس بمعنى التطريز وأحجار الكريستال فحسب؛ بل أيضا بمعنى ضيوفها النجوم والعارضات السوبر. وحتى إذا لم يحضر كيني ويست وبيونسيه وبرينس العرض مساء يوم السبت الماضي، فإنهم كانوا موجودين فيه بموسيقاهم، التي صدحت في قاعة «كينغستون» خلفيةًً لعرض افتتحته الأختان بيلا وجيجي حديد، تأكد فيما بعد أن اختيارهما كانت له دلالاته، لأن التشكيلة استوحيت من أسلوب حياتهما وحياة بنات جيلهما. فكل ما فيها مناسب للحفلات والنوادي الليلية، وإن تتخلله لمسات من التفصيل الرجالي؛ بل وحتى لمسات عسكرية ظهرت في جاكيتات قصيرة وبنطلونات بخصور منخفضة. كانت هناك مجموعة أنيقة من الجلد، وأخرى مزج فيها بين الرجالي والنسائي، ما أعطى العرض ككل صورة مبهمة، لكن ساحرة تتأرجح بين الأنوثة والذكورة، فيما غلب اللون الأسود مع رشات من البنفسجي والأزرق ممزوجة في الغالب بالأسود على كل التشكيلة تقريبا. تشعر طوال الوقت بأن روح التسعينات تطغى على العرض. فقد تجلت في نقشات قالت دوناتيلا فيرساتشي إنها أخذتها من صور موجودة في أرشيف الدار، التقطتها عدسة المصور بروس ويبر وأُعيد رسمها على أقمشة نايلون، ومنها على شبكات معدنية، كما تجلت في «اللوغو» الكبير الذي اعتقد الكل أنه مات مع نهاية التسعينات، لكنه ظهر من جديد في كثير من القطع والإكسسوارات؛ بما في ذلك الجوارب.
بيد أن العرض لم يكتف بأخذنا إلى أرشيف الدار، وذكرنا بأن مؤسس الدار، جياني فيرساتشي، كان المسؤول عن ولادة ما أصبح يُعرف بـ«العارضة السوبر» في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، وهذا ما حاولت دوناتيلا أن تعيده للأذهان باستعانتها بالأختين حديد (بيلا وجيجي) اللتين افتتحتا العرض واختتمتاه، وعارضات عالميات أخريات. النيوزيلندية إيمليا ويكستيد، التي ظهرت دوقة كمبردج، كيت ميدلتون، بتصاميمها في كثير من المناسبات، قدمت بدورها عرضا رومانسيا تراقص فيه المخمل والدانتيل مع الورود، شرحت المصممة قبل العرض أنها استلهمته من ملابس المسرح الروسي. كان هناك كثير من الفساتين المنسدلة إلى الكاحل تُكملها أكمام منفوخة وتغطيها طبقات من الحرير الشفاف المطرز بأحجار الكريستال. المسرحي لم يتوقف عند حد الأكمام والترصيع، وامتد إلى الألوان المتوهجة مثل الوردي السكري والليلكي، الذي ظهر مثلا في تايور مكون من جاكيت مزدوج وبنطلون واسع. كعادتها، كانت اقتراحاتها محتشمة بطولها وأكمامها، لكن دائما مفعمة بالأنوثة، وكأن لسان حالها يقول إنها توصلت إلى وصفة ناجحة وليست هناك أدنى حاجة لتغييرها فيضيع ما بنته. هذا لا يعني أنها خاصمت الجديد، فقد قدمت مجموعة بعدد محدود أكثر جرأة، تجسدت في بنطلونات بخصور عالية نسقتها مع قمصان قصيرة تكشف عن قليل من البشرة، لتختتم العرض بمجموعة فساتين للمساء والسهرة تبرق من الرأس إلى أخمص القدمين، تركت انطباعا دراميا قويا، فقد تعاونت مع شركة «سواروفسكي» واستعملت ما لا يقل عن 130 ألف حجر كريستال، لتزاوج بين الهندسي والورود، وبين الصوف والمخمل والدانتيل. وكانت النتيجة طبقات متعددة من الأقمشة شكلت فيها التطريزات لوحة فنية لصور وجدتها المصممة بالصدفة التقطتها كاميرا مصورة روسية مغمورة من القرن التاسع عشر، كان موضوعها المفضل هو نساء روسيات عاديات في ملابس مزخرفة بشكل مسرحي. المصممة ويكستيد أضفت عليه نكهة عصرية لذيذة.
المخضرم بول كوستيلو اختار فندق «وولدورف» الواقع على بُعد خطوات من مقر منظمة الموضة البريطانية في «سومرست هاوس» ومكان عروضها في «180 ذي ستراند»، ليقدم عرضه أمام باقة من وسائل الإعلام وزبوناته المخلصات. هو الآخر لم يُقدم جديدا صادما على غرار ما يقدمه مصممو لندن الشباب غالبا، لكن ما يشفع له أن تجربته الطويلة تقول إنه تقبل أن الهدف من هذه العروض ليس الفذلكة بقدر ما هو بيع منتجاته أولا وأخيرا. وهذا ما ركز عليه: أزياء عملية وأنيقة لم تفتقد الابتكار من ناحية أنه تلاعب بالأحجام وبعض التفاصيل مثل الجيوب في فساتين السهرة، مع محافظتها على كلاسيكية عصرية تخاطب امرأة تريد الأناقة المضمونة. صحيح أن الأقمشة كانت سميكة وثقيلة في بعض الحالات، إلا أن انسيابية التصاميم وخطوطها الأنثوية الواسعة، جعلتها تبدو خفيفة على العين، فيما منحتها التفاصيل ثقلها الفني. هذه التفاصيل ظهرت إما على ياقة مستوحاة من العهد الإليزابيثي، أو الأكمام المنفوخة التي كانت سائدة في بلاط العهد التيودوري عموما، إلى جانب ألوان خريفية «مطفية» طبعت أقمشة تراوحت بين الجلد والتويد والبروكار.



الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.