داعية سوداني متشدد يتوعد بمقاضاة صحافية بتهمة «الردة»

اعتقلته السلطات 8 أشهر لإعلانه تأييد «داعش»

داعية سوداني متشدد يتوعد بمقاضاة صحافية بتهمة «الردة»
TT

داعية سوداني متشدد يتوعد بمقاضاة صحافية بتهمة «الردة»

داعية سوداني متشدد يتوعد بمقاضاة صحافية بتهمة «الردة»

شن رجل دين سوداني مثير للجدل، هجومًا عنيفًا على صحافية سودانية، وأعلن عن نيته مقاضاتها للحصول على «حكم ردة» ضدها، ووصفها بـ«العلمانية المجرمة»، وذلك إبان خطبة الجمعة بمسجد في شرق الخرطوم، وتعهد بتنظيم حملة مناوئة للصحافية يحشد لها من أسماهم علماء ودعاة وقانونيين لإدانتها.وقال محمد الجزولي أثناء خطبة الجمعة أمس، إنه سيذهب إلى القضاء للنظر فيما إن كانت الصحافية «شمائل النور مرتدة أم لا»، قبل أن يصفها بأنها «علمانية مجرمة»، تسعى لإفساد الدين والأخلاق. وطلب من المصلين التصدي لمن أسماهم الذين يحاولون التأثير على مهلة الأشهر الستة التي منحتها الإدارة الأميركية للحكومة السودانية لرفع العقوبات الاقتصادية عن السودان. ويعد الجزولي أحد الداعمين العلنيين لتنظيم داعش قبل أن يتراجع عن تأييده لها لاحقًا. وكانت سلطات الأمن السودانية قد اعتقلته لثمانية أشهر على خلفية إعلانه تأييده للتنظيم المتطرف، قبل أن تطلق سراحه بعد أن أجرت معه حوارات مع رجال دين داخل معتقله اعترف بها، بيد أنه أنكر تغيير أفكاره بسببها. ومنذ أيام دأب الرجل على شن هجوم عنيف على الصحافية بصحيفة التيار المستقلة شمائل النور، وهاجمها في مقال كتبة بصحيفة «الصيحة» المملوكة للإسلامي المتشدد الطيب مصطفى، ولم يكتف بذلك، بل خصص خطبة الجمعة أمس، لانتقادها والرد عليها. وقال الجزولي للمصلين إنه سيذهب إلى القضاء للنظر ما إن كانت الصحافية مرتدة أم لا، وتابع: «سنتبنى طريقًا سلميًا عن طريق الكتابة والخطب والتوجه للقانون»، وأضاف: «سيكون موعدنا الأسبوع القادم في المحاكم وساحات القضاء».
واستغل الجزولي المناسبة لاتهام من أسماهم «العلمانيين» بالعمل على زعزعة فترة الأشهر الستة التي منحتها الإدارة الأميركية للخرطوم ليأتي تقريرها سالبًا، فتتراجع عن رفع العقوبات الاقتصادية كلية، بعد أن رفعتها جزئيًا في الأسبوع الأخير من ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. ودعا الرجل المصلين بحماس لما أسماه الدفاع عن الدين، بقوله «انهضوا لحماية دينكم، وأغضبوا لربكم وشرعكم»، واعتبر ما كتبته الصحافية «استهزاء بالدين»، وفي الوقت ذاته هاجم بعنف «شبكة الصحافيين السودانيين» التي تولت الدفاع عن الصحافية شمائل النور، واتهمها بأن أداة للشيوعية، وإنها تحاول الاستقواء بالمنظمات الدولية والدولية الغربية ضده.
وكانت الصحافية شمائل النور قد سخرت في مقال نشرته جريدة «التيار» المستقلة الأسبوع الماضي عن مظاهر التدين الشكلي، وقالت إنها السبب في تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، وعجز وزارة الصحة السودانية عن توفير العلاج للمواطنين، في الوقت الذي تبدي فيه استعدادها لخوض معارك لمنع توزيع «الواقي الذكري». وبادر ناشر صحيفة «الصيحة» الطيب مصطفى، بتوجيه انتقادات لاذعة للصحافية في مقال نشره بصحيفته، اتهمها فيها بالازدراء بالإسلام، قبل أن ينشر الجزولي في الصحيفة ذاتها مقالاً بعنوان «شمايل والكلام المايل» استهل به هجومه العنيف على الصحافية، وأعقبه بدعوة لحضور خطبته أمس، التي أسماها «صحافة وسخافة شمائل النور نموذجًا وآخرون».
واعتبرت شبكة الصحافيين السودانيين وزملاء الصحافية ما تواجهه تحريضًا وحملة منظمة تستهدف «شيطنتها»، وتأليب الجماعات المتشددة ضدها، وطالبت الشبكة في بيان أمس من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية للتضامن والمؤازرة لـ«نزع سلاح الإرهاب الذي طالما أشهر في وجوه الأبرياء». وأعلن رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني، إبلاغ الشرطة والطلب منها حماية الصحافية من «التهديدات والإرهاب»، مشيرًا إلى الاعتداء الذي تعرض له هو شخصيًا داخل مقر صحيفته من مجهولين في 2014. وقال في نشرة وزعها على وسائل التواصل الاجتماعي: «ﻻ حرج مهما كانت الكلمة حادة، لكن الأمر خرج إلى حيز قانون الإرهاب». وذكرت الصحافية شمائل النور إنها حركت بلاغات جنائية، وشكوى لمجلس الصحافة والمطبوعات ضد ناشر صحيفة «الصيحة» الطيب مصطفى على خلفية نشره مقالا هاجمها فيه، ونشره مقال الجزولي. وندد الجزولي في خطبته دون أن يشير إلى الصحافية مباشرة، بمن أطلق عليهن «المخمورات والمتبرجات في شوارع النيل»، وسخر من حديث فتاة عن الواقي الذكري بالقول: «كيف لفتاة أن تكتب عن الواقي الذكري؟».
كما دعا الجزولي المصلين للغيرة على دينهم، وتوعد بتنظيم حملة ضد الصحافية والصحيفة تتكون من علماء دين ودعاة وقانونيين للوقوف ضد الصحافية. وغالبًا ما تسبق اعتداءات المتطرفين على الصحافيين السودانيين حملات «إعلامية» تستهدف (شيطنتهم)، وتأليب العامة ضدهم. ولقي الصحافي السوداني محمد طه محمد أحمد مصرعه اغتيالاً، وذلك بعد أيام من شن مجموعة متطرفة هجومًا عليه إثر نشر الصحيفة مقالا عن طريق الخطأ، حاولوا خلاله إحراق مقر الصحيفة. كما تعرض ناشر ورئيس تحرير صحيفة «التيار» عثمان ميرغني للاعتداء والضرب داخل مقر صحيفته وتخريب ممتلكاتها، من مجموعة ملثمين ما زالت مجهولة، بعد أيام قلائل من حديثه لإحدى الفضائيات عن العلاقات السودانية الإسرائيلية، والذي تداولته بشكل واسع في أكثر من وسيلة إعلامية.
ويخشى صحافيون وزملاء الصحافية على حياتها؛ وذلك بسبب الحملة التي تكتسب طابعًا تكفيريًا ضدها، على الرغم من أن الجزولي ذكر أنه سيتوجه إلى القضاء وسيختار أساليب سلمية في التعامل معها.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم