المعتق ثمنه فيه

من يتابع مناسبات السجاد الأحمر يلاحظ أن المجوهرات أصبحت تنافس الأزياء أهمية ورغبة في شد الأنظار. فقد انتبه الصاغة إلى قوة الصورة عبر الإنستغرام، ومن ثم ضرورة التواجد في هذه المحافل لترسيخ مكانتهم من جهة واستقطاب زبونات جديدات من جهة ثانية. ورغم أن سوق المجوهرات يكاد تُصاب بالتخمة من كثرة الماركات التي تتوالد بشكل سنوي، فإن الواقع يؤكد أن البقاء للأقوى والأقدم. سوزانا لوفيز، وهي مصممة مجوهرات وخبيرة أحجار يوجد محلها في «بيرلنغتون أركايد» في مايفير منذ 20 عاما تعرف هذه الحقيقة وتحاول قدر الإمكان استغلالها بالجمع بين الماضي والحاضر من خلال مجوهرات تجمع فيها المعتق بالحداثي.
برأيها، فإن مقولة البقاء للأقوى والأقدم ليست مجازية «لأننا فعلا أصبحنا نرى نجمات في مناسبات كبيرة مثل حفل توزيع جوائز الأوسكار أو (البافتا) يتزين بمجوهرات قديمة أعادت بيوت المجوهرات شراءها من وريثات أو من المزادات العالمية لتُسجل بها حرفيتها وعراقتها وتاريخها». ابنة أنا وينتور رئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الأميركية، بي شايفر، مثلا حضرت حفل المتروبوليتان الأخير بأقراط وتاج من القرن التاسع عشر، وفي نفس المناسبة، كان بإمكان النجمة أوما ثيرمان أن تختار أي شيء من دار «كارتييه» بالنظر إلى أن هذه الدار لا تتوقف عن إبداع قطع مبتكرة بشكل سنوي، إلا أنها اختارت في المقابل بروشا على شكل طاووس مرصع بالماس يعود تصميمه إلى عام 1948.
وبما أن الموضة حاليا تحتفل بالأحجام الهندسية الكبيرة والآرت ديكو، سواء في الأزياء أو المجوهرات، فإن الإقبال على الفينتاج يزيد هذه الأيام، من التيجان المرصعة التي يمكن أن تتحول إلى أقراط أذن أو عقد مثلا، أو بروشات تتفتح لتكشف عن حجرة ضخمة بداخلها تناسب المساء والسهرة وغيرها من التصاميم التي تفنن فيها الصاغة قديما وتعود إليها عدة بيوت مجوهرات من «فان كليف أند أربلز» و«كارتييه» و«شوميه» إلى «غرار».
تزايد هذا الاهتمام كان لافتا إلى حد أنه شد انتباه موقع «نيت أبورتيه» للمنتجات المترفة الذي طرح مجموعة «فينتاج» للمصمم النيويوركي فريد لايتون في عام 2014 سجلت بدورها إقبالا لافتا.
كان من البديهي أن يشجع انتعاش سوق الفينتاج ظهور خبراء يتعاملون معه بشكل احترافي، منهم سوزانا لوفيز، التي اكتشفت حبها لهذه القطع منذ زمن طويل قبل أن تحوله إلى مهنة. ومع الوقت أصبح لها اسم بحيث تقصدها زبونات ورثن قطعا ثمينة لا تناسب تصاميمها حياتهن العصرية فيطلبن منها إعادة صياغتها بشكل جديد مع الحفاظ على الأحجار أو جزء من القطعة لما تمثله لهن من ذكرى ترتبط بالشخص الذي ورثنها عنه. أحيانا يطلبن بيعها حتى تستمتع بها امرأة تحب الفينتاج أكثر منهن وهكذا. تقول سوزانا إن قلبها لا يطاوعها على تقطيعها وتغييرها فتطلب منهن شراءها. عملية الإقناع قد تتطلب وقتا طويلا لكن «الأمر يستحق الانتظار والجهد» حسب قولها «فهذه القطع فريدة تسجل لفترة تاريخية مهمة».
درست سوزانا علم الأحجار وتدربت على يد خبير في الماس، وكان شغفها بهذه الأحجار وراء بحثها عن قطع منسية وفريدة. ما زاد من قناعتها أنها شعرت بحسها التجاري أن لهذه القطع سوقها، وهو ما أكدت صحته الأيام إذ أن أغلب زبائنها من الطبقات الأرستقراطية الأوروبية والمشاهير من كل أنحاء العالم. هؤلاء كما تقول لا يهمهم إذا كان سعر عقد من الماس والتوباز يتعدى الـ63.800 جنيه أو تاج من البلاتين والماس يعود إلى العشرينات من القرن الماضي ويتحول إلى عقد يقدر بـ79.200 جنيه بقدر ما تهمهم القصة التي تحكيها أحجاره ومدى تفردها.
بالنسبة لهذه الشريحة فإن العملية لا تخضع للعاطفة فحسب بل أيضا لمعايير الجودة، بحكم أن معظم هذه القطع تتميز بتقنيات عالية وجودة أحجار لا مثيل لها في وقتنا الحالي. فتقطيع الماس سابقا كان يتطلب طريقة خاصة ودقيقة تتم غالبا باليد، وبالتالي تستغرق ساعات طويلة حتى يلمع بالشكل المطلوب على ضوء الشمع. هذا النوع من البريق لا يتمتع به الماس المقطع بالليزر حاليا. فضلا على هذا فإن الحرفيين آنذاك كانوا أكثر مهارة وأبدعوا فعلا تحفا لم ينل من جمالها الزمن رغم أنها قد تعود إلى أكثر من قرن، ولا تزال تبدو كما لو أنها صممت بالأمس القريب. لهذا وحسب الخبراء فإن كل من يمتلك قطعة «فينتاج» يمتلك كنزا يختزل التاريخ ومهارات يدوية تتجلى في تقطيع الأحجار الكريمة تتحول بعدها إلى شعلة نارية تلمع من كل الجوانب. وهذا تحديدا ما يجعل سوزانا حريصة على الحفاظ عليها كما هي، وتقترح على زبائنها الذين يرغبون في تصاميم عصرية، رص هذه الأحجار من دون المساس بها وأن تقتصر صياغتها على التصميم. وفيما يحتاج إقناع بعضهم إلى جهد ووقت، فإن معظم الزبائن، من الطبقات الأرستقراطية تحديدا، يقدرون قيمة ما لديهم وتقتصر طلباتهم على إعادة رص حجرة ثمينة موروثة في تصميم عصري، خصوصا أنها غالبا ما تكون بحجم ضخم من الصعب حصولهم عليهم بسهولة. توضح سوزانا أن الحجم ليس وحده الذي يُحدد قيمة هذه المجوهرات، بل هناك عناصر أخرى على رأسها نُدرة الأحجار وطريقة تقطيعها وصقلها التي كانت تتم باليد بحرفية غير متوفرة حاليا رغم كل التسهيلات وتطور التقنيات. والدليل أنها كلما كانت قديمة زادت قيمتها في المزادات العالمية.
ومع ذلك تشير سوزانا لوفيز أنه «من الخطأ التفكير في المجوهرات من منظور استثماري محض، فشراء أي قطعة يجب أن يخضع لمشاعر وعواطف أولا. أنا لا أنكر أهمية جودة الأحجار وأحجامها وألوانها، لكني مقتنعة أيضا بأن الجانب الاستثماري يأتي تلقائيا عندما يتوفر الجانب العاطفي. فحتى إن لم تُبع في المزادات فإنها تُورث لأجيال من دون أن تفقد قيمتها». لا تخفي سوزانا لوفيز ميلها لتصاميم الآرت ديكو من عشرينات القرن الماضي. فهذه الفترة بالنسبة لها شهدت تغيرا ملحوظا في عالم المجوهرات ولا يزال تأثيرها ساريا لحد الآن رغم التغيرات التي شهدتها الموضة وعالم الترف عموما. أهم ما يميزها أشكالها الهندسية وتقطيعها المميز إلى جانب ألوانها الجريئة التي يتم فيها مزج الماس بالياقوت والزمرد والسفير واللؤلؤ والتوباز والسيترين وغيرها من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة. فهذه على ما يبدو هي التي تجد طريقها إلى المزادات أكثر.