مصممون اختاروا الهروب إلى عوالم بعيدة

في الساعة السابعة من يوم الأحد الماضي، كان الموعد مع ماري كاترانزو في الـ«تايت مودرن». على الكراسي، وضعت ورقة يتيمة تشرح فيها أنها استلهمت تشكيلتها من فيلم ديزني الكلاسيكي «فانتازيا». كان من الطبيعي أن نتوقع قصة حالمة، بخطوط مستوحاة من أناقة الأربعينات، بحكم أن الفيلم صدر في تلك الحقبة، لكن ما إن بدأ العرض حتى تأكدنا أن لا شيء قد حضرنا للبركان المتفجر بالألوان، ولا لحديقة الأزهار المتفتحة بكل الأشكال. وإذا كانت الفكرة من «فانتازيا» هي الهروب إلى عالم من الأحلام والجمال، فقد نجحت المصممة اليونانية الأصل في تحقيق هدفها. بعد عرضها قالت كاترانزو إن الفيلم «سمح لي أن أحلم»، وفي الوقت ذاته فتح أمامها آفاقًا جديدة لاستعراض قدراتها الفنية.
وللتخفيف من توهج الألوان السكرية والصارخة، اعتمدت خطوطًا مفصلة من حقبة الأربعينات، وتحديدًا من بطلات موجة أفلام «فيلم نوار»، مستعملة تطريزات غنية بالنسبة لها ورسمات قوية. كان هناك مثلاً معطف مزين بقطع مرايا معدنية، تجسد أشكال بجعات، وآخر مستقيم وبطول أقصر، مطرز بطبقات من الورود المصنوعة من الريش والزجاج المعشق، إضافة إلى ياقات مصنوعة من الفرو بألوان متوهجة. تشك للحظة إن كنت تتابع عرضًا في «تايت مودرن» أم في قاعة «فرساي»، فكل قطعة أطلت علينا كانت تحاكي بفنيتها وجمالها الـ«هوت كوتير».
في مجموعتها الخاصة بالمساء والسهرة تحديدًا، قدمت فستانًا رسمت عليه سماء صافية في ليلة تضيئها النجوم والقمر، من خلال تطريزات دقيقة وزعتها في أماكن استراتيجية أعطته بعدًا ثلاثيًا، وجعلته يبدو وكأنه لوحة من رسم فنان ماهر. لم تكتف بالتطريزات، واستعملت أقمشة لا تقل ترفًا، مثل البروكار والحرير والتول.
الطريف أننا في كل موسم نصاب بالقلق على ماري كاترانزو، كونها حققت نجاحًا ساحقًا منذ بدايتها بفضل رسماتها الثلاثية الأبعاد والقوية. فنجاح مفاجئ من النوع الذي حققته يصعب الحفاظ عليه طويلاً، ويحتاج إلى تجديد دائم لإرضاء التوقعات.
في كل موسم، تنجح ماريا كاترانزو في الاختبار، وتُنسينا ما قدمته في الموسم الذي سبق. وهذا ما أكدته في تشكيلتها لخريف وشتاء 2017، التي تشبعت بنضج من نوع جديد. فما قدمته يوم الأحد لم يكن لامرأة عصرية فحسب، بل كان أيضًا متوجهًا لمناسبات السجاد الأحمر، حيث صبت فيه كل ما تحتاجه امرأة ذكية أنيقة واثقة في حياتها، من الصباح إلى آخر الليل. ودائما تلحظ بين جديدها وقديمها خيطًا رفيعًا من الإبداع الفني؛ هذا الخيط هو ما يميز مصممًا عاديًا عن مصمم غير عادي.
الثنائي بيتر بيلوتو وكريستوف دي فوس، مؤسسا دار «بيتر بيلوتو»، من جيل ودُفعة ماري كاترانزو. هما أيضًا مسكونان، مثلها، بروح التجديد والإبداع، وهو ما أكدته تشكيلتهما لخريف وشتاء 2017، التي قدماها في فندق «وولدورف» بديكورات إثنية تصرخ بالألوان والعصرية، قالا إنهما جمعاها من أصدقاء لهما يعملون في مجالات فنية مختلفة.
