اعتقال المئات بتهم الفساد وإهدار المال العام في كردستان العراق

هيئة النزاهة أكدت أن بين الملاحقين مسؤولين رفيعي المستوى

اعتقال المئات بتهم الفساد وإهدار المال العام في كردستان العراق
TT

اعتقال المئات بتهم الفساد وإهدار المال العام في كردستان العراق

اعتقال المئات بتهم الفساد وإهدار المال العام في كردستان العراق

كشفت هيئة النزاهة في إقليم كردستان العراق، أمس، أنه بعد إصدار قرار إجراء الإصلاحات في حكومة الإقليم من قبل رئيسه مسعود بارزاني في 10 فبراير (شباط) 2016 الماضي وحتى الآن، بلغت أعداد الدعاوى الجزائية 180 - 200 دعوى (تحت التحقيق من قبل قضاة النزاهة). مبينة تنفيذ أكثر من 310 أوامر إلقاء قبض، شملت فئات مختلفة من المجتمع في الإقليم، من بينهم مسؤولون رفيعو المستوى.
وقال رئيس هيئة النزاهة في إقليم كردستان، أحمد أنور لـ«الشرق الأوسط»: «أعداد الدعاوى الجزائية المسجلة لدينا تتراوح بين 180 و200 دعوى، يُحقق فيها بإشراف من 9 قضاة نزاهة في جميع أنحاء إقليم كردستان، حُوّل حتى الآن ما بين 48 و50 قضية منها إلى المحاكم لإصدار الحكم فيها». وشهد إقليم كردستان، خلال عام من تنفيذ عملية الإصلاح، اعتقال المئات من المتهمين والمتورطين في قضايا الفساد وهدر المال العام. ويكشف أنور عدد أوامر إلقاء القبض التي نُفذت حتى الآن بالقول: «من مجموع 330 أمر إلقاء قبض، نُفذ أكثر من 310 أوامر، شمل جميع فئات المجتمع من مسؤولين ومديرين وموظفين ومواطنين».
ومُنع غالبية الأشخاص، الذين حُقق معهم في أي قضية من القضايا المسجلة لدى الهيئة، من السفر إلى خارج الإقليم، وعُممت أسماء المتهمين في مطاري أربيل والسليمانية الدوليين، والمنافذ الحدودية للإقليم، لمنعهم من السفر لحين الانتهاء من التحقيق معهم.
وأصدرت رئاسة إقليم كردستان في 16 فبراير الجاري، تقريرا مفصلا عن خطوات الإصلاح في الإقليم بعد مرور عام على قرار رئيس الإقليم الخاص بالإصلاحات. وتألف تقرير رئاسة الإقليم من 9 محاور شهدت خطوات الإصلاح، وهي النفط والعائدات والمصروفات العامة، والوظائف العامة ونظام التسجيل البايومتري، والتجاوز على الأملاك العامة، ووزارة شؤون البيشمركة والسلك العسكري، والدواء، والتغييرات الإدارية والتغيرات في هيكلية الحكومة، ومواجهة الفساد والإجراءات القضائية، وخطة الإصلاح الاقتصادي ووزارة التخطيط، وإعادة الأملاك والثروات.
ويشرف رئيس إقليم كردستان بشكل مباشر على تنفيذ خطوات الإصلاح في الإقليم. واختتمت رئاسة الإقليم تقريرها بالتأكيد على أن هذه الإصلاحات، هي من أجل تأمين حياة أفضل لشعب كردستان، وأضافت: «هذه الخطوات هي الأولى، والبداية من أجل تحقيق هذه الإصلاحات التي أُصدرت القرارات بشأنها». وشدد التقرير على أن هذه العملية التي انطلقت لن تستثني أيا كان، ولن يكون هناك أي شخص فوق القانون، ولن تكون هناك أي حصانات لأي شخص كان، ‏ وسيُحقق مع المشتبه بهم والمتهمين دون مراعاة مواقعهم السياسية والاجتماعية والوظيفية.
