نائب هولندي يميني يطلق حملته الانتخابية بمهاجمة المغاربة

فيلدرز قال إنه يريد «إنقاذ البلاد منهم لإعادتها إلى الشعب»

مرشح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الهولندية غيرت فيلدرز في إحدى جولاته الانتخابية (أ.ف.ب)
مرشح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الهولندية غيرت فيلدرز في إحدى جولاته الانتخابية (أ.ف.ب)
TT

نائب هولندي يميني يطلق حملته الانتخابية بمهاجمة المغاربة

مرشح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الهولندية غيرت فيلدرز في إحدى جولاته الانتخابية (أ.ف.ب)
مرشح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الهولندية غيرت فيلدرز في إحدى جولاته الانتخابية (أ.ف.ب)

أطلق النائب الهولندي اليميني المتطرف المعادي للمسلمين، غيرت فيلدرز، أمس حملته للانتخابات التشريعية في مارس (آذار)، بشن هجوم على المغاربة، قائلا إنه يريد إنقاذ البلاد منهم «لإعادتها إلى الشعب الهولندي».
ويتصدر فيلدرز استطلاعات الرأي قبل انتخابات تجديد البرلمان في 15 مارس، التي ستشكل اختبارا حقيقيا للاتجاهات السياسية في أوروبا عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ووصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
قال فيلدرز أمام تجمع للصحافيين في مدينة سبايكينيسه الصغيرة، جنوب روتردام، إن «الرعاع المغاربة في هولندا (...) طبعا ليسوا كلهم حثالة، لكن كثيرا منهم كذلك وهم يجعلون طرقنا أخطر وخصوصا الشباب منهم (...) يجب أن يتغير ذلك»، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف السياسي المتطرف: «إذا أردتم استعادة بلدكم، وإذا أردتم أن تكون هولندا بلدا للهولنديين، بلدكم مجددا، فعليكم أن تصوتوا» لحزب الحرية الذي يرأسه. وناشد الناخبين: «أرجوكم، أعيدوا هولندا إلينا» وسط مجموعة من مناصريه الذين هتفوا «فيلدرز!».
ردا على سؤال حول هوية ناخبيه، قال فيلدرز إن «كل هولندي يتحلى بالمنطق... لحسن الحظ يتحلى كثيرون لدينا بمنطق سليم». وتابع أن «الهولنديين الذين يريدون استعادة بلدهم سيصوتون لنا أيا كان مستوى تعليمهم أو خلفيتهم».
وأدين النائب الذي وعد بمنع القرآن وإغلاق المساجد في حال تم انتخابه، بالتمييز العنصري العام الماضي بسبب تعليقات مشابهة أدلى بها بشأن المغاربة في هولندا. مع ذلك، يلقى وعده بالعمل من أجل وجود «عدد أقل من المغاربة» في هولندا أصداء لدى الناخبين التقليديين القلقين من الهجرة والهجمات الإرهابية التي ضربت أوروبا خلال السنوات الأخيرة.
وتشير آخر استطلاعات الرأي إلى احتمال فوز حزب فيلدرز بـ24 إلى 28 مقعدا في البرلمان الذي يضم 150 مقعدا، متقدما بمقعدين أو أربعة على الحزب الليبرالي الحاكم حاليا بزعامة رئيس الحكومة مارك روتي.
وتباينت ردود الفعل على خطاب فيلدرز، الذي وقف لمصافحة أنصاره والتقاط صور معهم في ساحة البلدة التي شهدت بعد مغادرته نقاشات غاضبة بين أنصاره ومعارضيه. وقال أحد أنصاره داني (59 عاما): «سنصوت جميعنا لصالح فيلدرز هذا العام»، مضيفا أن «الطرق لم تعد آمنة خصوصا في المدن الكبيرة»، فيما تجول النائب اليميني في المكان وسط وجود كثيف للشرطة.
وتلقى فيلدرز تهديدات بالقتل من أطراف عدة، بينها تنظيما داعش والقاعدة، ما دفع السلطات إلى توفير حراسة على مدار الساعة حتى بات يعرف بـ«الرجل الأكثر حماية في هولندا».
وقال بيتر كامرلينغ (40 عاما) أحد منظمي الحزب اليميني في المنطقة: «سنحرر هذا البلد... فبروكسل تملك مفتاح ديارنا وسنسترجعه. غيرت سيحرص على ذلك». وصرح النائب مارتن بوسما الذي يعتبر أهم مساعدي فيلدرز، لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن حزبه سيسعى إلى عقد تحالفات إن فاز في الانتخابات.
لكنه أقر بصعوبة ذلك؛ نظرا إلى رفض أغلبية الأحزاب الهولندية الكبرى، وبينها حزب رئيس الوزراء، التعاون مع حزبه منذ إدلاء فيلدرز تصريحاته بشأن المغاربة وإدانته قضائيا.
من ناحيته، قال ثيو دو بوير (50 عاما) إن «فيلدرز يثير انقساما حادا بين الناس»، متهما إياه بـ«التمييز». وأضاف: «لا أتفق معه على الإطلاق... لدينا دستور والحرية الدينية هي إحدى أهم ركائزه».
وبدا بعض السكان مرتبكين إزاء الزعيم اليميني. وقالت بائعة الأسماك ماريان سلورينك (60 عاما) إن «غيرت يجرؤ على قول ما يكنه عدد من الهولنديين، وهذا مفيد». وتابعت: «لكنه يثير كثيرا من الكراهية ولا يطرح حلا فعليا»، مضيفة أن «فرص وصوله إلى الحكم ضعيفة، فلا أحد يريد ذلك في الحقيقة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