الأطفال والنساء... دروع «داعش» البشرية

القتل مصير الهروب من «أرض الخلافة»

فتاة عراقية نجت بحياتها مع عائلتها في شمال الموصل حيث تعيش الآن في مخيم حسن شام (أ.ف.ب)
فتاة عراقية نجت بحياتها مع عائلتها في شمال الموصل حيث تعيش الآن في مخيم حسن شام (أ.ف.ب)
TT

الأطفال والنساء... دروع «داعش» البشرية

فتاة عراقية نجت بحياتها مع عائلتها في شمال الموصل حيث تعيش الآن في مخيم حسن شام (أ.ف.ب)
فتاة عراقية نجت بحياتها مع عائلتها في شمال الموصل حيث تعيش الآن في مخيم حسن شام (أ.ف.ب)

قال خبراء استراتيجيون أمنيون في مصر، إن القتل أصبح مصير كل من يحاول الهروب من أرض الخلافة المزعومة لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، وإن جميع عمليات الإعدام التي ينفذها التنظيم الآن وفي وقت سابق، تتم في الأماكن العامة، كنوع من التخويف وبث الفزع في من يفكر في القيام بذلك.
الخبراء أكدوا أن «داعش» يضطر كل يوم لإعدام عدد من مقاتليه الذين يحاولون الفرار من الموصل هربا من المعارك والهجمات التي يشنها الجيش العراقي، خوفا من مصير الموت المحتوم بأيدي الجنود العراقيين. لافتين إلى أن استخدام «داعش» للأطفال والنساء كدروع بشرية هو «فزاعة» من جانب تلك الفئة الضالة، ويُعد نوعا من اليأس، ودليلا على نجاح هجمات التحالف الدولي.
كلام الخبراء اتسق مع دراسة حديثة في مصر أكدت أن «التنظيم يستخدم النساء والأطفال كدروع بشرية في صد عمليات القوات العراقية وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية»... الدراسة نفسها دعت إلى ضرورة حرمان التنظيم الإرهابي من استخدام المدنيين كدروع بشرية في أعماله الإرهابية الجبانة التي يستهدف بها إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى بين العراقيين.
وأفتى فواز العلي المُلقب أبو علي الشرعي القاضي الشرعي التابع لتنظيم داعش الإرهابي في مدينة الرقة، في يوليو (تموز) الماضي، بجواز قتل المقاتلين الدواعش الذين يحاولون الفرار من صفوف التنظيم، وكذلك قتل المدنيين الذين يحاولون الهرب ويعرضون حياة أعضاء «داعش» للخطر من خلال نقل معلومات.
وأجبر تنظيم داعش نساء وأطفالا وشيوخا على السير برفقة عناصر التنظيم لأيام كدروع بشرية، للتغطية على تراجعه إلى مدينة الموصل في العراق، فيما قام بفصل الصبية والرجال في سن القتال في الطريق وأخذوهم لمصير مجهول.
وبدأ تنظيم داعش الإرهابي بتصعيد وتيرة أعماله؛ لكن هذه المرة ليس لأعمال إرهابية؛ لكن ضد المدنيين الذين يحاولون الفرار، وأيضا مُقاتليه الذين يحاولون الهرب من إجبارهم على القيام بعمليات إرهابية والدخول في حرب أصبحت الآن خاسرة، خاصة مع تقدم قوات التحالف الدولي في العراق، وسيطرة النظام السوري على معظم مناطق سوريا وطرد التنظيم منه.
وقام التنظيم الإرهابي مؤخرا بقتل 20 رجلا حاولوا الهروب من غربي الموصل عبر نهر دجلة مستخدمين الزوارق من أجل الوصول إلى منطقة الرشيدية شمالي المدينة، بينما أخذ النساء والأطفال كرهائن ونقلهم إلى جهة مجهولة... فضلا عن إعدام 7 من مقاتليه حاولوا الهروب من خلال نهر دجلة؛ لكن ما منعهم من العبور كان سيطرة القوات العراقية على المجرى المائي، وهو ما دفعهم للعودة لغرب الموصل مرة أخرى، وأصدرت القيادات الميدانية المزعومة في تنظيم داعش أوامرها بإعدام الفارين رميا بالرصاص.
ويشار إلى أن «داعش» قتل مطلع فبراير (شباط) الجاري 46 شابا وصبيا في الموصل حاولوا الهروب من عمليات التجنيد القسري في صفوف التنظيم... كما رصدت تقارير أن أغلبية الشباب الذين قتلهم إرهابيو «داعش» رميا بالرصاص، كانوا قد حاولوا الهروب من عصابات التجنيد التي ينشرها التنظيم في المناطق التي ما زالت تحت سيطرته، للتعويض عن الخسائر البشرية التي يتكبدها في عناصره القتالية جراء القتال.
