بالون وكاميرا يرسمان خريطة مخيم فلسطيني في لبنان

لتطوير التخطيط العمراني للمخيم وإضافة مساحات خضراء

فراس يربط كاميرا صغيرة  ببالون هليوم أحمر اللون  (أ.ف.ب)
فراس يربط كاميرا صغيرة ببالون هليوم أحمر اللون (أ.ف.ب)
TT

بالون وكاميرا يرسمان خريطة مخيم فلسطيني في لبنان

فراس يربط كاميرا صغيرة  ببالون هليوم أحمر اللون  (أ.ف.ب)
فراس يربط كاميرا صغيرة ببالون هليوم أحمر اللون (أ.ف.ب)

بهدف رسم خريطة عمرانية جديدة للمخيم، ربط الشاب فراس إسماعيل في طريقة غير تقليدية، كاميرا صغيرة ببالون هليوم أحمر اللون أطلقه فوق مخيمه للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان.
وقد تتيح الصور الفوتوغرافية هذه لسكان مخيم برج الشمالي المكتظ القريب من مدينة صور الساحلية، تطوير التخطيط العمراني لديهم من إضافة مساحات خضراء إلى معالجة مشاكل الأسلاك الكهربائية المتداخلة.
ويقول إسماعيل، 20 عاما، لوكالة الصحافة الفرنسية: «من الأسفل، لا يمكن أن ترى أي شيء من المخيم. لكن من الجو بمقدورك أن ترى اكتظاظ المباني وقلة المساحات الفارغة، يبدو واضحا أنه ليس هناك أي تخطيط عمراني».
ويضيف «هذه الخريطة هي أول تجربة للتخطيط العمراني» في المخيم.
ظهر مشروع التخطيط العمراني الجديد للمخيم، واحد من أصل 12 مخيما للاجئين الفلسطينيين في لبنان، حين أراد سكانه إيجاد مساحة خضراء يستمتعون بها بعيدا عن المباني والمنازل المتلاصقة.
ولتحقيق هدفهم طلب هؤلاء المساعدة من كلوديا مارتينيز، العاملة في مجال حقوق الإنسان والمتطوعة منذ سنوات في المخيم.
وتروي مارتينيز «طلبت وقتها أن أرى خريطة (المخيم)، لكن النسخة التي قدموها لي كانت أشبه بخربشة أطفال»، مضيفة «كان لا بد من وضع خريطة جديدة».
ومن شأن الخريطة العمرانية الجديدة أن تسهم، بحسب مارتينيز، في معالجة مشاكل شبكة الكهرباء وإمداداتها المتداخلة، فضلا عن توضيح الطرقات لتسهيل الرقابة الصحية على المطاعم وإتاحة الوصول سريعا إلى الحرائق في حال اندلاعها.
ويقيم اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في مخيمات مكتظة تعاني من نقص كبير في البنى التحتية وأدنى المستلزمات الصحية والحياة الكريمة. كما تمنعهم القوانين اللبنانية من تملك العقارات أو ممارسة الغالبية العظمى من المهن الحرة.
وحين جرى تأسيسه في عام 1948، عام النكبة، استقبل مخيم برج الشمالي سبعة آلاف لاجئ فلسطيني. أما اليوم، فهو يؤوي نحو 23 ألف شخص، من أصلا 450 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان.
وبمساعدة مارتينيز، تمكن سكان المخيم العام الماضي من جمع أكثر من 16 ألف دولار من متعاطفين معهم لتمويل مشروع التخطيط العمراني الجديد.
واظب إسماعيل مع زميله المتطوع أيضا مصطفى لأيام عدة على إطلاق بالون هليوم أحمر فوق المخيم ربط به آلة تصوير قال إن ثمنها لا يتعدى 60 دولارا، لتصوير الشوارع والأزقة.
يضحك إسماعيل حين يتذكر التحديات التي واجهها لدى توجيه البالون، فيروي أنه كان يمسك بحبل طويل ربطه به ويسير بين أزقة المخيم ليضمن التقاط كل الصورة اللازمة.
في إحدى المرات انفجر البالون فيما كانا يحاولان تمريره في شارع ضيق، كما أصيبت الكاميرا مرة حين أطلق أحدهم النار في الهواء ابتهاجا في أحد الأفراح.
وبعد سحب الصور على ورق ووضعها جنبا إلى جنب، استطاع إسماعيل وزميله رؤية مخيمهما من الجو للمرة الأولى. أظهرت الصور سطوح مبان إسمنتية متلاصقة ملأتها خزانات المياه والصحون اللاقطة.
طلب العاملون في المشروع من سكان المخيم الحضور للاطلاع على الصور وتحديد معالم المخيم والتعليق عليها بتواريخ مهمة أو أحداث لها ذكرى خاصة لديهم.
وفي فبراير (شباط)، تجمع سكان من المخيم حول الخريطة الجديدة في مقر جمعية «الحولة» المشاركة في المشروع، فبحث البعض عن منازلهم ووضع آخرون ملصقات صغيرة تشير إلى معالم مهمة في المخيم، مثل فرن أبو سامر وحضانة نجوى والمسجد القديم.
ويروي إسماعيل: «كان الناس يدونون التاريخ الذي فتح فيه متجر ما، أو السنة التي تأسست فيها جمعية (...) ويشيرون إلى موقع محل هواتف هنا أو مطعم فلافل هناك».
أرسل العاملون في المشروع صورهم إلى مهندسين يعملون على وضع الخريطة العمرانية النهائية للمخيم، على أن تطبع في وقت لاحق وتوزع على السكان.
ويرى رئيس جمعية «الحولة» محمود جمعة في الخريطة «رسالة تحمل في طياتها هموم الناس ومشاكلهم، ونمط الحياة الفعلي في المخيم». لم يستخدم كثير من السكان الخرائط من قبل. أما اليوم، تقول الجمعية إنه «مع وضع الصورة الحقيقة نستطيع أن نقوم بتخطيط صحيح للمباني وللمستقبل».
وبعد رؤيتهم من خلال الصور هذا الاكتظاظ في المباني، بدأ سكان المخيم بالبحث عن خيارات تتيح لهم إيجاد مساحات خضراء للتنفس وربما إقامة حدائق.
ويقول جمعة: «فوجئت بأنه رغم كل هذا الضيق في المساحات، نستطيع أن نبدع»، مضيفا: «هناك إمكانية للإبداع، هناك صورة جميلة برغم كل الصعوبات».
ويرى العاملون في الخريطة الجديدة فرصة تتيح للبنانيين الراغبين في ذلك، زيارة المخيم بعيدا عن الصورة النمطية لدى البعض بأن المخيمات الفلسطينية عبارة عن أزقة عشوائية تحول بعضها إلى معقل للتطرف والجريمة.
وتخلص مارتينيز بالقول: «هناك اهتمام كبير (من قبل سكان المخيم) لبناء جسور مع المجتمع اللبناني في رسالة مفادها: هذا المكان ليس مرعبا وتستطيعون التحرك فيه».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».