بدوره، أوضح عضو لجنة الإصلاحات في إقليم كردستان، النائب في برلمان الإقليم، فرست صوفي، لـ«الشرق الأوسط»: «سيشهد الإقليم خلال الأيام المقبلة عقد سلسلة من الاجتماعات لإصدار قرارات وإصلاحات مهمة في مجموعة من المجالات المهمة، خاصة المتعلقة بالوظائف العامة، والقطاع الصحي، والأراضي والسيطرة على أملاك الدولة، وقطاع الاستثمار». وتابع صوفي: «الآن بدأت عملية محاربة الفساد بحزم وصرامة، كذلك التغييرات الإدارية بدأت أيضا، فأول من أمس غُيّر في مدينة أربيل وحدها 6 مديرين عامين، وهذه العمليات ستستمر، وخطوات الإصلاح التي نُشرت كانت البداية، ونحتاج إلى أن تكون هذه الخطوات خلال العام الحالي أسرع وأكثر جدية وشاملة في جميع مدن ومناطق كردستان»، لافتا إلى أن «التحقيق جار مع مجموعة من المسؤولين رفيعي المستوى في الإقليم، حول أملاكهم الكثيرة ومصادر ثروتهم»، مشيرا إلى البدء باسترجاع الأراضي التي حصلت عليها الشركات الكبرى بشكل غير قانوني.
وحدد صوفي أهم العوائق التي تقف في طريق خطوات الإصلاح في الإقليم، موضحا أن «الوضع السياسي غير الطبيعي الذي يشهده الإقليم هو أكبر عائق يقف في طريق الإصلاحات، فهذا الوضع السياسي حال دون وجود تنسيق كامل في هذا الإطار في جميع مناطق الإقليم، وكذلك غياب البرلمان أيضا له تأثيره؛ لأننا بحاجة إلى البرلمان في كثير من هذه الموضوعات».
ويرى هذا العضو في لجنة إصلاحات إقليم كردستان، أنه إذا أصبح الوضع السياسي في الإقليم طبيعيا، وتعاونت جميع الأطراف السياسية من ناحية الإصلاحات، فإن كردستان ستصل بشكل فعلي إلى الحكم الرشيد المؤسساتي خلال عامين.
وعرض رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في 16 فبراير من العام الماضي، كثيرا من النقاط المهمة حول عملية الإصلاح في الإقليم. ومنذ مارس (آذار) من العام نفسه وبإشراف مباشر من قبله، عُقد كثير من الاجتماعات مع المؤسسات الخاصة في الإقليم، ووضعت خريطة الطريق الخاصة بهذا الموضوع.
وقدمت رئاسة الإقليم نحو مائة ملف للتحقيق ‏بشأنها إلى هيئة النزاهة، ووزعت هذه الملفات حسب اختصاصها على الجهات المختصة المسؤولة. وشكل بارزاني في هذا السياق 3 لجان تختص بالتجاوز على الأملاك العامة ‏والأدوية ‏والمستلزمات الطبية، ولجنة أخرى خاصة بوزارة البيشمركة والسلك العسكري. وبحسب رئاسة الإقليم ‏تم اختيار أعضاء اللجان على أساس الخبرة والنزاهة ومن جميع مدن كردستان، دون أخذ الانتماءات السياسية والحزبية بعين الاعتبار.
وفي المقابل، واجهت حكومة إقليم كردستان، وفي إطار عملية الإصلاح، الأزمة المالية وتقليل المصروفات وزيادة العائدات، بإصدار كثير من القرارات وتشكيل كثير من اللجان، وبدأت أيضا خطواتها نحو الشفافية فيما يتعلق بملف النفط والغاز بجميع عملياته، عبر التدقيق المستقل في العائدات والمصروفات، وقررت أيضا تخفيض نسبة مصروفات الاستهلاك للنصف، ونظمت العائدات. أما ‏وزارة التخطيط في الإقليم، فعملت وبالتعاون مع البنك الدولي، على وضع خريطة طريق للإصلاحات الاقتصادية، ‏فيما تعاونت وزارة المالية والاقتصاد مع كثير من المستشارين الأجانب والمحليين في الإقليم لوضع البرنامج الخاص بالإصلاحات في مجال المالية العامة والأنظمة البنكية. ومن ثم أعلنت حكومة الإقليم عن النظام البايومتري لتسجيل جميع موظفي كردستان المدنيين والعسكريين، ‏وكذلك مجلس القضاء وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والادعاء العام. والغرض من النظام البايومتري هو الكشف عن الموظفين الوهميين، وكذلك الذين يقبضون راتبين أو أكثر من الحكومة. وصاحب كل هذه الإجراءات إعداد استراتيجية وطنية لمواجهة الفساد.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.