ويقول محللون بات الهروب مما يسمى بأرض الخلافة – المزعومة - حلما يراود آلاف المواطنين الذين ما زالوا تحت سيطرة عناصر تنظيم داعش في العراق وسوريا... وبرغم المخاطر الكبيرة التي يتعرضون إليها والتي أودت بحياة الكثير منهم؛ فإن الفرار من مناطقهم بات الشغل الشاغل لكل من تحمله قدماه على المسير لمسافات طويلة في أرض وعرة وفي ظل ظروف جوية سيئة جدا. وذكرت تقارير في وقت سابق أن عناصر «داعش» كانوا يأخذون المدنيين معهم لدى انسحابهم نحو أي مدينة... ولداعش سوابق في الاحتماء بالمدنيين من خلال اتخاذهم رهائن في مدن أخرى دافع عنها مقاتلوها.
وبحسب إحصائيات غير رسمية، نفذ تنظيم داعش حكم الإعدام في 14 عراقيا حاولوا الهرب، ونفذ عناصره 6 هجمات انتحارية في العراق، فضلا عن تنفيذ حكم الإعدام في 13 سوريا حاولوا الهرب أيضا، ونفذ ما يقارب 5 هجمات انتحارية، خلال يناير (كانون الثاني) الماضي.
وقال مراقبون إن «داعش» فرض غرامة 600 دولار لمن يريد الخروج من مناطقه في العراق، مؤكدين أن ازدياد وحشية «داعش» في القتل والإعدام وحرق المدنيين أحياء وتعذيبهم، يرجع إلى زيادة الضغوط على التنظيم، وتقليص أنشطته وانكماش بقعته في الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا.
الخبير الأمني والاستراتيجي في مصر اللواء كمال المغربي، قال: إن تنظيم داعش الإرهابي يتعرض لهزة كبرى في الوقت الحالي، فعلى الرغم من محاولات التنظيم الحفاظ على الأراضي الواقعة تحت سيطرته حاليا؛ فإنه يضطر كل يوم لإعدام عدد من مقاتليه، الذين يحاولون الفرار من الموصل هربا من المعارك والهجمات التي يشنها الجيش العراقي، وخوفا من مصير الموت المحتوم بأيدي الجنود العراقيين، مضيفا أن «الكثير من مسلحي (داعش) بدأوا يتهربون من القتال في صفوف التنظيم، ويلجأون إلى حيل مختلفة للتخلي عنه، كالتمارض وادعاء الرغبة الكاذبة في تنفيذ عمليات انتحارية»، موضحا أن «استخدام الأطفال في الحرب وبعضهم أقل من 12 سنة مخالفة صارخة للمعاهدات والمواثيق الدولية التي تحمي حقوق الأطفال، وجريمة ضد الإنسانية»، مشيرا إلى أن استخدام الأطفال والنساء كدروع بشرية هو «فزاعة» من جانب تلك الفئة الضالة.
الدراسة المصرية أكدت أن تنظيم داعش الإرهابي حول الجانب الغربي من مدينة الموصل إلى سجن كبير لأهل المدينة، ومنع خروج الأهالي إلى الجانب الشرقي من المدينة، والذي تم تحريره على أيدي القوات العراقية وقوات التحالف، مضيفة أن التنظيم الإرهابي يستخدم الأطفال والنساء كدروع بشرية في صد عمليات القوات العراقية وقوات التحالف، كما يستخدم الكثير من الأطفال كقنابل بشرية وأجساد مفخخة لتنفيذ العمليات الإرهابية داخل مناطق سيطرة القوات العراقية، وذلك بعد أن يقوم بعمليات غسيل الأدمغة للأطفال وحديثي السن لتجنيدهم في صفوف التنظيم وإرسالهم للقيام بالعمليات الانتحارية.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد أعربت عن تخوفها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من استخدام تنظيم داعش لعشرات الآلاف من المدنيين في مدينة الموصل العراقية كدروع بشرية للدفاع عن معقله.
من جهته، قال الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء طلعت مسلم، إن «اتخاذ الدواعش للنساء والأطفال كدروع بشرية يعد نوعا من اليأس، ودليلا على نجاح التحالف الدولي»، مضيفا أن استخدام العزل كدروع يؤكد أنهم ليسوا بمسلمين كما يدعون، لأن الإسلام حرم تهديد حياة الأبرياء، مشيرا إلى أن ما يفعله الدواعش، فعله من قبل الحوثيون في اليمن، وجماعة «بوكو حرام» في نيجيريا عندما استخدمت الأطفال والرهائن كدروع بشرية. وأكد مسلم أن اتخاذ «داعش» للمدنيين كدروع بشرية يدل على ضعف التنظيم الإرهابي، وخسته وقلة حيلته وسلوكه غير الأخلاقي، لأنه لا يستطيع حماية نفسه؛ إلا من خلال المدنيين العزل.
الدراسة المصرية التي أعدها مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء، دعت كافة الأطراف الدولية إلى العمل على إيجاد ممرات آمنة لأهالي الموصل المحاصرين في الجانب الغربي للعبور إلى المناطق الشرقية والشمالية من المدينة، وحرمان التنظيم الإرهابي من استخدام المدنيين كدروع بشرية في أعماله الإرهابية الجبانة، التي يستهدف بها إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى بين العراقيين.
كما طالب اللواء مسلم، العالم بالتعامل بشدة مع تنظيم داعش الإرهابي، لأن العنف لا يواجه إلا بالقوة، وضرورة حماية المدنيين وقت الحروب وإبعادهم عن مناطق الصراع.
وتعد مشاهد الجز وقطع الرقاب لكل من خرج عن طوع التنظيم، دليلا على أن «داعش» الذي يخدع من ينضم له بعبارات كاذبة عن الإسلام والمسلمين، يُعد من أكثر التنظيمات الدموية على مر التاريخ، كما أنه الأكثر استباحة للدماء والأنفس.
وأضحى تنظيم داعش معروفا بفيديوهات قطع الرؤوس للمدنيين والعسكريين على حد سواء والذين هربوا بالفعل، أو أعلنوا عن نيتهم في الهروب... ويشار إلى أن «داعش» خلال عامه الأول من إعلان دولة الخلافة – المزعومة - في سوريا والعراق عام 2014 قطع ما يزيد عن 3 آلاف رأس من المدنيين ومن عناصره بتهمة الغلو والتجسس لصالح دول أجنبية عند محاولتهم العودة إلى بلادهم.
يقول مراقبون إن «داعش» يستخدم قطع الرؤوس لترهيب السكان المحليين في سوريا والعراق وليبيا مؤخرا، حيث أصدر سلسلة من أشرطة الفيديو الدعائية، وبث التنظيم عمليات إعدام علنية وجماعية، واحتوت بعضها على سجناء أجبروا على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم، وكذلك أعدم عشرات المقاتلين السوريين المنتمين للمعارضة.
بينما قال الخبراء الاستراتيجيون، إن تنظيم داعش يرسل للعالم بمناظر إعدام الضحايا، رسالة بأن هذا سيكون مصير كل من يهرب من التنظيم، وكل من يخالفه في الفكر والمعتقد، مؤكدين أن التنظيم يلجأ لمشاهد قطع الرقاب نتيجة هروب الكثير من أنصاره في العراق وسوريا بسبب الخسائر والهزائم التي يتلقاها بشكل يومي على يد التحالف الدولي، ولتأكيد أنه لا يزال قويا وأوراق اللعبة في يده.
ويذكر أن الأردني أبو مصعب الزرقاوي مؤسس التنظيم في بداياته، هو أول من قام بذبح أحد الرهائن الأميركيين في العراق ويدعى يوجيين أرمسترونغ عام 2004، بحز رقبته بسكين، وقد قامت جماعة «التوحيد والجهاد» حينذاك بنشر الفيديو المصور لعملية الذبح على الإنترنت.
وسبق أن ذبح «داعش» رهينة ياباني، وسوريين وعراقيين، وعددا من الجنود اللبنانيين، بالإضافة لاثنين من الصحافيين الأميركيين، ومصريين أقباط في ليبيا.
وذكرت الدراسة المصرية ذاتها أن أفعال الدواعش باستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية تُخالف كل القيم والمبادئ الدينية والإنسانية وما جاءت به جميع الأديان السماوية، وأن أكثر ضحايا التنظيم هم من المسلمين سكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق وليبيا، مما يعني أن التنظيم إنما يحمل القتل والذبح أينما وجد، مشيرة إلى أن قادة تنظيم داعش يعتقدون أن القتل بشراهة ووحشية يسهم في استقرار سيطرتهم وخضوع الناس لهم خوفا من البطش والقتل على يد عناصره المنتشرين في مختلف مناطق سيطرتهم، وذلك على الرغم من أن التراث الإسلامي على امتداده لا يوجد به ما يدعو إلى القتل وسفك الدماء أو إرهاب الناس وتخويفهم كي يذعنوا لهم ويعلنوا البيعة والولاء.
في ذات السياق، يواجه «داعش» أزمة هروب الأجانب من العراق وسوريا، نتيجة انخداعهم بشعاراته الدينية ودعايته المضللة، قبل أن يتعرفوا على حقيقة الأوضاع على أرض الواقع، وهو ما دفعهم إلى محاولة الفرار من التنظيم، والعودة إلى مجتمعاتهم التي هجروها إلى - أرض الخلافة المزعومة.
وقال اللواء كمال المغربي إن «تزايد نشر أخبار التنظيم والمقاطع المُصورة لتنفيذ أحكام الإعدام لعناصره الهاربة من المعارك، هو ودليل واضح على ضعف الانسجام بين عناصره والإنهاك الذي أصاب التنظيم خلال الفترة الأخيرة بسبب قوات التحالف الدولي»، لافتا إلى أن «التحدي الأكبر للتنظيم الإرهابي في الفترة القادمة سيكون محاولة الحفاظ على تماسك التنظيم وترابط أعضائه ومنع انتشار عدوى الهروب من التنظيم إلى أطرافه ومختلف مناطقه». الخبراء قالوا أيضا إن «داعش» يحاول الحد من هذه الانشقاقات عن طريق مُصادرة جوازات سفر المنتسبين إليه ليضمن عدم هروبهم من التنظيم، فضلا عن إعدام مقاتليه الذين حاولوا الفرار من مواجهة القوات العراقية بتهمة الخيانة العظمى والسعي للانشقاق عن التنظيم.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».