تركيا تعزز حراسة سليمان شاه في حلب بتنسيق مع «داعش» والديمقراطي الكردي

نحو 25 جنديا تركيا يحمون الضريح وتبدلهم أنقرة كل ثلاثة أشهر

ضريح سليمان شاه
ضريح سليمان شاه
TT

تركيا تعزز حراسة سليمان شاه في حلب بتنسيق مع «داعش» والديمقراطي الكردي

ضريح سليمان شاه
ضريح سليمان شاه

لم تتمكن الحكومة التركية من إنجاز عملية تبديل جنود الحراسة المكلفين حماية ضريح سليمان شاه، جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية في محافظة حلب السورية، إلا بمساعدة عناصر من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (بي واي دي)، الذي أمن دخول قوة تركيا مكونة من 300 جندي و12 مركبة عسكرية وست دبابات إلى الأراضي السورية من منطقة عين العرب، ويرافق بعضها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش)» القوة حتى وصولها إلى الضريح الذي يقع قرب منطقة منبج المحاذية للحدود التركية.
وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان أعلن أخيرا، أن هذه «القوة ستدعم وتعزز الوحدة التركية الموجودة أصلا داخل الضريح وتساعدها على حمايته»، مؤكدا أن «الضريح يشكل أهمية رمزية كبيرة بالنسبة لتركيا».
وبحسب القيادي الميداني المعارض في ريف حلب، منذر سلال، فإن «تنسيق الحكومة التركية مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ليس جديدا»، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أنه «قبل ثلاثة أشهر أمن (داعش) دخول قوة تركيا لتبديل عناصر حماية ضريح (سليمان شاه)، مشترطا آنذاك على الجانب التركي الحصول على بعض الأسلحة وإنزال العلم التركي المرفوع عن الضريح، وهو ما حصل بالفعل».
وتخصص الحكومة التركية نحو 25 جنديا لحماية الضريح، وتبدلهم كل ثلاثة أشهر. وتعد الأرض التي تضم الضريح ذات سيادة تركية بموجب معاهدة أبرمت عام 1920 مع فرنسا خلال فترة الانتداب على سوريا.
ولا يصل التعاون بين الأتراك وتنظيم «داعش» إلى مستوى الدعم، بحسب ما يؤكد الصلال، لافتا إلى «وجود اتصالات استخباراتية هدفها تمرير بعض المسائل اللوجيستية، لا سيما في المناطق الخاضعة لسلطة التنظيم».
وكان ناشطون بثوا شريط فيديو يؤكد وصول رتل عسكري تركي إلى ضريح سليمان شاه، في حين تداولت بعض المواقع الإخبارية المعارضة أنباء عن تعرضه لاعتراض وإطلاق نار من قبل «داعش».. الأمر الذي نفته الحكومة التركية رسميا عبر قائد القوات البرية، خلوصي آقار، الذي نقلت عنه وكالة «الأناضول» التركية تأكيده أن «إرسال تلك القافلة جاء لتعزيز قوات الحماية الموجودة هناك واستبدال الحراسات السابقة بأخرى جديدة»، عادا «ذلك روتينيا ومخططا له من قبل وليس هناك أي طارئ».
وتشير خريطة مسار الرتل التركي إلى دخوله إلى سوريا عبر منطقة عين العرب الحدودية، والتي تخضع لسيطرة حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» الذي سمح للرتل بالمرور من أراضي سيطرته من دون أن يعترضه، بحسب ما أكد المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردي ريتور خليل لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «كوباني (عين العرب) جزء من أراضي الإدارة الذاتية الكردية، ووصلت أوامر من القيادة السياسية بالسماح للرتل التركي بالمرور بموجب اتفاق سابق بين الإدارة الذاتية والأتراك». وأوضح خليل أن «تنظيم (داعش) تسلم حماية الرتل التركي بعد عبوره من المناطق الكردية».
وكان مركز حلب الإعلامي أكد أن عناصر من «داعش» رافقوا رتلا للجيش التركي قرب ضريح سليمان شاه في ريف منبج، خلال عودته إلى تركيا، نافيا الأنباء التي تحدثت عن سيطرة «داعش» على الرتل، ومشيرا إلى أن «عناصر من الدولة رافقوا الرتل من أجل تأمين حمايته، الأمر الذي دعا البعض للاعتقاد أن (الدولة) سيطرت على الرتل».
وأضاف المصدر ذاته، أن «الرتل المؤلف من عدة آليات ودبابات من منطقة عين العرب، وصل إلى ضريح سليمان شاه، حيث جرى تبديل نوبات الحراسة فيه، وعند خروج الرتل من الضريح رافقته سيارتان لتنظيم (الدولة) وأمنوا خروجه من معبر جرابلس الذي يسيطر عليه التنظيم».
وسبق لتنظيم «داعش» أن هدد قبل أشهر بهدم الضريح الذي يتنافى مع معتقداته المتشددة، مما دفع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو آنذاك إلى التأكيد أن بلاده «لن تتردد في اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للدفاع عن الضريح»، مشيرا إلى أن «الجنود الأتراك المولجين حماية الضريح (عددهم 25) وضعوا في حالة استنفار شديد بعد التهديد».
كما ورد ذكر الضريح في أحد التسجيلات المسربة التي شكلت فضحية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان قبل الانتخابات البلدية الأخيرة. وتناول ذلك التسجيل حديثا بين مسؤولين أتراك ينوون استغلال حجة حماية ضريح جد مؤسس السلطنة العثمانية في سوريا بهدف التدخل عسكريا.
ويعد «سليمان شاه» ابن «قتلمش» ووالد «أرطغل» الذي هو والد عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية سنة 1299. وبحسب الروايات التاريخية فإنه غرق في نهر الفرات في القرن الـ13، فتوجه أتباعه بعد أن أقاموا ضريحا له إلى الشمال، حيث أسسوا الإمبراطورية العثمانية.
وفي سنة 1973 كادت مياه نهر الفرات أن تغمر الضريح مما استدعى إجراء مفاوضات تركية – سوريا أفضت إلى نقله إلى منطقة على بعد 25 كيلومترا من تركيا. وتتولى كتيبة من الجيش التركية تتمركز قرب الحدود السورية تبديل الوحدات التي تحرس الضريح.



قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
TT

قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

بينما واصلت السلطات السورية الجديدة حملاتها لملاحقة خلايا تتبع النظام السابق في أحياء علوية بمدينة حمص وفي الساحل السوري، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، بأن قتالاً عنيفاً يدور بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في منطقة منبج شمال سوريا.

وأشار «المرصد السوري» الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، إلى مقتل ما لا يقل عن 28 عنصراً من الفصائل الموالية لتركيا في الاشتباكات في محيط مدينة منبج. وذكر «المرصد» أيضاً أن الجيش التركي قصف بعنف مناطق تسيطر عليها «قسد».

وجاء ذلك في وقت قالت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» إن القوات الموالية لتركيا شنّت هجوماً واسع النطاق على عدة قرى جنوب منبج وشرقها، مؤكدة أنها نجحت في التصدي للمهاجمين الذين يحاولون منذ أيام السيطرة على المنطقة المحيطة بسد تشرين على نهر الفرات.

جانب من تشييع مقاتلَيْن كرديين قُتلا في معارك منبج ودُفنا في القامشلي بشمال شرقي سوريا يوم الخميس (أ.ف.ب)

وتريد تركيا طرد «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تشكّل عماد «قوات سوريا الديمقراطية» من المنطقة؛ بحجة أنها فرع سوري لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف إرهابياً.

إلى ذلك، في حين كان التوتر يتصاعد في الأحياء ذات الغالبية العلوية في حمص خلال عمليات دهم بحثاً عن عناصر من النظام السابق وتصل ارتداداته إلى الساحل السوري، اجتمع نحو خمسين شخصية من المجتمع الأهلي بصفتهم ممثلين عن طوائف دينية وشرائح اجتماعية في محافظة طرطوس مع ممثلين سياسيين من إدارة العمليات العسكرية (التي تولت السلطة في البلاد الآن بعد إطاحة نظام الرئيس السابق بشار الأسد). وعلى مدى أربع ساعات، طرح المشاركون بصراحة مخاوف المناطق الساحلية؛ حيث تتركز الغالبية الموالية للنظام السابق، وتم التركيز على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي في سوريا عموماً والساحل السوري خصوصاً، بعد تقديم إحاطة سياسية حول الوضع في الداخل السوري والوضع الدولي، والتطورات الحالية وتأثيرها في الواقع السوري.

قوات أمنية خلال عمليات التمشيط في حمص الجمعة (أ.ب)

قالت ميسّرة الجلسة الصحافية، لارا عيزوقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المشاركين في الجلسة التي نظّمتها «وحدة دعم الاستقرار» (s.s.u) مثّلوا أطيافاً واسعة من المجتمع المحلي، من مختلف الطوائف الدينية، والشرائح الاجتماعية، بالإضافة إلى مشاركة ممثلين سياسيين من إدارة العمليات. وأكدت لارا عيزوقي أن أبرز مطلب للوفد الأهلي كان ضرورة إرساء الأمن، مشيرة إلى تقديم اقتراح بتفعيل لجان حماية محلية؛ بحيث تتولى كل منطقة حماية نفسها في المرحلة الراهنة لمنع الفوضى، مع الاستعداد لتسليم المطلوبين، على أن تُمنح ضمانات فعلية لمنع الانتقامات.

معتقلون يُشتبه بأنهم من النظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

وتابعت لارا عيزوقي أن الافتقار إلى الأمن، وحالة الانفلات على الطرقات، أديا إلى إحجام كثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس والجامعات، وبالتالي حرمانهم من التعليم. وأشارت إلى أن الجلسة الحوارية تضمّنت مطالبات بالإفراج عن المجندين الإلزاميين الذين كانوا في جيش النظام السابق رغماً عنهم، وجرى اعتقالهم من قِبل إدارة العمليات.

ولفتت إلى أن الوفد الأهلي شدد أيضاً على ضرورة وضع حد لتجاوزات تحدث، مضيفة أنه جرت مناقشة مطولة لما جرى في قرية خربة معزة؛ حيث أقر الأهالي بخطأ حماية المطلوبين، وأن ذلك لا يبرر التجاوزات التي حصلت أثناء المداهمات.

يُشار إلى أن اشتباكات حصلت في طرطوس في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لدى ملاحقة قوى الأمن الضابط في جيش النظام السابق محمد حسن كنجو الملقب بـ«سفاح سجن صيدنايا»، وهو رئيس محكمة الميدان العسكري التي تُتهم بأنها السبب في مقتل آلاف المعتقلين.

ومما طرحه أهالي طرطوس، في الجلسة، مطلب صدور عفو عام، إذ إن هناك مئات من الشباب المتعلم اضطرهم الفقر إلى العمل في الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام. ويريد ممثلو الأهالي بحث إمكانية ضم هؤلاء إلى وزارة الدفاع مجدداً، لتجنّب الانعكاسات السلبية لكونهم عاطلين عن العمل. وحسب لارا عيزوقي، كشف ممثل الإدارة الجديدة عن نية «إدارة العمليات» إصدار عفو عام يستثني المتورطين بشكل مباشر في جرائم النظام السابق.

مواطنون في حمص خلال قيام قوات أمن الحكم الجديد بعمليات دهم الجمعة بحثاً عن عناصر من النظام السابق (أ.ب)

ولفتت لارا عيزوقي إلى وجود ممثلين عن شباب بأعمار تتراوح بين 20 و30 سنة، وقالت إنهم يعتبرون أنفسهم ينتمون الى سوريا، لا إلى طائفة معينة ولا يريدون الهجرة ويتطلعون الى لعب دور في مستقبل سوريا، متسائلين عن كيف يمكن أن يحصل ذلك إذا تمّ تأطيرهم داخل مكوّن طائفي.

وحول تسريح الموظفين، عبّر مشاركون عن مخاوف من تسريح آلاف الموظفين لا سيما النساء من ذوي قتلى النظام واللواتي تعلن عائلاتهن -مع لفت النظر إلى اتساع رقعة الفقر وتعمّقها في الساحل خلال سنوات الحرب- حالة الإفقار الممنهجة التي طالت محافظة طرطوس بصفتها محافظة زراعية تدهورت زراعتها في السنوات الماضية.

أطفال في شاحنة بمدينة حمص الجمعة (أ.ب)

وشهدت مدينة طرطوس، بين مساء الخميس وصباح الجمعة، حالة توتر مع توارد أنباء عن جريمة قتل وقعت قرب «شاليهات الأحلام» حيث تستقر مجموعات من «فصائل إدارة العمليات». وحسب المعلومات، أقدم مجهولون على إطلاق نار على شخصين، مما أدى إلى مقتل أحدهما وإصابة الآخر. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن الأهالي طالبوا «هيئة تحرير الشام» التي تقود إدارة العمليات العسكرية، «بوضع حد للاعتداءات والانتهاكات التي تُسهم في زعزعة الاستقرار وضرب السلم الأهلي الذي تعيشه المنطقة».

وأشار «المرصد» إلى أن ملثمين مسلحين أعدموا أحد أبناء حي الغمقة الشرقية في مدينة طرطوس، وهو شقيق شخص مطلوب بقضايا جنائية، وذلك خلال تفقد القتيل شاليهاً يملكه في منطقة «شاليهات الأحلام».

وتشهد مناطق تركز العلويين في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية انفلاتاً أمنياً بسبب انتشار السلاح، وتحصّن مطلوبين من عناصر النظام السابق في أحياء وقرى، مما يثير مخاوف من تأجيج نزاع مناطقي.

يُشار إلى أن «إدارة العمليات العسكرية» استكملت، الجمعة، حملة التمشيط التي بدأتها في حمص يوم الخميس، وشملت أحياء العباسية والسبيل والزهراء والمهاجرين، بحثاً عن فلول ميليشيات النظام السابق. وأفيد باعتقال عشرات الأشخاص بينهم من أُفرج عنهم بعد ساعات فقط.