وكالة أنباء روسية تلجأ للقضاء ضد المتحدثة باسم {الخارجية}

زاخاروفا اتهمت الموقع باستخدام عبارات غير لائقة

ماريا زاخاروفا مدعى عليها بموجب قرار من محكمة موسكو (ريا نوفوستي)
ماريا زاخاروفا مدعى عليها بموجب قرار من محكمة موسكو (ريا نوفوستي)
TT

وكالة أنباء روسية تلجأ للقضاء ضد المتحدثة باسم {الخارجية}

ماريا زاخاروفا مدعى عليها بموجب قرار من محكمة موسكو (ريا نوفوستي)
ماريا زاخاروفا مدعى عليها بموجب قرار من محكمة موسكو (ريا نوفوستي)

يرجح أن تضطر ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، للمثول أمام المحكمة في موسكو، على خلفية شكوى قدمها موقع وكالة «ريغنوم» الإلكتروني الإخباري الروسي، يطالب فيها وزارة الخارجية الروسية بحذف عبارات جاءت على لسان زاخاروفا، تمس سمعة وهيبة الموقع الإخباري. وبدأت فصول هذه القضية أثناء مؤتمر صحافي أسبوعي للمتحدثة باسم الخارجية الروسية، في شهر ديسمبر (كانون الأول)، حينها طلب موقع «ريغنوم» من زاخاروفا التعليق على ما قاله السفير الروسي في بيلاروس، بخصوص قضية اعتقال السلطات البيلاروسية 3 صحافيين بيلاروس، بتهمة كتابة مقالات «تزرع الفتنة وتؤجج النزاعات القومية». وفي تعليقها على ذلك قالت زاخاروفا إن «استخدام عبارات مثل (الشعب الأدنى) أو (الدولة الأدنى) بحق بيلاروسيا ومواطنيها، أمر لا يمكن السماح به»، في إشارة منها إلى أن أولئك الصحافيين استخدموا عبارات كتلك في تقاريرهم على موقع وكالة «ريغنوم». إلا أن الوكالة أكدت أنها لم تستخدم يوما في تقاريرها عبارة «الشعب الأدنى»، بينما استخدمت عبارة «الدولة الأدنى» لكن في الحديث عن أوكرانيا. وفي ترجمة دقيقة للعبارات التي يدور الحديث عنها، فإن المقصود هو «الشعب الذي لم يكتمل تكوينه» و«الدولة ناقصة التكوين - لم تتكون - لم تتشكل» لذلك يقال: «دولة أدنى»، أي «كيان أدنى من دولة».
ورأت إدارة تحرير موقع وكالة «ريغنوم» في تصريحات زاخاروفا ضربة لسمعة وهيبة الوكالة، لذلك تقدمت بشكوى في محكمة منطقة «بريسنينساكايا» في موسكو. وتطالب «ريغنوم» في الشكوى القضائية وزارة الخارجية الروسية بأن تحذف من موقعها الرسمي النص الذي وردت فيها عبارات زاخاروفا المختلف عليها، وإصدار نفي يؤكد فيه المدعى عليه أن الوكالة لم تستخدم تلك العبارات. وأبدت زاخاروفا دهشتها لتقديم الوكالة شكوى عبر المحكمة، وقالت بهذا الصدد: «على رئيس التحرير أن يقدم شكوى قضائية ضد نفسه وليس بحق طرف آخر، وعندها سيحصل على إجابات عن كل الأسئلة التي يوليها اهتمامًا، بما في ذلك حول (المشاركة في الجريمة)، وحول السمعة، وحول المقصود من عبارة (الدولة الدنيا التي فقدت صوابها)، التي جاءت في نص التقرير» حسب قول زاخاروفا.
دهشة زاخاروفا من الشكوى القضائية لم تؤثر على مجرى القضية، وقررت المحكمة يوم 16 فبراير (شباط) الجاري اعتبار ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، الطرف المدعى عليه في تلك القضية. وصدر ذلك القرار عن المحكمة بينما كانت زاخاروفا على متن الطائرة متجهة برفقة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى بون، للمشاركة في مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي. لذلك وبعد أن وصلت يومها إلى بون في ألمانيا، كتبت ردًا مطولاً على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، قالت فيه إن القسم القانوني في وزارة الخارجية الروسية يتابع القضية، موضحة: «بما أنني عبرت عن موقف وزارة الخارجية الروسية، فإن القسم القانوني في الوزارة هو المعني بالعمل على هذه المسائل». غير أن هذا لم يمنع زاخاروفا من التعبير عن قناعتها الشخصية، وقالت: «لكنني أريد أيضًا أن أعلن عن قناعتي الشخصية: إن استخدام كلمات وعبارات مثل (الشعب الأدنى) أو (الدولة الأدنى) إن كان بحق البيلاروس أو أي شعب ودولة أخرى، أمر لا يمكن القبول به»، مشددة: «وأنا مستعدة للدفاع عن هذه القناعات حتى آخر رمق».
وعلى الرغم من استدعائها للمحكمة بصفة «مدعى عليه» فإن زاخاروفا عادت وكررت العبارات ذاتها التي كانت السبب في كل هذا الأمر، وكتبت على صفحتها في موقع «فيسبوك»، إن «التقارير الإعلامية التي يدور الحديث عنها (التي نشرتها وكالة «ريغنوم») تتضمن عبارة «الدولة الأدنى»، وتأكيدات بأن «البيلاروس ليسوا مجموعة قومية»، موضحة: «لهذا السبب تحديدًا عرضنا الاستنتاجات العامة التي تشمل الجميع، ومفادها أنه لا يحق لأحد استخدام عبارات كهذه». ولم يفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، التي يقوم عملها على التواصل كل ثانية مع وسائل الإعلام والصحافيين، لم يفتها التأكيد على ما قالت إنه «احترام لحرية الإعلام والرأي»، لافتة إلى أن «الخارجية الروسية لم تتهم أحدا، ولم تتقدم بشكوى قضائية على خلفية استخدام كلمات أو عبارات ما، وعبرنا مجددا عن التزامنا بحرية الكلمة، معبرين بذلك عن احترامنا لحقوق الصحافيين، حتى في القضايا الخلافية»، مؤكدة أن «الخارجية عبرت عن موقفها بخصوص ما جاء من كلمات في التقرير، و(قمنا بذلك) فقط في إطار الرد على سؤال طرحه ممثلو الإعلام بهذا الخصوص».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.