هل هناك من جديد مما لم يعرفه الجمهور عن الرسام هنري ماتيس؟ يبدو أن كل جيل طالع من المهتمين بالفنون التشكيلية يبحث عن زاوية غير مطروقة للنظر إلى لوحات هذا الفنان الذي امتلك أسلوبًا شديد الجاذبية في التعامل مع الخطوط والألوان بحيث تبدو بعض لوحاته وكأنه كان يلعب أو يلهو بالفرشاة والأصباغ. إنه يشبه لاعب السيرك الذي يرمي الكرات ويتلقفها بخفة، من فوق رأسه أو من وراء ظهره أو من بين ساقيه. من هنا يأتي المعرض في متحف الفنون الجميلة في مدينة ليون، جنوب فرنسا، بمثابة دعوة للتسلل إلى الاشتغالات الداخلية المجهولة والدؤوبة التي منحت أعمال ماتيس (1869ـ 1954) تلك الخفة والطزاجة.
ينقسم المعرض إلى 14 فصلاً تتابع المسيرة الزمنية للفنان وتطور أسلوبه، من سنوات التمارين الأولى مع بدايات القرن العشرين وحتى التخطيطات الدراسية التي قام بها لكنيسة «دو روزير» في مدينة فانس، أواخر الأربعينات. وبهذا فإن الزائر يطالع أجمل ما أبدعته ريشة هنري ماتيس طوال فترة نشاطه الفني من خلال 250 لوحة ومنحوتة ورسم وتخطيطات تمهيدية. وهي أعمال كان متحف ليون قد اقتنى قسمًا منها، بينما استعار القسم الآخر من مركز بومبيدو في باريس للفنون المعاصرة، ومن عدد من المتاحف الأميركية والأوروبية، بالإضافة إلى المجموعة الخاصة بعائلة الرسام.
يبدأ المعرض بعدد من اللوحات والتخطيطات الذاتية «أوتو بورتريه» التي رسم فيها ماتيس نفسه، ثم يتوزع حسب الموضوعات التي تجمع اللوحات، كالبرتقال، أو الجواري، أو القمصان الرومانية، أو الرسوم التخطيطية التي مهدت لتفرغ الرسام لتزيين سقف وجدران كنيسة مدينة فانس بالرسوم والزخارف. كما يتتبع المعرض المحترفات المتعددة التي تنقل ماتيس بينها خلال حياته، مثل مرسمه المطل على نهر السين في حي سان ميشيل في باريس والذي شغله منذ نهايات القرن التاسع عشر، ثم المرسم الذي استقر فيه في مدينة نيس، على الساحل الجنوبي وظل يستخدمه حتى وفاته، مرورًا بورشته التي انتقل إليها عام 1909 في ضاحية «إيسي لومولينو»، وكذلك السنوات الخمس التي سكن فيها فانس أواسط الأربعينات، عندما كانت باريس تحت الاحتلال.
تحتل مدينة ليون مكانة خاصة في نفس الرسام. فهو قد أقام فيها، عام 1941 للخضوع لعملية جراحية خرج منها وقد كتبت له «حياة جديدة» حسب تعبيره. وكان خلال فترة نقاهته يخطط ويرسم ما تقع عليه عيناه من ممرضات ومناظر طبيعية يراها خارج نافذته في المستشفى. وعندما غادر المدينة أهدى كل تلك الرسوم لمتحفها. وقد استكمل المتحف مجموعته باقتناء لوحتي «الشابة بالرداء الأبيض» التي أنجزها عام 1946. والبورتريه الذي كان قد أنجزه في فترة مبكرة، عام 1918، لبائع التحف جوزيف ديموت.
يلفت النظر في المعرض اهتمام الرسام بالتخطيطات الكثيرة. وبحسب سيلفي رامون، مديرة متحف ليون، فإنه كان يستخدم في رسومه أدوات متعددة، كالريشة والقلم والدمغة والفحم والقصبة المغمسة في الحبر. كما يلاحظ أنه كان يخطط على كل ما يقع تحت يديه، كالورق وقصاصات المفكرات وهوامش الرسائل. لكن الجمهور لم يكن مطلعًا على تلك الأعمال التحضيرية بل كان يتمتع بالفرجة على اللوحات المنجزة والمكتملة التي تخرج إلى المعارض. وبهذا فإن المعرض الحالي هو نوع من التطفل أو الفضول، بمعناه الحسن البريء، على الغرف الخلفية الحميمة التي كان ماتيس ينفرد فيها بموديلاته ويترك لهن حرية الاسترخاء بينما ينصرف هو للتفكير والتجريب لما ستبدعه أنامله من لوحات وتماثيل. من هنا نفهم تنوع اللوحات شبه العارية لنساء من مختلف الطبقات، كثيرات منهن لم يجاهرن بأنهن وراء هذا العمل الرائع أو تلك اللوحة.
معرض يتسلل إلى العوالم الخفية للرسام الفرنسي ماتيس
دعوة للتعرف على التمارين التحضيرية للفنان عاشق الألوان والمنمنمات
معرض يتسلل إلى العوالم الخفية للرسام الفرنسي ماتيس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة