آرمي هامر لـ«الشرق الأوسط»: أولويتي إتقان الدور الذي أقوم به

يؤدي دور ناقد فني في فيلم «البورتريه النهائي»

آرمي هامر -  مع جفري رش في «البورتريه النهائي»
آرمي هامر - مع جفري رش في «البورتريه النهائي»
TT

آرمي هامر لـ«الشرق الأوسط»: أولويتي إتقان الدور الذي أقوم به

آرمي هامر -  مع جفري رش في «البورتريه النهائي»
آرمي هامر - مع جفري رش في «البورتريه النهائي»

بين الأفلام التي شوهدت في المسابقة خلال اليومين الماضيين «البورتريه النهائي» (Final Portrait) للممثل المتوجه للإخراج ستانلي توشي.
تدور أحداث الفيلم عن الرسام السويسري ألبرتو جياكوميتي المتوفى سنة 1966، وموضوعه الفني الناقد والمؤلف في شؤون الفن والمسرح الأميركي جيمس لورد المتوفى سنة 2009. لورد كان يعمل في باريس سنة 1964 عندما اقترح عليه جياكوميتي، الذي عاش في باريس لعدة سنوات، أن يرسمه.
بينما يؤدي الممثل جفري رَش دور الرسام جياكوميتي، يلعب آرمي هامر، دور شاب في الثلاثين طويل القامة ووسيم، هو لورد. وبرهن هامر عن جدارته منذ أن أدّى دورًا بارزًا في «ج. إدغار» لكلينت إيستوود سنة 2011. بعده ظهر في أفلام أميركية أخرى مختلفة النوع والوقع. شاهدناه في «ذا لون رانجر» وفي «مرآة مرآة» ثم في «مولد أمة»، ولديه دور مساند في «حيوانات ليلية». فيلمه الجديد هو أحد ثلاثة أفلام ستعرض له هذا العام.
ويحكي الفيلم قصة علاقة جياكوميتي بلورد، إذ استدعاه الأول إلى مكان عمله بغية رسمه. وقال له: لن يستغرق الأمر أكثر من ثلاث ساعات. لكن الساعات انقلبت أيامًا والكاتب الذي كان قرر العودة إلى نيويورك في نهاية الأسبوع مدد إقامته أكثر من مرّة. المشكلة هي أن جياكوميتي لم يكن يؤمن كثيرًا بأن رسمًا ما أو نحتًا ما عليه أن ينتهي. والمشكلة الثانية هي أن حياته كان خليطًا من العواطف الجانحة والعلاقات المضطربة التي كانت تؤثر عليه. إلى هاتين المشكلتين، يمكن إضافة حقيقة أن الرسام اعتاد على أن يرسم ما يريد، ثم إذا لم يعجبه ما رسم يطلي اللوحة باللون الأبيض لكي يبدأ من جديد.
بعد ثمانية عشر يومًا قرر لورد أنه اكتفى.
ما يقع يبقى طريفًا، لكن للفيلم نواقصه المتأرجحة، وأهمها ألا شيء في هذا العمل يقنعنا بأن لورد كان لديه سبب وجيه يمنعه من الانسحاب من هذا المشروع بعد بضعة أيام أو بعد عشرة أيام على سبيل المثال. ليس أن ما نشاهده غير معقول الوقوع، لكن إذا ما بحث المرء عن التبرير لم يجده.
وفيما يلي نص حوار «الشرق الأوسط» مع هامر.
* هل نبدأ بالسؤال عن السبب الذي أوعز لك بقبول تمثيل هذا الدور؟
- عدة أسباب في الحقيقة. إنه واحد من السيناريوهات التي لا يمكن رفضها. لا توجد أعمال كافية من هذا النوع بالنسبة لممثل أميركي. لذلك لم يكن عندي مجال كبير للتردد. حال قرأت السيناريو وافقت على تمثيل الدور وتفرغت له بحرص شديد. سبب آخر في أنه من إخراج وكتابة ممثل صديق هو ستانلي توشي.
* هل من المريح لممثل أن يعمل تحت إدارة ممثل آخر؟
- لا أعتقد أن هذا هو المهم مطلقًا. مثلت تحت إدارة كلينت إيستوود وتحت إدارة نيت باركر (في «مولد أمة») والمسألة ليست مختلفة كثيرًا عن العمل مع مخرجين غير ممثلين من حيث الالتزام ومعرفة المطلوب وتأديته. لكن هناك في الوقت ذاته نصيب من الصحة في هذا الشأن. في رأيي أن الممثل الذي يخرج فيلما يعرف أكثر بقليل كيف سيدير الممثلين في عمله. هذا كان واضحًا جدًا خلال تجربتي مع كلينت إيستوود في «ج. إدغار» وهنا أيضًا.
* ليس واضحًا في الفيلم، لماذا صبر جيمس لورد على الرسام طوال هذا الوقت قبل أن يعلن عزمه على مغادرة المشروع والعودة إلى أميركا؟.
- أعتقد أن هذا واضح من مطلع الفيلم. عندما يرحب لورد بالفكرة أساسًا ويتحمس لها يضع في حسابه أن أحد الرسامين الذين أثاروا إعجابه هو جياكوميتي ولن يدع الفرصة تفوته. كذلك واضح في رأيي أنه أصبح طرفًا غير مباشر في حياة الرسام العاطفية. متزوج من امرأة ويحب امرأة أخرى. وجد الأمر مثيرًا للاهتمام.
* هل شعرت أن السيناريو كان كوميديًا إلى حد ما؟
- طبعًا. هناك لمسات كوميدية كثيرة، لكنها من النوع الجاد في الوقت ذاته. أنت لا تضحك هنا بصوت مرتفع لأن لا شيء يستدعي ذلك، لكنك تنظر إلى غرابة ما يدور وتثيرك كمشاهد، كما أعتقد، المعالجة الخفيفة للموضوع.
* معظم هذه المواقف مستمدة من نوعية حياة الرسام.
- صحيح. جفري أدّى دوره بإتقان شديد. كان مدعاة للسرور أن التقي به في عمل واحد.
* كيف يختلف التحضير لهذا الفيلم عن التحضير لفيلم آخر مثلته من قبل؟
- حسب السيناريو، ليس هناك كثير من البحث في حياة الناقد جيمس لورد. الفيلم ليس عنه بقدر ما هو عن تلك الفترة التي التقى بها مع جياكوميتي قبل عامين فقط من وفاته. بالتالي الفيلم هو أكثر عن الرسام، ولذلك فإن معظم البحث تم في هذا الجانب. أما بالنسبة إلي، فكان البناء مستندًا على بضع الحقائق الكافية لتقديم الشخصية. كما ذكرت، ليس هناك كثير من البحث الذي كان علي القيام به، لكن أولويتي إتقان ما أقوم به في أي فيلم، بصرف النظر عن الدور الذي أقوم به.
* عندما يقول لورد لمحدثته إنه جاسوس، يطلقها مدركًا أنها لم تصدقه. لكن يقال بالفعل إن جيمس لورد كان جاسوسًا.
- ليس بالمعنى الشامل للكلمة. أعتقد بعد تسريحه من الجيش خلال الحرب العالمية الثانية أمضى وقتا في باريس اشتغل فيها لحساب المخابرات الأميركية، لكنه على الأرجح كان عينًا، ولم تكن هناك مهام كبيرة ملقاة عليه.
* كتب البعض عنك قبل نحو سنة أنك من الوسامة ما يمنع عنك أدوارًا تذهب لآخرين أقل وسامة. هل حدث ذلك معك فعلاً؟
- ليس إلى حد علمي (يضحك). هذا سيكون سببًا غريبًا من نوعه، لكن علي أن أعترف أنني قد لا أصلح لكل الأدوار، ولا أعتقد أن هناك ممثل أو ممثلة يصلح لكل الأدوار. هذا لا علاقة له بالوسامة.
* هل لديك تكنيك خاص لأداء الدور؟
- لا أعتقد. لكن حين التمارين أحب أن أتمعن في كيفية كتابة الحوار المسند لي. إذا كانت هناك فاصلة مثلاً فإن علي أن أتوقف… لكن لماذا علي أن أتوقف؟ أجد من الضرورة أن أعرف لأن ذلك مرتبط مباشرة بكيف سأتلو هذه العبارة أو التي بعدها.
* هل كان تمثيل شخصية سيد العبيد في فيلم «مولد أمة» صعبًا عليك من حيث مضمون هذا الدور؟
- لم يكن صعبًا من الناحية الفنية أو تقنية الأداء. ليس هناك أي صعوبة في هذا المجال، لكني أعتقد أنك تعني المضمون، كإحساس بالنسبة لفترة من التاريخ كان البيض والسود غير متساوين، والعنصرية كانت قانونًا معمولاً به. في هذا الخصوص نعم. كنت أعلم أنه موضوع صعب ومؤلم لكن كان علينا القيام به.
* لديك فيلمان آخران هذا العام، أحدهما الجزء الثالث من فيلم الإنيميشن «سيارات». لا أذكر أنك كنت في أي من الجزأين السابقين.
- كلا لم أشترك في أي منهما، لكني أتطلع قدمًا لهذا الفيلم. أحب أفلام الرسوم المتحركة وترعرعت معها وأنا صغير. كنت أشاهدها على التلفزيون قبل عشرين سنة من دون انقطاع. الآن أشترك في واحد منها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».