وأضافا أن قطع الديكور هذه تعكس التنوع، وحب الاستكشاف الذي تتضمنه تشكيلتهما المطبوعة بأقمشة مترفة، وتطريزات ورسمات إثنية. فعلى فساتين من المخمل مثلاً، بأطوال متباينة، وعلى جاكيتات من الساتان مبطنة، وبجيوب ضخمة، وفساتين صوفية، ظهرت هذه التطريزات، بل حتى في الإكسسوارات، من الأحذية العالية الرقبة إلى الأساور وأقراط الأذن. أغلبها، إن لم نقل كلها، كانت بإيحاءات من قبائل منسية في منغوليا أو بيرو، لا سيما فيما يتعلق بالمنسوجات والتطريزات الهندسية التي غطت كثيرًا من القطع المصنوعة من الحرير المبطن أو التويد والصوف.
خلافًا للمعتاد، كان بيتر بيلوتو وكريستوف دي فوس في استقبال الضيوف، عوض أن يكونا وراء الكواليس يرجفان خوفًا من ردود الفعل، ويتصببان عرقًا كما هي الصورة التي نتابعها في كل الأفلام الوثائقية لعروض الأزياء.
تفسير بيتر بيلوتو، عندما تم التلميح لهذه النقطة، أنهما أرادا أن تكون الدعوة بمثابة دعوة «بيتوتية»، لهذا استعانا بديكورات استعاراها من أصدقاء يعملون في مجال الأثاث والهندسة، وآخرين يعشقون السفر واقتناء القطع التي تشدهم. ما أكد هذه الصورة أن بعض الضيوف حضروا مع أطفالهم الذين جلسوا على إحدى هذه الكراسي يرسمون على الورق، ويلونون غير عابئين لما يجري حولهم بين الكبار، ولا فاهمين أنه وراء كل هذا الإخراج هناك صناعة وتجارة تتلخص مهمتها في تسويق حلم. في لندن، على الأقل، يبدو أنه ليس هناك ما يسوق الحلم أكثر من الألوان المتوهجة، فهي تلعب دور العطور نفسه في تحسين المزاج، والرفع من المعنويات، لا سيما في موسمي الخريف والشتاء.
ومثل ماريا كاترانزو و«بيتر بيلوتو»، قدمت أليس تامبرلي تشكيلة حلقت بنا إلى عوالم حالمة أبعدتنا عما يجري من حولنا من أحداث متسارعة.
المعروف عنها أنها من المصممين الذين يعشقون السفر والترحال، وأنها تستعمل السفر للغرف من ثقافات الغير وألوانها وتطريزاتها. وهذا ما ظهر في هذه التشكيلة التي تعبق برومانسية تنأى بنفسها عن الواقع المعاش، وهو ما اعترفت به، قائلة: «من البداية، أردتها أن تكون هادئة أنيقة، على أن تتضمن عناصر رومانسية تتجاوز الواقع»، وأضافت: «شخصيًا، مللت من متابعة ما يجري في العالم من أحداث مخيفة، وهربت إلى عالم خاص بي لكي أبدع تشكيلة بها حلم وواقع أجمل».
أهم ما يلفت النظر في هذه التشكيلة، مقارنة بما قدمته سابقًا، أنها أكثر صقلاً. فخطوطها الأنثوية تستحضر «ذي نيو لوك»، الذي أطلقه كريستيان ديور في الخمسينات من القرن الماضي في بعض القطع، بينما كانت التصاميم الغالبة تعانق الجسم، وتنسدل عليه بانسيابية تساعد عليها أقمشتها. التطريزات التي غطت معظمها حولتها إلى شبه جواز سفر تنقلنا به إلى أماكن بعيدة، مثل المكسيك وغيرها، زارتها أليس تامبرلي، إما في أسفارها أو في مخيلتها.
ورغم أن التطريزات ظهرت في كثير من تشكيلاتها السابقة، ويمكن القول إنها أصبحت ماركتها المسجلة، فإن الورود هذه المرة اكتسبت جرأة أكبر، ودقة غير مسبوقة، الأمر الذي منحها توازنًا، وخلق لغة شاعرية جديدة. كانت هناك أيضًا «شقاوة» غير معهودة، تجسدت في شفاه طرزتها على الظهر تارة، أو على جانب تنورة تارة أخرى، بأشكال طريفة لكن قوية، تجمع بين «البوب آرت» والسريالية؛ الجميل فيها أنها كانت بجرعات محسوبة متوازنة، يمكن أن تغوي حتى المرأة التي تعاني من فوبيا التطريزات.