«تحالف موضوعي» بين القوات الكردية والنظام السوري بكفالة روسية

توصلوا إلى مصالحة في 6 بلدات... ورفعت أعلام الحكومة على مبانٍ رسمية

«تحالف موضوعي» بين القوات الكردية والنظام السوري بكفالة روسية
TT

«تحالف موضوعي» بين القوات الكردية والنظام السوري بكفالة روسية

«تحالف موضوعي» بين القوات الكردية والنظام السوري بكفالة روسية

تتقاسم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حماية القوات الكردية في سوريا في منطقتين منفصلتين، حيث تتولى واشنطن حمايتهم ودعمهم في شرق نهر الفرات، بينما تتولى روسيا حمايتهم ودعمهم بريف حلب الشمالي في ناحية عفرين، حيث يرتبطون الآن بـ«تحالف موضوعي مع النظام السوري، تكفله وتنسقه موسكو».
ولا تنفي مصادر كردية وجود تحالف مع روسيا في ريف حلب الشمالي «يلزم الأكراد والنظام بالتهدئة وتجنب الاقتتال بين الطرفين»، حسبما قالت لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن «العلاقة مع روسيا متوازنة منذ البداية، بالنظر إلى أن موسكو تهتم بأن تبقى الجبهات ضد (داعش) متماسكة»، واصفة التحالف مع روسيا بـ«التحالف الموضوعي»، لكنها أكدت أنه «إذا كانت هناك نية لتطوير الاتفاق، فلن تكون هناك مشكلة، والأميركيون لا يعترضون على أي تنسيق مرتبط بمحاربة (داعش) كونهم يهمهم أيضًا، كما الروس، أن تبقى الجبهات ضد التنظيم متماسكة».
وقالت المصادر إن التنسيق مع روسيا في شمال حلب «يضمن حماية الأكراد من (داعش)، ومن درع الفرات» وهو تحالف سوري معارض للنظام تدعمه تركيا لقتال «داعش» بريف حلب الشرقي، مؤكدة أن «الأميركيين يضمنون دعم وحماية الأكراد في شرق الفرات ومنبج ضد (داعش)، وروسيا تتولى حمايتهم ودعمهم في شرق حلب».
وخرجت قضية التحالف مع النظام في ريف حلب الشمالي ومدينة حلب إلى الضوء، قبل أسابيع، حين توصل الطرفان إلى عقد اتفاقات مصالحة في ست بلدات، أسفرت عن رفع أعلام النظام السوري على مبانٍ حكومية في المنطقة. لكن المسؤولين الأكراد، ينفون التنسيق مع النظام. وأكد رئيس مركز الدراسات الكردية نواف خليل لـ«الشرق الأوسط»، أن التنسيق «يتم مع الروس وليس مع النظام»، مشددًا على أنه «لم يقدم النظام أي موقف إيجابي يمكن أن يُعوّل عليه حتى من الناحية البراغماتية، وعادة ما لا يثق الأكراد بالنظام».
وفيما ينظر بعض المتابعين إلى أن المواقف المشابهة تندرج ضمن إطار «التسويق الإعلامي»، تظهر المؤشرات الميدانية في شمال حلب أن التنسيق مع النظام «يتضح في ظل التوتر بين الأكراد وقوات درع الفرات والقوات التركية»، قرب تل رفعت، الذي لا يبعد كثيرًا عن مطار منغ العسكري الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية بعد طرد قوات المعارضة السورية منه بدعم جوي روسي.
وترتفع مخاوف الأكراد من أن تشن تركيا حملة عسكرية على مناطق سيطرتها في ريف حلب الشمالي قرب عفرين، في ظل توتر يزداد يوميًا في المنطقة، إثر قصف مدفعي تركي يستهدف من وقت إلى آخر تلك المنطقة.
وقال خليل إن ما يحصل من توتر مع الأتراك في شمال حلب «ليس هواجس، بل وقائع، بالنظر إلى اشتباكات وقعت في أوقات سابقة»، من غير أن ينفي انخراط قوات سوريا الديمقراطية بتحصينات عسكرية في المنطقة، قائلاً: «كل المناطق القريبة من مواقع النفوذ التركي في سوريا لا تعيش أجواء عادية، ما يستدعي إجراءات عسكرية بالنظر إلى قصف تركي متكرر استهدف مواقع بريف حلب الشمالي وفي كوباني (عين عرب) وعفرين».
وإذ أشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية توفر الدعم للأكراد، قال إن الأكراد «يراهنون على تطوير علاقاتهم مع شركائهم العرب والسريان والتركمان في المنطقة ضمن تحالف قوات سوريا الديمقراطية».
وتسعى تركيا لمنع حزب الاتحاد الديمقراطي (بي يي دي) الكردي والقوات الموالية له، من ربط مناطق سيطرتهم في شمال شرقي سوريا على طول الخط الحدودي الممتد من الحسكة إلى كوباني (عين عرب)، بالمعقل الثالث للأكراد في شمال حلب وهو مقاطعة عفرين. وساهمت التوازنات الدولية والتقارب الروسي - التركي بالسماح لأنقرة بالتوغل إلى ريف حلب الشمالي وطرد «داعش» من مناطق واسعة تمتد من جرابلس إلى ريف أعزاز غربًا، والدخول إلى العمق حتى مدينة الباب في ريف حلب الشرقي. وبذلك، تكون تركيا قد قطعت على الأكراد فرصة ربط المقاطعات الكردية الثلاث على حدودها ببعضها البعض، فيما تسعى لطرد تلك القوات من مناطق انتزعتها من قبضة قوات المعارضة السورية في منغ وتل رفعت شرق عفرين.
وبينما أصبح التنسيق المباشر مع روسيا واقعًا بريف حلب الشمالي، كذلك التنسيق غير المباشر مع النظام عبر روسيا، فإن الأميركيين لا يزالون يقدمون دعمًا حاسمًا لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في ريف الرقة.
وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية أمس على أربع قرى جديدة في الريف الشمال الشرقي لمحافظة الرقة شمال شرقي سوريا، بعد اشتباكات مع تنظيم داعش. وتحدثت وكالة «آرا نيوز» عن سيطرة تلك القوات على قريتي صباح الخير والفرار الواقعتين على الطريق الواصل بين قرية مكمن ومدينة الرقة. لافتة إلى تقدم مقاتلي «غرفة عمليات غضب الفرات» لمسافة 20 كيلومترا نحو الرقة.
وجاء ذلك بعد سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» على قريتي عزيز ونوال، بعد اشتباكات عنيفة مع تنظيم داعش.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.