جدل قانوني واجتماعي في تونس بعد تعليق الرئيس العمل بقانون المخدرات

المعارضة اتهمت السبسي بتنظيم حملة انتخابية مبكرة تدعم بقاءه في السلطة

جدل قانوني واجتماعي في تونس بعد تعليق الرئيس العمل بقانون المخدرات
TT

جدل قانوني واجتماعي في تونس بعد تعليق الرئيس العمل بقانون المخدرات

جدل قانوني واجتماعي في تونس بعد تعليق الرئيس العمل بقانون المخدرات

أثار قرار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي التعليق المؤقت للعمل بالقانون المتعلق بالمخدرات جدلا حادا بين التونسيين؛ لأنه لن يسفر عن توقيف المستهلك والحامل لمادة مخدرة إذا قام ذلك للمرة الأولى، وترك الأمر لاجتهاد السلطة القضائية، وذلك في انتظار سن قانون جديد يلغي العقوبة البدنية ويعوضها بعقوبات بديلة، ويتسامح مع المستهلك للمخدرات لأول مرة.
وقال الرئيس السبسي إنه سيجمع مجلس الأمن القومي (مجلس أمني)، وسيطالبه بعدم متابعة الشبان مستقبلا من أجل استهلاك مادة «الزطلة» المخدرة، إلى حين إيجاد حل جذري وقانوني.
ويتماشى هذا القرار مع الانتقادات التي وجهتها منظمة «هيومن رايتس ووتش» لقانون العقوبات المختصة باستهلاك المخدرات، ومطالبتها بإلغائها؛ إذ قالت آمنة القلال، رئيسة فرع تونس، إن مشروع القانون الذي سيخفف العقوبات على تعاطي المخدرات قد لا ينجح في معالجة الإشكاليات الحقوقية في القانون الحالي، وحثت السلطات على مراجعة القانون، وإلغاء جميع العقوبات السجنية المتعلقة بتعاطي أو حيازة مخدرات لغايات ترفيهية.
وطالبت المنظمة بمحاسبة رجال الأمن المسؤولين عن إساءة معاملة المشتبه في ارتكابهم مخالفات مرتبطة بالمخدرات، وأكدت انتشار الانتهاكات بسبب قانون المخدرات.
واختلفت الآراء في تونس، حيث رأى البعض أن هذا القرار الرئاسي سيضاعف من عدد المستهلكين، ويشجع الفئات الشابة على دخول عالم المخدرات، فيما عبرت منظمات حقوقية محلية ودولية عن تأييدها هذا الإجراء، الذي سيؤدي، في نظرها إلى تقليص عدد المستهلكين، وإنقاذ من تورطوا فيها لأول مرة.
لكن في الجانب السياسي، اتهمت قيادات سياسية معارضة الرئيس بتنظيم حملة انتخابية مبكرة، تدعم بقاءه في السلطة خلال الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها سنة 2019؛ وذلك بعد إقراره أنه ما زال قادرا على العطاء، وأنه لا طائل من الخوض في ملفه الصحي.
وتحول الجدل من عالم السياسة إلى المجال القانوني؛ إذ قال مختصون في القانون إن تنقيح أو إلغاء أي قانون لا يكون إلا بقانون آخر، وفي هذا الشأن أكد المحامي منير بن صالحة، أنه ليست من صلاحيات رئيس الجمهورية أن يعلق القوانين النافذة المفعول، موضحا أنه لا وجود لأي عبارة في القانون التونسي اسمها تعليق القوانين.
ولا يمكن الحديث عن هذا المفهوم إلا في حالات الطوارئ، وهذا لا يشمل القوانين التي تعاقب على استهلاك المخدرات، وإنما القوانين المرتبطة بالحريات.
وقال نور الدين بن نتيشة، مستشار رئيس الجمهورية، في تصريح إذاعي إن كل من دخن «الزطلة» ليس مجرما، وهي العبارة نفسها التي استعملها الرئيس التونسي في حوار تلفزيوني، وأشار بن نتيشة إلى أن قانون المخدرات يعود إلى ربع قرن مضى، وقد أضر بآلاف الشبان، على حد تعبيره.
من جانبه، أفاد غازي الجريبي، وزير العدل، في جلسة استماع برلمانية بداية الشهر الماضي، بأن الجرائم المتعلقة بالمخدرات تتصدر ترتيب عدد المودعين بالسجون بـ6662 سجينا، منهم 2680 موقوفا. فيما تؤكد الأرقام، أنه من بين 25 ألف موقوف في السجون هناك أكثر من 8 آلاف متهم في قضايا تتعلق بالمخدرات (استهلاكا وترويجا)، وأن من بين 10 موقوفين في قضايا المخدرات هناك 9 موقوفين في قضايا استهلاك، أغلبها تتعلق باستهلاك «الزطلة».
وقال عبد المجيد الزحاف، رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات، إنه يدعم مراجعة القانون المتعلق بالمخدرات، موضحا أن جميع الوزارات المعنية على وعي تام بضرورة مراجعته، وأن كل الدول المتقدمة والديمقراطية استغنت عن العقوبة البدنية في قضايا استهلاك المخدرات. واعتبر الزحاف، أن القوانين الموجودة حاليا لا تضطلع بدور فاعل في الحد من نسبة استهلاك الشباب التونسي لمخدر «الزطلة»، وقال: إن مكافحة الظاهرة تستوجب بدرجة أولى مراجعة سلم العقوبات؛ إذ من غير المعقول، حسبه، سجن المستهلك لسنة كاملة، بدل تكفل الدولة بعلاج المدمن والقيام بحملات توعية في أوساط الشباب للحد من هذه الظاهرة، والتصدي للإدمان بالعلاج في مراحله الأولى.
ويفرض القانون 92 المتعلق بالمخدرات عقوبة بالسجن لمدة سنة على كل من يدان باستهلاك أو حيازة كمية من أي مادة مخدرة محظورة، ولا يتمتع القضاة بسلطة تقديرية تسمح لهم بفرض عقوبات بديلة عن السجن، مثل الخدمة الاجتماعية وغيرها من العقوبات الإدارية.
من جهة ثانية، اعترفت وزيرة الصحة في تونس باستشراء الفساد على نطاق واسع في القطاع الصحي، الذي يشهد احتجاجات متواترة منذ 2011؛ إذ قالت الوزير سميرة مرعي، في جلسة استماع في البرلمان: إن الوزارة بدأت إصلاحات الشهر الحالي للحد من الفساد، من بينها إقالة مديرين، وضخ نحو 62 مليون دينار لتحسين الخدمات في المستشفيات العمومية.
وأوضحت الوزيرة «بدأنا في حوكمة جديدة لمقاومة الفساد تشمل مستشفيات في جهات جندوبة وجربة ومستشفى الرابطة بالعاصمة... والفساد استشرى بشكل كبير. وقد بدأنا في العزل (مديرين) والإحالة على مجالس التأديب».
وبحسب الوزيرة، فقد أدت الإصلاحات في قطاع الأدوية بالمستشفيات إلى توفير 30 في المائة من موازنة وزارة الصحة. فيما تعاني المستشفيات بشكل عام حالات اكتظاظ وتدني الخدمات، وتواتر الأخطاء الطبية بجانب تداعي بنيتها التحتية.
ومنذ تسلمها مهامها في أغسطس (آب) الماضي تعهدت حكومة يوسف الشاهد الحالية بإجراء إصلاحات اجتماعية، وتحسين الخدمات في القطاع الصحي وباقي القطاعات العامة، التي تعاني الإضرابات المتكررة وتدني الخدمات والتجهيزات.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.